لقي القانون الذي أصدره الكونغرس الأميركي، أخيراً، بهدف حماية وتأمين سلامة الفترة الانتقالية والحكم المدني والتحول الديمقراطي في السودان، ترحيباً واستحساناً في الأوساط السياسية والقانونية بالبلاد، إذ تضمن حزمة من المطلوبات والعقوبات النوعية الذكية الانتقائية، كإجراءات وقائية لتحصين المسار الديمقراطي الوليد، والمساعدة في الحفاظ على المكاسب الرئيسة التي تحققت.
ويعبر التشريع، المعروف بـ"قانون الانتقال الديمقراطي في السودان، والمساءلة، والشفافية المالية لعام 2020"، عن دعم الكونغرس لخطة الإصلاح الانتقالية، مطالباً الإدارة الأميركية بتقديم استراتيجية لدعم القيادة المدنية للحكومة.
إزاحة عقبات التحول الديمقراطي
يهدف القانون إلى إزاحة أي عقبات قد تعترض التحول الديمقراطي، أو تشكل خطراً على استمراره، متوعداً بشكل مسبق بفرض عقوبات على كل من يعمل على عرقلته، ومن يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان، أو يشاركون في استغلال غير مشروع للموارد الطبيعية من شأنه أن يقوض ذلك الانتقال.
ويفتح القانون، الذي أجازه الكونغرس الأميركي نهاية الأسبوع الماضي، وينتظر مصادقة الرئيس عليه ليدخل حيز التنفيذ، المجال لتقديم دعم شامل لحكومة السودان في مجالات عدة، بما في ذلك تنظيم الانتخابات الحرة والنزيهة، ودعم برامج التنمية، بالتركيز على توفير الفرص الاقتصادية للشباب والسكان المهمشين.
ويسمح القانون بدعم جهود الحكومة الانتقالية لاستعادة الأصول المسروقة، ومنح أولوية لبرامج تعزيز النمو الاقتصادي، كما يدعم إعفاء الخرطوم من الديون المتراكمة وتقديم تمويل متعدد الأطراف من المؤسسات المالية الدولية بعد استيفاء الحكومة لمعايير الشفافية المالية. كما يعضد المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية عبر السماح بتقديم الدعم اللازم من أجل بناء قدرات القضاء السوداني.
الحكم المدني
وعلى الرغم من عدم صدور موقف رسمي من وزارة الخارجية السودانية تجاه القانون، فإن مستشار رئيس الوزراء لشؤون السلام، جمعة كندة، رحب في تصريحات لوسائل إعلام محلية بإصداره، مبيناً لصحيفة "التغيير" أن بعض بنوده ربطت جزءاً من الدعم بانتقال رئاسة مجلس السيادة إلى الشق المدني.
وفي السياق نفسه، قال السفير منصور بولاد، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، إن تأخر الخارجية في إصدار تعليقها لا يمثل موقفاً في حد ذاته، لكن القانون يخضع الآن للدراسة.
وأشار أمين العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان إلى أنه "على الرغم من انشغال السودان بإتمام إجراء رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفق وعد ترمب، الذي يبدو أنه يواجه بعض الصعوبات في ما يتعلق بإجازة قانون إعادة الحصانة السيادية للسودان لضمان عدم ملاحقته بتعويضات أخرى مستقبلاً، فإن ذلك لا يمنع من قانون الانتقال الديمقراطي، كمبادرة مشتركة من نواب ديمقراطيين وجمهوريين، وهو يعتبر مؤشراً طيباً إلى وجود اتجاه عام إيجابي من الحزبين نحو السودان".
واعتبر عثمان القانون إشارة إيجابية إلى الانفتاح والاهتمام بالملف السوداني في إطار السياسة الخارجية للرئيس المنتخب جو بايدن.
وقال إن القانون يقطع الطريق أمام كل المتربصين بالبلاد، سواء بانقلاب عسكري، أو عبر بوابة الأزمة الاقتصادية، ويواجه كل محاولات استهداف التحول الديمقراطي الذي يمر بمخاض صعب، ويواجه عراقيل، معظمها موروث من قبل النظام السابق، الذي يسعى جاهداً للعودة إلى الحكم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "القانون يدعم الحكم المدني بفرض رقابته على جميع الجهات المالية، ويشير بوضوح إلى ضرورة إنهاء سيطرة الشركات والمؤسسات العسكرية والأمنية، التي تمتلك استثمارات ومقومات اقتصادية ضخمة لا تخضع لسلطة الحكومة أو المراجع العامة. وقد أشار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى أن "18 في المئة فحسب من المؤسسات الاقتصادية تخضع لولاية وزارة المالية".
من جانبه، وصف القانوني والقيادي في "مسار الوسط"، الموقع على اتفاقية سلام جوبا، حيدر أحمد خير الله، القانون بأنه يمثل خطوة مهمة وداعمة للجهود الوطنية، التي كان أولها التوقيع على اتفاق السلام وإنهاء الحروب.
وأضاف أن "القانون إلى جانب كونه يدعم حكومة الفترة الانتقالية في قضايا مهمة، مثل استرجاع الأموال المنهوبة من الخارج وإعفاء البلاد من الديون الخارجية، فهو يحث أيضاً على تقديم العون التنموي للفئات التي عانت التهميش، ويعزز الجهود الإنسانية لحل النزاعات"، مشيراً إلى أنها "قضايا مهمة تؤثر على السودان في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه، عقب التركة الثقيلة التي خلفها نظام عمر البشير الديكتاتوري، الذي وصم البلاد بالإرهاب، وارتكب المجازر في دارفور النيل الأزرق وخلق العشرات من معسكرات النزوح".
ولفت إلى أن العقوبات النوعية والانتقائية التي أجاز القانون فرضها على أشخاص محددين، وأهداف محددة تشمل الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب، وهي تمثل رسائل مهمة لعدة أطراف تعرف نفسها، وتضع حداً لكل من تسول له نفسه المساس بالمسار الديمقراطي أو العبث بأهداف الثورة، سواء أكانوا من العسكريين، أو المدنيين، أشخاصاً أو مؤسسات.
وأشار خير الله إلى أن القانون يستهدف تحديداً الأشخاص أو الجهات التي تدعم الإرهاب الدولي أو تنتهك حقوق الإنسان، وتجند الأطفال.
وأوضح أن مساندة القانون لقضايا الحريات وحقوق الإنسان والإعلام، يؤكد تماشيه مع طموحات وأحلام الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة التي حرم منها لأكثر من ثلاثة عقود.
وكان نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري قد تقدموا بمشروع القانون في مارس (آذار) الماضي، وصادق عليه الكونغرس مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي بتعاون بين لجنتي العلاقات الخارجية والشؤون الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ، وأضيف كملحق مع قانون ميزانية الدفاع لعام 2021.