أثبتت أزمة كوفيد-19 أن التنبؤ بالمستقبل لعبة محفوفة بالمخاطر، جعلت من الصعب تخيّل رحلة أكثر دراماتيكية للمستثمرين مقارنة بعام 2020، حيث شهد العالم أزمة توصف بأنها الأكثر إيلاماً، متجاوزة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، والأزمة المالية العالمية 2008-2007. وبحسب تقرير نشر على موقع ناسداك في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، من المقرر أن يقفز الكثير من القطاعات مع بدء عودة العالم إلى طبيعته في عام 2021. وقد يؤدي الطلب المكبوت على السفر إلى اندفاع المستثمرين لأسهم شركات الطيران والفنادق.
استطلعت "اندبندنت عربية" آراء محللين اقتصاديين ومتخصصين في أسواق المال عن توجهات المستثمرين في عام 2021، وأظهر الاستطلاع تصدر قطاع التكنولوجيا توقعات المحللين من حيث التدفقات الاستثمارية المتوقعة للعام المقبل، وبخاصة بعدما غيرت أزمة كورونا طريقة ممارسة الأعمال، والتي أصبحت أكثر اعتماداً على التقنيات الحديثة في إدارة الأعمال والأنشطة من بُعد. كما توقع المحللون تدفق الاستثمارات على قطاعات أخرى مثل الطيران والسياحة والأسهم والرعاية الصحية والطاقة المتجددة.
توقع عمرو عبدو المحلل في الشأن الاقتصادي وأسواق المال، تصدر قطاع التكنولوجيا اهتمام المستثمرين بلا منازع في العام 2021، مع لعب القطاع دوراً مهماً جداً خلال حقبة تفشي كوفيد-19. وحذّر، من أن الاقتصاد العالمي لن يعود إلى سابق عهده على الرغم من الإعلان عن لقاحات فعالة في مواجهة وباء كورونا. وأضاف أن الشركات والأعمال أيقنت في عام 2020 أنها قادرة على الاستمرار في ممارسة أنشطتها التجارية من دون الحاجة إلى جلوس طوابير طويلة من الموظفين في المكاتب عبر اعتماد العمل من بُعد، ما يجعل الاعتماد أكبر على التكنولوجيا والحوسبة والخدمات السحابية في المرحلة المقبلة.
وعن قطاع الرعاية الصحية قال عمرو إن عام 2020 كشف فجوات كبيرة جداً في القطاع الصحي، حتى في البلدان الأكثر تقدماً في مجال الرعاية الصحية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، ما سيدفع الحكومات في العالم وعلى رأسها الغربية إلى تشجيع المستثمرين في هذا القطاع المهم، عبر تقديمها الإعفاءات الضريبية للأجانب أو عبر زيادة حصة هذه القطاعات في موازناتها العامة، ما يشكل عامل جذب للشركات والمؤسسات والأفراد في هذا القطاع المهم. وتوقع عبدو أيضاً انتعاشاً كبيراً لما سمّاه "كهربة الاقتصاد" في عام 2021 وفي السنوات التي تليه عبر تدفق الاستثمارات في صناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة ومشاريع الطاقة الشمسية والرياح.
الأصول المالية وانتعاش أسواق المال
وتوقع عبدو أيضاً، أن يستمر الأداء الجيد لأسواق المال العام المقبل، بسبب ما سمّاه أكبر محركين للأصول المالية، هما توجه حكومات العالم إلى أكبر خفض في أسعار الفائدة إلى مستويات توصف بأنها تاريخية، متدنية جداً لدرجة أن بنوكاً مركزية خفضت سعر الفائدة دون الصفر(سالب)، ما يطلق عليه السياسة النقدية التحفيزية، في الاقتراض وحركة الأعمال. هناك أيضاً السياسة المالية إذ تقترض حكومات العالم من أجل الإنفاق على الاقتصاد. هاتان السياستان النقدية والمالية تعتبران محفزاً كبيراً لنمو الأصول المالية، لهذا ر أينا هذا العام وعلى الرغم من انكماش الاقتصاد العالمي في بعض أنحاء العالم، كيف ارتفعت الأصول المالية مثل الأسهم إلى مستويات قياسية، وأيضاً المعدن الأصفر إذ لم تتجاوز الارتفاعات في الذهب سنوياً الـ 10.5 في المئة خلال السنوات الـ 15 الماضية، في حين ارتفعت أسعاره منذ بداية العام الحالي بـ 22 في المئة أي نحو ضعف متوسط الارتفاع الذي تحقق العام الماضي.
