في الوقت الذي بدأ فيه العمل بقانون الإجراءات الضريبية الموحد بعد نشره في الجريدة الرسمية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تلتزم الشركات المصرية توريد حصيلة الضريبة في غضون 30 يوماً، بدلاً من 60 يوماً، من تاريخ إصدار الفاتورة أو استلام دفعة أو تسليم خدمة أو سلعة.
وكشف استطلاع حديث حول كيفية تأثير هذه التغييرات على مجتمع الأعمال، وكيف تتكيف الشركات لتلبية المتطلبات الجديدة، أن التحدي أكبر للشركات التي تقدم خدمات أو التي تفتح ائتماناً لمورديها لأكثر من شهر ولا تتمتع بالميزة نفسها مع مَن تبيع أو تورد لهم. ما يعني أن التحدي أكبر للشركات الخدمية، مثل مكاتب المحاماة والمحاسبة ووكالات الإعلانات، إذ من غير المعتاد أن يسدد العملاء قبل 60-90 يوماً.
وفق الاستطلاع الذي أجرته نشرة "إنتربرايز"، فإن النسبة الأكبر من الشركات سارعت إلى الوفاء بالمتطلبات الجديدة، إذ تشهد مصلحة الضرائب المصرية مستوى عالياً من الامتثال من الشركات، فيما أكد ممثلو الشركات أن ليس لديهم نية للالتماس أو الشكوى من التعديلات، بل يعدون أنفسهم لضمان امتثالهم لتلك المتطلبات.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الشركات التي من المتوقع أن تتأثر بتعديلات القانون تتضمن 155.921 شركة بإجمالي استثمارات تقدر بنحو 1.156 تريليون جنيه (74.1 مليار دولار)، موزعة بين شركات مساهمة مصرية باستثمارات تبلغ 841.2 مليار جنيه (53.92 مليار دولار) وشركات مساهمة عربية باستثمارات تبلغ 152.2 مليار جنيه (9.75 مليار دولار) وشركات مساهمة أجنبية باستثمارات تبلغ 163.5 مليار جنيه (10.48 مليار دولار).
مدة زمنية قصيرة
ووفق الاستطلاع، فإن المشكلة الأبرز لدى عديد من الشركات حالياً، هي أن المدة الزمنية لتوريد ضريبة القيمة المضافة أقصر من الدورة التقليدية لبيع وشراء السلع والخدمات. والالتزام بإطار زمني أقصر ليس مستحيلاً، لكنه يضيف ضغوطاً على الشركات، إذ إن "الأمر يستغرق وقتاً لتسليم البضاعة من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، ثم مزيد من الوقت لفرز تلك البضائع وتخزينها في المستودعات. تلك المشاكل تظهر وتؤدي إلى تباطؤ العملية، لكننا عادة ما نتمكن من حلها خلال نظام التوريد كل شهرين".
أما المشكلة الأكبر فإنها تتمثل في التدفقات النقدية للشركات التي تشتري وتبيع بالائتمان لشهرين أو ثلاثة أشهر على الأقل. ووفق القانون الجديد، فإن كل من لا يقوم بتحصيل مستحقاته خلال أقل من شهر سيظل ملزماً توريد ضريبة القيمة المضافة إلى مصلحة الضرائب شهرياً، وسيضطر إلى أن يأخذ من أموال الشركة لتوريد الضريبة في موعدها، حسبما يقول محمد جنيدي رئيس مجموعة "يونيفرسال" للأجهزة المنزلية، الذي يشير إلى أن الخطر هو أن يترجم ذلك إلى شروط ائتمان أصعب من البائعين إلى المشترين، وهو ما قد لا يتحمله بعض المشترين.
في الوقت نفسه، فإن الشركات التي تعمل مع الحكومة تواجه المشكلة نفسها، إذ إن شركات شحن البضائع التي تنقل سلعاً أساسية مثل القمح للهيئة العامة للسلع التموينية تحتاج إلى أكثر من شهر لتحميل البضاعة وشحنها وإنهاء جميع الأوراق اللازمة.
