رغم سلسلة الانتقادات التي وجهها الرئيس ترمب للاحتياطي الفيدرالي فإنه في هذا الأسبوع أخذ زمام الأمور، ولم يطلب فقط من الاحتياطي خفض معدلات الفائدة، بل أن يستعد أيضا لتعيين شخصيات مقربة منه غير اعتيادية لتنضم إلى هذه المؤسسة، وهو أمر يراه بعض الخبراء تحول نحو "سياسة نقدية مسيسة".
وقبل يومين أعلن ترمب، الذي يَشيد على الدوام بالوضع الممتاز للاقتصاد الأميركي، أنه يريد أن يطلق السنة الانتخابية 2020 كـ"الصاروخ".
ويشير تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أن هدف الرئيس الأميركي هو تحقيق غايته على الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة، بل ضخ سيولة في الاقتصاد كما فعل في عهد إدارة أوباما لدعم الانتعاش بعد الأزمة المالية. ويشير مؤشر الفائدة الأساسي المحدد بـ2.5%، وهو مستوى يبقى منخفضا نسبيا. ولترسيخ نفوذه على البنك المركزي يهدف الرئيس إلى تعيين اثنين من مؤيديه في مجلس حكامه، وهما ستيفن مور، 59 عاماً، أحد المستشارين السابقين لحملته، وهو اقتصادي مثير للجدل، وهرمان كاين، 73 عاماً، الذي كان يشرف على مجموعة مطاعم بيتزا وعضوا في فرع إقليمي للاحتياطي الفيدرالي. وقد خسر ترشيحه للانتخابات الرئاسية في 2012 بسبب اتهامات بالتحرش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأثارت مبادرات ترمب على الفور قلق خبراء الاقتصاد حتى وإن ظن البعض كـ"جوزف لافورنيا دو ناتيكسيس" بأن الاحتياطي الفيدرالي ذهب بعيدا في رفع معدلات الفائدة.
لكن لمجلس الشيوخ، حيث الغالبية الجمهورية ضيقة (53 مقابل 47)، صلاحية تأكيد خيارات الرئيس للاحتياطي الفيدرالي، وقد يرفض القيام بذلك لهاتين الشخصيتين المثيرتين للجدل. وقال مايكل غابن من "باركليز ريسرتش" إن خيار ترمب "قد يثير تساؤلات حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ويعتبر محاولة لتسييس السياسة النقدية".
استقلالية الفيدرالي على المحك
وقال تيم دوي، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوريغن والإخصائي في شؤون البنك المركزي لوكالة الأنباء الفرنسية، "وصلنا إلى نقطة أصبحت فيها التهديدات لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي في أعلى مستوى منذ عقود". يشار إلى أنه يجب العودة إلى سبعينيات القرن الماضي، وعهد ريتشارد نيكسون عندما مورست مثل هذه الضغوط على المؤسسة النقدية، عشية إعادة انتخابه في 1972 فقد أرغم مدير الاحتياطي الفيدرالي آرثر بيرنز على خفض معدلات الفائدة. وكان الاحتياطي الفيدرالي رضخ للضغوط داعما اقتصاداً كانت وتيرته مرتفعة، وعلق خبراء بالقول في وقته "بأن سياسة "المال السهل" قد نمت التضخم الكبير الذي سجل في نهاية السبعينيات".
وقال تيم دوي إن "دونالد ترمب حاقد على جيروم باول (الرئيس الحالي للاحتياطي الفيدرالي) وزملائه، لأنهم استمروا في رفع معدلات الفائدة في نهاية 2018"، و"أدرك أنه في إمكانه أن يلعب دورا ويعين من يشاء". أما إدارة ترمب فتنفي بشدة أنها تحاول التأثير على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. وقال لاري كودلو، المستشار الاقتصادي الرئيسي لترمب، "إننا في دولة حرة، لا نمارس ضغوطا، لدينا وجهة نظر".
في هذا الصدد يشير طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الإستراتيجية، لـ"اندبندنت عربية" إلى أنه من الصعب القول أن الرئيس ترمب يستطيع التدخل مباشرة في سياسة الفيدرالي الأميركي والذي يتمتع باستقلالية تامة، وكل ما يثار عن ذلك ما هو إلا فقاعات إعلامية، فالبنك هو من يعين الأمناء، وهو من يضع الأسماء، وأن التدخلات السياسية من البيت الأبيض غير واقعية". وأضاف: "إن رفع الفائدة أو خفضها خاضع لأداء الاقتصادي الأميركي، ومدى ملاءمته للقرار".
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" قد يكون ترمب قال مؤخرا لباول في اتصال هاتفي: "أعتقد أني عالق معك"، بعد أن حاول التخلص منه وهو أمر غير جائز قانونا.
وأكد بأول مؤخرا، ويتفادى التعليق على تدخلات ترمب، "أن الأخير لا يستطيع إقالته".
وقال تيم دوي "كنا حتى الآن نعتقد أن البنك المركزي سيكون المؤسسة الوحيدة التي ستكون بمنأى عن التقلبات المتسارعة في واشنطن. لكن من الواضح أن ذلك تغير الآن". وأضاف "أنه تحذير" في حين يمكن استبدال باول في نهاية ولايته خلال ثلاث سنوات.
