حاول رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدن عراقية عدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، اتخاذ خطوات للتقليل من زخمها ونقمة المحتجين تمثّلت في سلسلة من التعيينات الكبيرة للشباب، أدت إلى نتائج كارثية على الدولة العراقية واقتصادها.
فهذه التعيينات التي أطلقت للفترة من أكتوبر 2019 وحتى فبراير (شباط) 2020 والذي تجاوز عدد المشمولين بها نحو 200 ألف شخص بحسب مصادر حكومية مختلفة، ومن دون وجود تخصيص مالي لتغطية رواتب المعيّنين الجدد كما هو معمول به في قانون الموازنة وباقي القوانين العراقية، أدت إلى عجز حكومي في التعامل معها في ظل الأزمة المالية التي تشهدها البلاد.
وعلى الرغم من مرور نحو 10 أشهر على تعيينهم كموظفين في الدوائر العامة أو بعقود أو كأُجراء في مؤسسات الدولة المختلفة، لا سيما في مؤسسات الطاقة والصناعة، إلا أنهم لم يتسلّموا ديناراً واحداً لعدم قدرة الحكومة الحالية على إيجاد منافذ تمويل تضمن تسليمهم ولو مرتّب شهر واحد.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق وتهّرب البرلمان من تضمين رواتب هذه الشريحة في قانون سدّ العجز البالغ 12 تريليون دينار عراقي (10 مليارات دولار)، ما زالت رواتب هؤلاء من دون حلول تذكر، على أمل إقرار الموازنة المالية لعام 2021 لعلها تجد حلولاً.
الحلول مفقودة
في المقابل، تستبعد اللجنة المالية في مجلس النواب إيجاد حلول سريعة لتوفير الرواتب لهذه الشريحة حتى في موازنة 2021. ويقول عضو اللجنة المالية أحمد الصفار إن عدداً كبيراً جداً من المعيّنين الجدد عام 2019 لم يستلموا رواتبهم منذ تعيينهم لعدم وجود تخصيص مالي لدى الحكومة العراقية، مشيراً إلى أن أعدادهم كبيرة جداً ويحتاجون إلى توفير مبالغ كبيرة لمدة أكثر من سنة.
ويتحدّث الصفار عن شرطين للتعيين في مؤسسات الدولة العراقية، أولهما أمر التعيين من الجهة المختصة وهذا توفّر من خلال أمر مجلس الوزراء، والثاني يتمثل في تأمين التخصيص المالي وهذا لم يتم تحقيقه وبذلك هناك نقص في أحد الشروط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشكّل عدم إدراج مخصصات للأعداد الكبيرة من المعيّنين الجدد ضمن قانون تمويل العجز الحكومي أو موازنة 2021، فقداناً لأحد الشروط القانونية للتعيين بحسب الصفار الذي بيّن أن عدم تغطية وضعهم المالي في الموازنة يعني أن عقدهم باطل.
تثبيت حقوقهم
لكن اللجنة القانونية في مجلس النواب، دعت الحكومة إلى تضمين حقوق هذه الشريحة في موازنة 2021.
ويقول عضو اللجنة حسين العقابي إن هناك تقصيراً حكومياً واضحاً من قبل الحكومة في دفع رواتب المعيّنين الجدد من الموظفين الحكوميين، مشيراً إلى أن عدم تسلّم رواتبهم لهذه المدة الطويلة مخالف للقانون والدستور، لا سيما أنهم مستمرون بعملهم اليومي منذ أكثر من سنة من دون أي مستحقات مالية".
ويشدد العقابي على ضرورة أن تفي الحكومة بالتزاماتها تجاه الموظفين الجدد وتدفع رواتبهم المتأخرة، مبيّناً أنه تم وضع تخصيصات لهم ضمن قانون العجز الذي صوّت عليه البرلمان أخيراً.
فسخ عقودهم
وعلى الرغم من العشوائية التي تمت فيها التعيينات، فإن قانونيين يوضحون أن الحكومة ملزمة بدفع رواتب هذه الشريحة حتى لو على دفعات، فيما أكدوا وجود إمكانية لفسخ عقودهم قانونياً.
ويقول الخبير أحمد العبادي "إن الدولة ملزمة بدفع رواتب لهم خلال السنة التي قضوها في الوظيفة، ومن حقهم رفع دعوى على الحكومة لتأخر دفع مستحقاتهم"، مشيراً إلى أحقية الدولة إلغاء أو فسخ عقودهم بعد تسديدها للفترة السابقة.
ويشترط التعيين في الدولة وجود الدرجة الوظيفية والتخصيص المالي وأن يكون من خلال الحذف والاستحداث كبدلاء للمتقاعدين أو الدرجات الشاغرة التي توضع ضمن الموازنة وفق العبادي، ما يؤكد ضرورة وجود تخصيص مالي للحالتين من قبل وزارة المالية.
ويضيف أن "الحكومة لا تسطيع دفع رواتب هؤلاء الموظفين الجدد لكون تعيينهم حدث بصورة عشوائية.
الدفع الجزئي
وعدم إمكانية دفع رواتبهم، مما أدّى إلى تراكمها، أوجد فرضية بعض الحلول من قبل خبراء الاقتصاد، إذ يرى بعضهم أن باستطاعة الحكومة حلّ المشكلة على مراحل من خلال دفع جزء من رواتب هذه الشريحة وفق مدد زمنية متباعدة.
ويتوقع الاقتصادي حازم هادي أن تلجأ الحكومة إلى دفع جزء من مستحقات الموظفين ضمن موازنة العام المقبل على أن تسدّد ما تبقّى من المبلغ على دفعات.
ويضيف أن "على الحكومة اللجوء إلى ترشيد الإنفاق بشكل كبير وأن تفي بالتزاماتها تجاه تلبية رواتب الموظفين"، داعياً القائمين على وضع الموازنة إلى إيجاد حلول لعشرات الآلاف من المعيّنين الجدد.