دخلت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حول اتفاق ما بعد خروج بريطانيا من أوروبا (بريكست) أيامها الأخيرة هذا الأسبوع بجولة مفاوضات مباشرة. ووصل رئيس وفد التفاوض الأوروبي ميشال بارنييه إلى لندن أمس السبت، بعد خروجه من فترة العزل الذاتي إثر إصابة أحد افراد الفريق الأوروبي بفيروس كورونا، ما يشعل العد التنازلي للاتفاق، ويحبس أنفاس طرفي الطلاق الطويل في القارة العجوز.
ويجري الوفد الأوروبي محادثات مكثفة مع نظيره البريطاني برئاسة ديفيد فروست على مدى الأيام القادمة ربما حتى الأربعاء أو الخميس، حيث سيبدو واضحاً عندئذ إن كان التوصل إلى اتفاق ممكناً أم لا.
وحمل الوفد الأوروبي اقتراحاً بشأن حقوق الصيد في المياه البريطانية، يتضمن خفض نصيب أساطيل الصيد للدول الأوروبية بنسبة ما بين 15 و18 في المئة، وهو ما رفضه الفريق البريطاني على الفور. وتطالب بريطانيا باستعادة ما يصل إلى 80 في المئة من حقوق الصيد الأوروبية في المياه البريطانية.
الصيد والقوانين
وعلى الرغم من التصريحات المتشددة من قبل الطرفين بشأن الاستعداد لبريكست من دون اتفاق، يرى بعض المراقبين أن المفاوضات ستتوصل في النهاية إلى اتفاق ما في اللحظة الأخيرة. ومن المؤشرات على ذلك أن البرمان الأوروبي حدد موعداً مبدئياً للانعقاد في 28 ديسمبر ( كانون الأول) القادم (أي قبل ثلاثة أيام من انتهاء الفترة الانتقالية للبريكست)، للتصديق على اتفاق إذا تم التوصل إليه. كما سحبت وزيرة الداخلية البريطانية مشروع قانون يتعلق باللاجئين القادمين عبر القنال الإنجليزي من أوروبا في اللحظة الأخيرة، ما يشير إلى أن الآمال لم تفقد بعد في إمكانية التوصل إلى اتفاق.
كما أن الخلاف الحاد بشأن حقوق الصيد لم يمنع إحراز المفاوضات تقدماً بشأن نقطة خلافية أخرى، وهي بند مساواة القواعد والقوانين، حيث يريد الأوروبيون أن يكون البند مشدداً في منع بريطانيا من تقديم دعم حكومي للشركات والأعمال، بما يعطيها ميزة تنافسية على نظيرتها الأوروبية. ويصر البريطانيون على أن يكون تشريعهم للقواعد والقوانين المنظمة للأعمال، ودعم الشركات قراراً سيادياً مستقلاً، لأن هذا هو الهدف الأساس من البريكست.
وتم التوصل إلى حل وسط يضمن لبريطانيا ما تعتبره مسألة سيادية، ولم يتبق سوى الاتفاق على آلية فض النزاعات في حال رأى أحد طرفي الاتفاق (أوروبا هنا)، أن الطرف الآخر اتخذ إجراءات أو شرع قواعد وقوانين تنتهك مبادئ حرية المنافسة. ويرفض المفاوضون البريطانيون أن تكون للمفوضية الأوروبية اليد العليا في مسألة فض النزاعات، باعتبار أن ذلك ينتقص من السيادة البريطانية. ويجري حالياً التفاوض على صياغة مسودة بند فض النزاعات في ما يتعلق بمساواة القواعد والقوانين.
حتى في المسألة الشائكة المتعلقة بحقوق الصيد، يمكن للمفوضية الأوروبية في اللحظة الأخيرة القبول بحل وسط يتضمن خفض حصص الصيد للأساطيل الأوروبية في ما بين الربع أو الثلث. ويظل احتمال أن يكون اتفاق حقوق الصيد منفصلاً، على أن تتم مراجعته بعد فترة. وهو ما يمكن أن تقبل به بريطانيا أيضاً لأن الواقع أنها لا تملك أساطيل صيد قادرة على استغلال القدر الأكبر من نصيب الدول الأوروبية المطلة على المياه المشتركة مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا. لذا صرح وزير الخارجية البريطانية دومينيك راب، أن المفاوضات تسير بجدية وإيجابية وأنه ما زال ممكناً التوصل إلى اتفاق.
حظوظ الاتفاق لا تزال قائمة
ويدرك الطرفان أن الوقت ينفد، وأن مفاوضات هذا الأسبوع حاسمة تماماً. وأبلغ ميشال بارنييه نواب البرلمان الأوروبي قبل مغادرته بروكسيل إلى لندن السبت، أنه سيواصل التفاوض حتى الثلاثاء أو الأربعاء بشكل مكثف. ويطالب البريطانيون الوفد الأوروبي أن يأتي بمقترحات قابلة للتفاوض بشأنها. وما زالت هناك إمكانية تدخل كل من رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في الأيام المقبلة، لحسم مسألة التوصل إلى اتفاق. وسبق أن اتفق الاثنان على الاتصال حين يتطلب الأمر خلال جولات التفاوض قبل الانتهاء، إلى أن فرص الاتفاق لم تعد ممكنة.
وعلى الرغم من أن تبعات بريكست من دون اتفاق ستكون أكثر ضرراً على الاقتصاد البريطاني، إلا أن المفوضية الأوروبية تتحسب أيضاً عواقب بريكست من دون اتفاق على اقتصاد الاتحاد. وغالباً ما ستأتي نهاية هذا الأسبوع بمحصلة حاسمة في شأن اتفاق بريكست، سواء بدخان أبيض بأن هناك اتفاق، أو دخان أسود بفشل المفاوضات.