ويرى أحمد الزيني رئيس شركة "الزيني غروب"، أن الأمر يرجع إلى أمور بيروقراطية تؤخر حصول الشركة على مستحقاتها من الحكومة، وفي بعض الأحيان قد يستغرق الأمر أشهراً عدة لتحصل الشركات على مستحقاتها وتكون قادرة على توريد الضريبة في موعدها. وعلى الرغم من الضغط الذي قد يسببه القرار، لا يمثل مشكلة حقيقية طالما أن عجلة الاقتصاد تدور والشركات لا تواجه أزمة سيولة.
كيف تتعامل الشركات التي تبيع بالتقسيط؟
في ما يتعلق بالشركات التي تعتمد على نظام البيع بالتقسيط للمستهلكين، يرى خالد سعد، أمين عام رابطة مصنعي السيارات، أن موزعي السيارات غالباً ما يبيعون بالتقسيط، ويسددون ضريبة القيمة المضافة على مبيعاتهم بعد الحصول على القسط الأخير من المشتري. لذلك، يصدر الموزعون فاتورة بتاريخ استحقاق آخر قسط أو دفعة كي يضمنوا أنهم لن يسددوا الضريبة على الثمن الكامل للسيارة قبل أن تكون السيولة متوفرة لديهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى القطاع العقاري، فإن مبيعات الوحدات السكنية لا تخضع لضريبة القيمة المضافة، ولكن الوحدات التجارية تخضع للضريبة. وبالنسبة إلى الشركات التي تؤجر وحدات سكنية فإنها تدفع ضريبة من المنبع على الوحدات غير المفروشة، لكن الوحدات المؤجرة المفروشة تخضع لضريبة القيمة المضافة.
ووفق الاستطلاع، قامت شركة الإسماعيلية حتى الآن بتأجير وحدات غير مفروشة فقط، لكن ستبدأ بتأجير وحدات مفروشة بأجهزة، وهو ما سيتطلب من الشركة توريد ضريبة القيمة المضافة على الإيجارات الشهرية لتلك الوحدات. وقالت مصادر في الشركة، إن توريد الضريبة خلال تلك الفترة الزمنية الضيقة أمر مرهق نوعاً ما لكنه ليس مستحيلاً، إذا جرى تحصيل الإيجارات في موعدها.
وعن كيفية تكيف الشركات مع المتطلبات الجديدة، فإن بعض الشركات استقدمت موظفين جدداً، لتسريع عملية بيع البضائع وتحصيل المستحقات في منتصف الوقت المعتاد. هذه هي الحال في مجموعة العرفة القابضة، التي وظفت مزيداً من العاملين لتسريع عملية فرز منتجات الشركة وتسليمها. وعلى الرغم من أن تلك الخطوة ساعدت الشركة في توريد ضريبة القيمة المضافة في موعدها، وتجنب اللجوء إلى القاعدة الرأسمالية للشركة لسداد الضريبة، فإنها أيضاً مثلت زيادة في التكاليف الثابتة للشركة.
لكن بعض الشركات تتأكد من تحصيل مستحقاتها قبل موعد سداد الضريبة، على سبيل المثال، تعتمد شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري بشكل كبير على الشيكات المقدمة من المستأجرين، لضمان أنه عندما يأتي موعد توريد ضريبة القيمة المضافة لمصلحة الضرائب، لن تجد الشركة نفسها مضطرة إلى مطاردة مستحقاتها لدى الآخرين لسداد الضريبة. وعلى سبيل المثال، إذا كانت الشركة تؤجر عقاراً لمدة 5 سنوات، فإن تحصل شيكات كل سنة قبلها بـ12 شهراً.
مع ذلك، فإن القرار قد يؤدي إلى تقليل معدل دوران الأعمال، وقد تخفض الشركات مخزون السلع أو المواد الخام التي تشتريها لتجنب تكبد تكاليف إضافية من السلع غير المستخدمة التي قد تؤدي في النهاية إلى انخفاض معدلات توريد الضريبة بشكل عام.
وفي عالم يشتري ويبيع فيه الجميع بالائتمان، لا ينبغي أن يكون توافر السيولة مشكلة، حسبما ترى وزارة المالية المصرية. ووفق الاستطلاع، فإن المصانع تشتري المواد الخام عن طريق الائتمان، ثم تبيع منتجاتها للموزعين عن طريق الائتمان أيضاً، ما يعني نظرياً أنهم لن يتحملوا عبء تكلفة السلع وتوريد الضريبة في وقت واحد.