تعد خلافة الصادق المهدي في زعامة حزب الأمة وإمامة طائفة الأنصار مسألة بالغة التعقيد، نظراً إلى وزن الرجل السياسي والديني داخلياً وخارجياً، فضلاً عن طبيعة قدراته المتعددة الاتجاهات، فهو سياسي بارز، يمتلك خبرات وقدرات حافظت على حزبه من الانفجارات والانشقاقات مرات عدة، وهو أيضاً مناور داهية استطاع التفاعل مع الديكتاتوريات العابرة على السودان طوال النصف قرن الماضي، وأيضاً التفاعل مع خصومه السياسيين بمهارة مشهودة.
وكذلك هو الزعيم الديني المؤثر في طائفته وأيضاً في المحيط الإسلامي عربياً وعالمياً، وهو المفكر والواجهة المشرّفة لحزبه وطائفته، بطبيعة طروحاته الفكرية على مستوى الفكر الديني الإسلامي، وأيضاً في الأزمات السياسية المطروحة على بلده والإقليم. أما على المستوى العالمي، فالصادق المهدي يعد رئيس الوزراء المنتخب الوحيد بعد استقلال السودان، لهذا كان عضواً في المنتديات السياسية العالمية الداعمة للديمقراطية، وكان صاحب صوت مسموع في برلمانات أهم العواصم العالمية.
إمامة الأنصار مهدية
ربما يكون من المتفق عليه أنه من الصعوبة بمكان أن يخلف الصادق المهدي من يجمع بين رئاسة الحزب وإمامة طائفة الأنصار. فلا يبدو من المرشحين من يملك القدرات المتعددة التي أتاحت للمهدي ذلك الموقع الفريد، على المستويين الديني والسياسي معاً، فضلاً عن السمات الشخصية.
من هنا، فإن خلافة إمامة الأنصار تبدو مضمونة لأسرة المهدي حصراً، حيث تكونت الطائفة إبان الثورة المهدية عام 1881 على يد محمد أحمد المهدي الجد الأكبر، وهؤلاء كانوا أنصاراً في معركته ضد الاستعمار، وعلى ذلك فإن أبرز المرشحين من أبناء المهدي لزعامة الأنصار هما عبد الرحمن والصديق.
تولى الصادق المهدي إمامة الأنصار على مدى ستة عقود، وهي الطائفة التي تعود إلى الثورة المهدية التي قادها محمد أحمد المهدي ضد الاستعمار التركي، لذا فلن تخرج إمامة طائفة الأنصار عن آل المهدي، فهم الزعماء الروحيون تاريخياً لهذه الطائفة، وتبدو حظوظ عبد الرحمن كبيرة، حيث لا تمثل العلاقة مع السلطة السياسية أي إشكالية، بل ربما تكون مطلوبة لدعم الطائفة اقتصادياً واجتماعياً.
كما أن عبد الرحمن المهدي الابن يستطيع على المستوى الشخصي، وبحكم منصبه السياسي، تقديم مهام الرعاية المطلوبة للمحتاجين في الطائفة، وهو ربما ما يفسّر تلك الهتافات التي انطلقت كرسائل في جنازة المهدي بالمطالبة بإمامة عبد الرحمن. أما عوامل دعم الابن الثاني الصديق الصادق المهدي في زعامة طائفة الأنصار فتعود إلى قدراته الدينية، وانخراطه في صفوف الطائفة اجتماعياً، ومحبة الكثيرين له في ضوء طابعه الإنساني.
حظوظ ورهانات المرشحين
كان الصادق المهدي رئيساً لحزب الأمة مدة تقارب ستة عقود من عمر الحزب الذي تأسس عام 1945 من القرن الماضي. وربما يكون السؤال الأكثر أهمية في مسألة خلافة المهدي في الحزب هو ما مدى استمرار مسألة زعامة الحزب في الارتباط بأسرة المهدي، خصوصاً بعد ثورة 2019، وذلك بطبيعة المفاهيم السياسية التي طرحتها والانحيازات السياسية للقواعد الاجتماعية لهذه الثورة؟
وعلى عكس الطائفة، فإن لزعامة الحزب أبعاداً إقليمية غير خافية، ذلك أن بعض الدول تراهن على "الأمة"، واستثمرت في أسرة المهدي فعلياً، لدعم الحزب والأسرة في المرحلة ما بعد الانتقالية، رهاناً على فوزه في الانتخابات، استناداً إلى طائفة الأنصار التي تنتشر في الأرياف السودانية، إذ إن القواعد الاجتماعية للطائفة والحزب من المزارعين، خصوصاً في مناطق غرب السودان وكردفان، فطبقاً لمقولة عبد الرحمن المهدي الجد ومؤسس الحزب "كل أنصاري حزب أمة".