العقارات التجارية ستتأثر سلباً
عن إقبال المستثمرين على القطاعات التقليدية مثل العقار والخدمات وغيرها، قال عمرو عبدو "بالنسبة إلى قطاع العقارات فهو ينقسم إلى شقين السكني والتجاري، إذ في الثاني التجزئة والمكاتب. أما المكاتب فستتأثر سلباً في عام 2021 حيث ستواصل الشركات اعتماد عمل الموظفين من بُعد لخفض الكُلفة، بالتالي لن تحتاج لاستئجار مساحات مكتبية كبيرة، فعلى سبيل المثال كانت هناك شركات تستأجر أبراجاً كاملة لموظفيها واليوم تكتفي بنصف طابق، والتي كانت تستأجر نصف طابق أصبحت اليوم تكتفي بمكتب صغير وهكذا دواليك. حتى إن هناك أخرى اتجهت إلى استئجار ما يعرف بـ "فلكسي ديسك" أي مكاتب يشترك أكثر من شخص أو أكثر من شركة في استخدامها في أوقات محددة يتم الاتفاق عليها بين المستخدمين.
في قطاع التجزئة وتحديداً المتاجر والمحلات فستتأثر سلباً وكان التسوق من بُعد هو الرابح الأكبر في 2020 بسبب الإغلاق الذي فرضه وباء كورونا، وأتوقع أن يستمر حتى بعد زوال كورونا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خابت توقعات انهيار أسعار العقار
أما في العقار السكني فتوقع عمرو أن يستمر الأداء الجيد على الأقل عالمياً، لسبب رئيسي هو أن نسبة الفائدة على هذا الرهن هي الأدنى تاريخياً، فلم يحصل مطلقاً أن كانت 3 في المئة فحسب لمدة 30 عاماً، بالتالي خابت توقعات من كانوا يتحدثون عن انهيار محتمل في أسعار هذا القطاع، على العكس، هناك إقبال على شراء العقارات وحتى أصحاب العقار الواحد يبحثون في شراء ثان، بخاصة أن بعض الحكومات الغربية سهّلت للمشترين للمرة الأول، مثل بريطانيا. كما زادت الحكومة الأميركية أيضاً معونات البطالة للأسر والأفراد، ما شجعهم على شراء العقارات حتى وإن كان رب الأسرة لا يمتلك وظيفة، لقدرته على دفع القرض. وتشير الإحصاءات الأميركية إلى نمو نسبة السيولة المُدًخرة إلى 120 في المئة شجعت المشترين.
فجوة بين الاقتصاد الكلي وأسواق المال
يرى وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، أن القطاعات التي عانت أزمة كورونا ستكون الأسرع في التعافي مع البدء في توزيع اللقاحات في العالم.
ويقول الطه لو تحدثنا محلياً، سنجد أن الأسواق لا تعطي صورة شاملة عن الاقتصاد الكلي، فالقطاعات فيه غير ممثلة في أسواق المال، بالتالي هناك فجوة بين الاثنين. على سبيل المثال إن عملية التعافي التي يشهدها الاقتصاد الكلي في الإمارات لا تنعكس بالضرورة على أسواق المال. يضيف "بشكل عام القطاعات التي قد تشهد برأيي إقبالاً من قبل المستثمرين في العالم في 2021، هي التكنولوجيا والطيران والسياحة مع إعادة فتح الحدود واستئناف نشاطها عند توزيع لقاحات فعالة لفيروس كورونا". وبسؤال الطه عن الأداء المتوقع للقطاع المالي، قال "شركات معظم القطاعات التي ذكرناها مدرجة في أسواق المال في العالم، الصحة والطيران وجزء من السياحة مثل الفنادق. وأعتقد أنها ستشهد ارتفاعات تدريجية، لكن على الصعيد المحلي كما ذكرت، المالية والخدمية والتكنولوجية والصحية والسياحية غير ممثلة حقيقياً في أسواق المال، باستثناء عدد قليل جداً منها، والتداول على أسهمها محدود كذلك.
