في خضم أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، التي انتهت بالإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، توجّهت الأنظار آنذاك إلى وزارة الداخلية المتهمة بالتضييق على الحريات والممارسات القمعية ضد المعارضين للنظام.
وفي سياق ما عرف بـ"تطهير وزارة الداخلية"، صدر في 2 فبراير (شباط) 2011 قرار من قبل الوزير آنذاك، فرحات الراجحي بإحالة 42 ضابط أمن إلى التقاعد الإجباري.
ومنذ ذلك التاريخ وقضية المحالين تتفاعل بين أروقة المحكمة الإدارية، التي أنصفت البعض منهم على غرار العقيد لطفي القلمامي، الذي حصل على حكم باتّ ونهائي من المحكمة ينصّ على عودته إلى عمله في وزارة الداخلية، إلا أن الأخيرة رفضت تطبيق القرار الذي صدر في أبريل (نيسان) 2013.
حسابات سياسية
وبعد مرور سبع سنوات على صدور قرار المحكمة الإدارية، يواصل العقيد القلمامي جهوده من أجل ردّ الاعتبار وإنصافه من قبل الوزارة التي عمل فيها لسنوات وتقلّد فيها أعلى الرتب الأمنية.
وأكد في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن القرار الذي اتخذه وزير الداخلية فرحات الراجحي، كان سياسياً بامتياز، بالتنسيق مع سهام بن سدرين، التي تولّت في ما بعد رئاسة هيئة العدالة الانتقالية، من أجل تصفية حسابات سياسية، معتبراً ما حدث عملية متسرعة ومشبوهة، في وقت تمرّ تونس بوضع أمني مرتبك بسبب تنامي الاحتجاجات في مختلف المناطق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن الغاية آنذاك كانت إفراغ الوزارة من قياداتها العليا بهدف إفساح المجال للتلاعب وتصفية الحسابات السياسية، مؤكداً أنه على الرغم من وجود تشابه في الأسماء بينه وقيادي أمني آخر، واعتراف وزارة الداخلية في حينها بالخطأ، إلا أنها لم تُنصفه.
وبدا القلمامي متمسّكاً بحقوقه على الرغم من تمتّعه بمعاش التقاعد بشكل طبيعي، لكنه اعتبر أن ما حصل في حقه وحق زملائه ظلماً، داعياً إلى إعادة النظر في الملف برمّته من أجل إنصاف المظلومين وحتى تحترم مؤسسات الدولة.
صراع السلطتين التنفيذية والقضائية
وتحدّث القلمامي عن غياب الإرادة السياسية لناحية تطبيق قرارات المحكمة الإدارية الباتّة والنهائية، التي تنصّ على عودته إلى العمل، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية تدفع باتجاه ربح الوقت إلى حين يبلغ سن التقاعد، بالتالي تستحيل عودته إلى العمل.
من جهة أخرى، أكد القيادي الأمني أن ما وصلت إليه تونس اليوم من صراع بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، ينذر بالخطر، داعياً الأخيرة إلى احترام المؤسسة القضائية والالتزام بما تصدره من أحكام، حماية للبلاد من الفوضى.
في المقابل، طالبت الجامعة العامة لمتقاعدي قوات الأمن الداخلي والديوانة، بتنفيذ أحكام المحكمة الإدارية، الصادرة لفائدة زملائهم المحالين إلى التقاعد الإجباري، بإرادة اعتبروها "سياسوية"، والذين طال انتظارهم، وبقيت الأحكام القضائية حبراً على ورق.
تحييد الإطارات الأمنية عن التجاذبات السياسية
وفي بيان لها، دعت الجامعة إلى عدم "الزجّ بالشخصيات الأمنية في التجاذبات السياسية"، معبّرة عن رفضها المطلق للظلم الذي تعرّض له العقيد لطفي القلمامي، الذي عُرف بـ"الكفاءة ونظافة اليد".
وطالبت المجتمع المدني والحقوقيين بممارسة مزيد من الضغط على السلطة التنفيذية وإجبارها على تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية لصالح الضباط المضطهدين، بحسب نص البيان.
في السياق ذاته، أكدت جمعية "أمل واستشراف" تمسّكها بحقوق المحالين إلى التقاعد من دون وجه حق، مشددة على أن وزارة الداخلية تبقى مطمح جميع السياسيين، لذلك فإن ملف المحالين إلى التقاعد هو ملف سياسي من أجل تطويع القيادات الأمنية وإفراغ الوزارة من القيادات العليا وتنفيذ أجندات سياسية.
تدويل القضية
وأمام استنفاذ جميع مراحل التقاضي وإنصافه من قبل المحكمة الإدارية التونسية، وفي ظل تلكّؤ الجهات الرسمية في تطبيق القرارات القضائية، ينوي القلمامي التوجّه إلى القضاء الدولي من أجل إجبار الدولة التونسية على تطبيق الأحكام القضائية الصادرة لصالحه.
تنفيذ 30 في المئة فقط من الأحكام القضائية الإدارية
من جهة ثانية، أكدت أستاذة القانون العام هناء بن عبدة أن الدستور نصّ على ضرورة احترام القرارات القضائية، إلا أنه لم يضع الآليات والأدوات المتعلقة بتنفيذها.
وأشارت إلى أن المعضلة الحقيقية تكمن في أن الأحكام القضائية الصادرة، بخاصة عن المحكمة الإدارية لا يتم تنفيذ إلا 30 في المئة منها، وتبقى حوالى 70 في المئة من هذه القرارات من دون تطبيق، محذّرة من خطورة عدم التوازن بين السلطات.
ودعت بن عبدة إلى ضرورة احترام مؤسسات الدولة للقرارات القضائية، مشيرة إلى أن وزارة الداخلية عادة ما تتعلّل بالأسباب الأمنية في عدم تنفيذها لأحكام المحكمة الإدارية.