مبارك المهدي... منشق فرصه قائمة
وفي هذا السياق، من المتوقع أن تدور صراعات سياسية تستهدف بناء تحالفات في إطار الاستعداد للمؤتمر العام للحزب، الذي من المفترض أن يكون وعاء حسم هذه النزاعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو لنا أن التحالفات ستكون في اتجاهين الأول: في إطار أسرة المهدي التي تناوب على رئاسة الحزب فيها بين فرعين، أحدهما ينتمي إلى مبارك المهدي الذي شغل منصب وزير الصناعة في عهد الديمقراطية الثالثة 1985-1989، لكنه انشق عن حزب الأمة القومي، وأنشأ حزب الأمة للإصلاح والتجديد مطلع الألفية في أعقاب الخلاف مع الصادق المهدي.
وعلى رغم تعثر المصالحة بين الرجلين على حياة الصادق المهدي، الذي كان يعتبر أن مبارك خانه، فإن الصادق لم يقدم أبداً على فصل ابن عمه مبارك من صفوف الحزب. ومن هنا فإن فرصة التوحيد ربما تكون قائمة لو أتيح لمبارك الزعامة.
مريم المهدي... علاقات خارجية ولكن
وهو أمر من المتوقع أن تقاومه مريم المهدي، التي يطلق عليها الأنصار "المنصورة"، التي قد تسعى لرئاسة الحزب، انطلاقاً من علاقاتها الداخلية والإقليمية والعالمية وقدراتها السياسية. لكن على رغم ذلك فإن حظوظها في رئاسة الحزب تعد محدودة، نظراً إلى كونها امرأة في حزب قواعده الاجتماعية قاعدة دينية تقليدية، يغلب عليها الطابع الصوفي.
وفي المقابل، يبدو أن حظوظ عبد الرحمن في رئاسة الحزب محدودة أيضاً، وذلك نظراً لالتحاقه بنظام البشير مساعداً لرئيس الجمهورية قبل عدة سنوات، وهو أمر كان محل انتقاد من القوى السياسية السودانية، ويجعل فرصه الانتخابية بعد الفترة الانتقالية محفوفة بالمخاطر.
شبان الحزب... الخروج من عباءة آل المهدي
أما الاتجاه الثاني في المؤتمر السياسي لحزب الأمة المتوقع عقده في 2021 فقد يكون من شباب الحزب، خصوصاً المتمركزين في الخرطوم والمدن وقريبي الصلة بلجان المقاومة المنتمية إلى الثورة السودانية، وهو التيار الداعي لتحديث الحزب، وابتعاده عن أسرة المهدي التي يعتبرونها قيداً من انطلاق الحزب نحو الحداثة، وهم أيضاً تعبير عن مقولة الإمام عبد الرحمن المهدي "ليس كل حزب أمة أنصارياً".
لكن، فرص هذا الفريق تبدو ضعيفة، وربما ستلقى معارضة واضحة لعدد من الاعتبارات، أولها أن هؤلاء ليسوا وثيقي الصلة بقواعد الحزب من الأنصار، والثاني أن فرص هؤلاء في عمليات الانتخابات داخل الحزب وخارجه تبدو غير مواتية.
وربما تكون التوقعات بشأن حزب الأمة تتجه نحو القيام ببلورة عملية تحديث تتجه إلى زعامة تنتمي إلى أسرة المهدي، وقد يكون للفاضل المهدي فيها حظوظ في حال تحالفه مع مريم الصادق وضمانها للاستمرار كنائب لرئيس الحزب من ناحية، وموافقة بقية أبناء الصادق عليه لسببين، الأول إعادة لحمة الأسرة، والثاني أن الزعامة قد جرى تداولها بين أبناء عبد الرحمن وأبناء عبدالله الفاضل والد مبارك، بالتالي فهي أمر مقبول.
تحديات مستقبلية كبرى
وفي تقديرنا أنه لو جرى حسم زعامة الحزب بمنصب رئيس الحزب ونائبه في إطار أسرة المهدي فسوف يكون مطلوب الابتعاد نهائياً عن وجود آخرين من الأسرة ذاتها على نفس النمط الذي انتهجه الصادق المهدي، حين عيّن زوج ابنته أميناً عاماً للحزب، وغيره في مناصب أخرى، إذ إن حزب الأمة فقد كثيراً من كوادره السياسية المهمة والمؤثرة، نتيجة استحواذ أسرة المهدي عليه، ومن هؤلاء سارة نقد الله، وإبراهيم الأمين، كما أن صدقية الحزب في مسألة التداول الديمقراطي تراجعت كثيراً في أوساط القوى والنخب السياسية السودانية، وكذلك النخب العربية.
لهذا، من المتوقع أن مؤتمر حزب الأمة المقبل ستكون أمامه تحديات كبرى، ليس فقط في إطار إعادة هيكلته الداخلية، لكن أيضاً في أطر علاقته بعملية التغيير الجذري التي من المفترض أن تُصاغ على امتداد الوطن السوداني، وذلك من حيث مدى ارتباطه بالقوى الثورية، وهل سيستمر في حالة عداء معلن مع اليسار السوداني من عدمه؟ وكذلك طبيعة علاقاته بالمؤسسة العسكرية بشقيها، القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع وزعيمها حميدتي، كما سيكون مطلوباً من الحزب ضبط بوصلته الإقليمية، وهو يعد نفسه للانتخابات العامة في السودان، التي ستكون في غضون أقل من ثلاث سنوات.