لماذا يتدخل ترمب في سياسات الفيدرالي؟
من جانبه يرى رئيس أبحاث السوق في تيتتشين، عبد العظيم الأموي، أن الفيدرالي الأميركي ومنذ العام 1977 مقيد بتفويض Mandate بمهمتين: الأولى المحافظة على استقرار الأسعار price stability، والمهمة الثانية هي الإشغال الكامل في سوق العمل full employment . ولكي يقوم الفيدرالي بهذه المهام يستخدم أدوات السياسة النقدية وعلى رأسها سعر الفائدة، وهو يرفعها عندما يخشى من ارتفاع الأسعار، ويخفضها عندما يرغب في تحفيز الاقتصاد ورفع الأسعار لمستوى التوازن، ويقوم الفيدرالي بهذه المهمة في استقلالية تامة. في الوقت ذاته يتمتع الفيدرالي الأميركي باستقلالية تامة في سياساته وقراراته بشأن السياسة النقدية، وللمحافظة على هذه الاستقلالية لا يتلقى الفيدرالي تمويلا عبر موازنات الكونغرس، ولكنه يعتمد على العائد من الفوائد على الأوراق المالية الحكومية في نظام السوق المفتوح الذي يشرف عليه إضافة إلى مصادر الدخل الأخرى، وهي الرسوم على خدمات الإيداع، ومقاصة الشيكات والمقاصة الآلية، وما فاض من هذه الإيرادات يقوم الفيدرالي بإيداعها في وزارة الخزانة (المصدر موقع الاحتياطي الفيدرالي)، هذا الأمر جعل الفيدرالي الأميركي بعيدا عن الضغط المباشر من الحكومة عبر التمويل، لكن يبقى الضغط السياسي والإعلامي الذي يمارس ضده.
البيت الأبيض يمارس ضغوطا على الفيدرالي
وأوضح الأموي أنه "وبعد عام من فترته الرئاسية بدأ الرئيس دونالد ترمب وإداراته ممارسة ضغوط على الاحتياطي الفيدرالي لإيقاف وتيرة رفع سعر الفائدة"، وفي 2018 صرح وزير الخزانة ستيفن منوشن في منتدي دافوس بأن "الإدارة ترغب في دولار ضعيف"، ثم تلا ذلك الرئيس الأميركي ترمب بتغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ( روسيا والصين تخفضان من عملاتهما بينما الفيدرالي عندنا يرفع سعر الفائدة)، وأظهر تذمرا واضحا من استمرار الفيدرالي في سياسة رفع الفائدة. ويشير الخبير الأموي إلى أنه من المعلوم أن الفيدرالي رفع سعر الفائدة في وتيرة جديدة لتغيير سياسته النقدية نحو التوازن التي بدأت في ديسمبر (كانون الأول ) 2015 بـ 25 نقطة أساس، ثم رفع آخر في نوفمبر( تشرين الأول ) 2016، ثم انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، وتزامن ذلك مع استمرار الفيدرالي في سياسة رفع سعر الفائدة خلال عامي 2017-2018 سبع مرات بواقع 25 نقطة أساس كل مرة، وزادت لأكثر من 9 مرات، ثمان منها خلال فترة رئاسة ترمب.
ويرجع الاقتصادي الأموي أسباب تدخل الرئيس في سياسة الفيدرالي لسببين، موضحا "الأول أن الإدارة الأميركية طرحت برنامجا لتحفيز الاقتصاد وبرامج تخفيضات ضريبية سيكون لها تأثير بزيادة عجز الموازنة، وهذا يتطلب دولارا ضعيفا يعزز من تنافسية الصادرات الأميركية، والسبب الثاني هو أن الإدارة الأميركية دخلت في حرب تجارية مع الصين، حيث تم توجيه اتّهام لبكين بخفض قيمة عملتها لتعزز صادراتها بينما ترى الإدارة الأميركية أن سياسات الفيدرالي الحالية تتسبب في قوة الدولار مقابل العملات الأخرى، وهذا الأمر لا يساعد الاقتصاد أثناء هذه الحرب التجارية التي لها تأثيرات عكسية وسلبية على الاقتصاد".
ترمب يتطلع لرئاسة ثانية بدعم اقتصادي
إلى ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد رمضان في اتصال معه من الكويت أن "سياسة ترمب الاقتصادية قد تختلف عن غيره من الرؤساء، ولذلك نرى التجاذب بينه وبين البنك المركزي حول معدلات الفائدة وغيرها من المواضيع"، مضيفا "بات من الواضح أن ترمب يريد بشكل ما إخضاع سياسة البنك الفيدرالي (والذي يتمتع باستقلالية تامة عن الرئاسة) إلى توجهه في تعزيز النمو الاقتصادي في مرحلته، وذلك استعدادا لمرحلة الانتخابات المقبلة والتي يتطلع للفوز فيها لدورة ثانية، ورغم أنه متعارف عليه ضرورة التقارب بين المركزي والرئيس لما في مصلحة الاقتصاد، إلا أن ترمب يريد الاستعجال في تنفيذ قرارات مالية تدعمه سياسيا، وهناك من يرى من الخبراء أن بعض هذه الإجراءات السريعة قد تكون مفيدة على المدى القريب، لكنها ستكون مضرة على المدى البعيد للاقتصاد الأميركي".