في 31 ديسمبر (كانون الأول) تنتهي المرحلة الانتقالية التالية لبريكست، ومن خلال اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي أو من دونه، ستبدأ المملكة المتحدة حياة خارج السوق الموحدة والاتحاد الجمركي الأوروبيَّين.
واستناداً إلى ما يقوله لنا الخبراء الاقتصاديون جميعاً تقريباً، سيكون لذلك أثر اقتصادي كبير في حياتنا.
لكن ما هي تماماً هذه الآثار، وكيف سيشعر بها الناس العاديون؟
نشرح أدناه كيف من المرجح أن يؤثر بريكست مصحوب باتفاق، ومن دونه، في رواتب الناس ومستحقاتهم وضرائبهم.
مع اتفاق
ثمة طرق كثيرة لتحديد الأثر الاقتصادي لمغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي.
وتشمل تحليل الأثر الاقتصادي العام المحتمل في الاقتصاد البريطاني، الذي ستتسبب به حواجز تجارية أكثر صرامة مع الاتحاد الأوروبي، وهي الكتلة التي نتبادل معها الآن نحو نصف تجارتنا.
عملياً يظهر كل نموذج تجاري اقتصادي كلي، أن مغادرة الاتحاد الأوروبي مع اتفاق للتجارة الحرة، من شأنها أن تعيق نمو اقتصاد المملكة المتحدة مقارنة مع البقاء داخل المجموعة.
وهذا الأسبوع قدّر مكتب مسؤولية الميزانية، الجهة المختصة في وضع التوقعات لدى وزارة المالية، أن المغادرة قد تخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني خلال السنوات الـ15 المقبلة تقريباً، بنحو أربع نقاط مئوية مقارنة مع ما كان سيكون عليه الوضع لو ظلت بريطانيا داخل الاتحاد.
وستبقى هذه الصورة على ما هي عليه تقريباً، إذا توصلنا بنجاح إلى اتفاقات تجارية طموحة مع بلدان مثل الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا.
ويقدر الفريق الحكومي المكلف وضع النماذج الاقتصادية، أن هذه الاتفاقات مجتمعة ستضيف 0.2 في المئة، حداً أقصى إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأجل البعيد.
ويساوي هذا التراجع البالغ 4 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي 80 مليار جنيه إسترليني ( حوالي 104 مليارات دولار تقريباً) وفق القيمة الحالية للعملة، أو نحو 3 آلاف جنيه إسترليني لكل من الأسر البريطانية التي يبلغ عددها 28 مليون أسرة. ويمكن أن يعني ذلك رواتب أقل، ومستحقات أقل، وضرائب أعلى، مقارنة مع ما كانت ستخضع له الأسر بخلاف ذلك.
ومن المستحيل تحديد حجم المعاناة المالية لكل أسرة بمفردها، فذلك يعتمد على القطاعات الاقتصادية التي يعمل بها أفراد كل أسرة وقرارات السياسيين في المستقبل، بشأن إعادة توزيع الثروة من خلال المزايا والضرائب.
لكن رقم 3 آلاف جنيه إسترليني (حوالي 3900 دولار أميركي) يقدم مؤشراً تقريبياً لحجم الضرر الاقتصادي الذي ستعانيه الأسرة المتوسطة.
وتتمثل طريقة أخرى لنمذجة بريكست في تفحص القطاعات المختلفة مثل الزراعة والخدمات المالية وصيد الأسماك والتصنيع وما إلى ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبين هذه المقاربات أن بعض القطاعات، لا سيما تلك التي تقوم بتبادلات تجارية أكبر بكثير مع القارة، مقارنة مع القطاعات الأخرى، ستعاني ضرراً أكبر.
وتتوقع تلك الدراسات، أن قطاعات الملابس، والمواد الكيماوية، والمستحضرات الصيدلانية، وتصنيع المحركات، والزراعة، والخدمات المالية، ستعاني أكثر من غيرها.
وهذا يشير إلى أن العاملين في هذه القطاعات سيواجهون على الأرجح صعوبات اقتصادية أشد. لكن الشركات التي لا تتاجر كثيراً مع أوروبا، مثل تلك العاملة في قطاع البناء، قد تبقى بمنأى عن الآثار إلى حد كبير نسبياً.
لكن من المهم التأكيد على أن قطاعات كهذه، يمكن أن تتأثر سلباً أيضاً بالقيود التي قد يفرضها الاتحاد الأوروبي مستقبلاً على الهجرة، والتي قد تكون لها تداعيات أيضاً على رواتب العاملين في هذه القطاعات.
من دون اتفاق
ستقلص مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق تجاري يوم 31 ديسمبر (كانون الأول)، وفق مكتب مسؤولية الميزانية البريطاني، نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنحو 2 في المئة عام 2021، أي بواقع 40 مليار جنيه استرليني (اي حوالي 52 مليار دولار أميركي).
وهذا يُترجم خسارة تساوي ألفاً و500 جنيه إسترليني لكل أسرة بريطانية. ويقدر مكتب مسؤولية الميزانية، استناداً إلى النمذجة التي أجرتها مجموعة من الباحثين المستقلين، أن ذلك الضرر سيصل خلال 15 سنة إلى 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو نحو 120 مليار جنيه إسترليني، أو 4 آلاف جنيه لكل أسرة.
ومجدداً، من المستحيل تحديد الحجم الدقيق لمعاناة الأسر، لأن هذا يعتمد على القطاعات التي يعمل فيها الناس والقرارات التي سيتخذها السياسيون في المستقبل بشأن المستحقات والضرائب.
لكن هذا مؤشر تقريبي إلى حجم الضرر الاقتصادي الذي ستتحمله (بطريقة أو بأخرى) الأسرة البريطانية المتوسطة.
وسيكون أثر بريكست من دون اتفاق في قطاعات معينة، أكثر تفاوتاً مقارنة مع مغادرة الاتحاد الأوروبي مع اتفاق للتجارة الحرة. فكثير من المؤسسات المصدرة ستواجه رسوماً جمركية في الاتحاد الأوروبي، حيث ستجعل صادراتها أقل تنافسية وستخفض على الأرجح الطلب عليها، ما سيضر بمداخيل الناس العاملين في هذه القطاعات.
وسيكون الأثر في قطاع تصنيع السيارات حاداً بشكل خاص، لأن صادرات السيارات كلها إلى الاتحاد الأوروبي (الذي يشكل وجهة نصف السيارات المصنعة في المملكة المتحدة) ستعاني رسماً جمركياً يساوي 10 في المئة.
ويعتقد مكتب مسؤولية الميزانية، أن عدد العاطلين من العمل سيرتفع بنحو 300 ألف شخص العام المقبل، إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق للتجارة الحرة، مقارنة مع الوضع العكسي. ومن المرجح أن تتركز هذه الوظائف الضائعة في تلك القطاعات، التي تعتمد بشدة على التجارة مع الاتحاد الأوروبي.
ويتوقع الباحثون في معهد دراسات المالية العامة (البريطانية)، أن العاملين الأقل مهارة سيكونون أكثر عرضة للمعاناة الاقتصادية، بسبب بريكست من دون اتفاق.
ويوضح الباحثون أن "أغلبية الرجال الأكبر سناً، ذوي المهارات الخاصة في مهنهم، ووفق تجارب سابقة، قد يجدون صعوبات في العثور على عمل ذي راتب جيد، إذا أصبحوا عاطلين عن العمل".
© The Independent