القطاع المصرفي نحو التعافي
يقول الطه، المهم في أسواق المال في الفترة المتبقية من العام الحالي، هو أننا قد نشهد تعافياً في القطاع المصرفي عام 2021، الذي يرزح تحت ضغط هائل لعاملين أساسيين قادا إلى تراجع أرباحه بشكل كبير خلال الأشهر التسعة الماضية، هما انخفاض معدل أسعار الفائدة، بسبب تخفيض "الفيدرالي الأميركي" لها، والثاني، ارتفاع مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها. يضيف أن هذين العاملين أطاحا أرباح البنوك في الإمارات. مثلاً، انخفضت في بنوك أبو ظبي المدرجة في سوق أبو ظبي المالي بنحو 30 في المئة، وفي البنوك المُدرجة في سوق دبي المالي بنسبة 53 في المئة، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن تماسك السوق والقطاع المصرفي مهمان في عملية التعافي الاقتصادي، متوقعاً ذلك في الإمارات في الربع الأخير من العام مع استقرار أخذ المخصصات واستقرار أسعار الفائدة إذا ما اتجه الفيدرالي الإماراتي يوم الأربعاء إلى تخفيض الفائدة. عالمياً قال الطه "في ظل حزم التحفيز الكبيرة في الدول المتقدمة ومع استمرار البنوك المركزية العالمية بخاصة "الفيدرالي" الأميركي و"المركزي" الأوروبي، في شراء الأصول، فإن حجم إسناد هائلاً يبشر ببدء تعافي القطاع العام المقبل.
شهية للمستثمرين للمخاطرة أكبر في 2021
يرى محمد علي ياسين، الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، أن عام 2021 سيكون أفضل من عام 2020 بالنظر إلى جملة من العوامل السلبية القائمة، التي لن يكون لها وجود العام المقبل، على رأسها جائحة كوفيد-19 مع وجود لقاحات فعالة وأيضاً ضبابية الانتخابات الأميركية، "واليوم أصبحت الرؤية واضحة مع الإعلان عن جو بايدن رئيساً منتخباً للبلاد"، ومع توقف الاقتصاد العالمي في الربع الثاني من العام الحالي بسبب تداعيات أزمة كورونا ما لن يحصل في عام 2021، بل على العكس ستدخل اقتصادات العالم في مرحلة تعافٍ وإلى جانب كل هذه الحقائق، هناك عمليات ضخ هائلة للسيولة عبر تيسير كمي وتحفيز مالي متوقعين من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وربما أيضاً من المملكة المتحدة، كما أن التحفيز الذي اتُخذ في العالم العربي لا يزال مستمر وبالتالي السيولة متوفرة. برأيي ومع عودة الاقتصادات للنمو بشكل أفضل فإن شهية المستثمرين للمخاطرة في خطواتهم الاستثمارية المقبلة ستكون أعلى، ما يعني أن أسواق الأسهم سيكون لها نصيب أكبر، خصوصاً في النصف الأول من العام المقبل 2021. كما ستكون العوائد على السندات أقل، إذ عادة ما يكون التوجه إليها عندما ترتفع وتيرة الخوف. إضافة إلى أن دخول المستثمرين في قطاعات أخرى مثل الاستثمار في الذهب والبيتكوين وارد، وعلى الرغم من المخاطر المرتفعة للعملة الرقمية ولكن قد يتجه المستثمرون إليها مع توقعات عوائد عالية".
الاستثمار في الأسواق الناشئة والمتطورة
قال الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، إن الجميع يتحدث اليوم عن الاستثمار في الأسواق الناشئة حيث الفرص فيها جيدة، فمن ناحية التقييمات والأساسيات هي أرخص تتداول ما بين 16 إلى 18 مرة، والسوق الأميركي يتداول على مكررات ربحية بـ 22 إلى 25 مرة، "بالتالي هناك فرصة في أن تتجه السيولة في ظل التوقعات بانخفاض الدولار العام المقبل إلى هذه الأسواق لأنه في المقابل ستكون هناك عملية ارتفاع في هذه الأصول. بالمناسبة، الصين لا تزال تعتبر سوقاً ناشئة وكذلك أسواق مصر والبرازيل وتركيا، كما نتوقع أن تذهب السيولة إلى الأسواق المتطورة أيضاً مثل السوق الأميركية التي تترقب حزمة سيولة بقيمة تريليون دولار خلال الشهرين المقبلين في حال اتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي عليها، ما تعطي دوراً إيجابياً جداً في تحريك الأسهم. وحال توصلت بريطانيا إلى اتفاق بريكست مع الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام، يتوقع أن تقوم الأولى بتحريك الاقتصاد لتعزيز ثقة المستثمر بإيجابية خطوة الانفصال تلك. وأوروبا هي الأخرى مستمرة في عملية التعافي. أما من ناحية العملات فالدولار أضعف، مقابل قوة الأسترليني واليورو. بالتالي القرار الاستثماري لن يخرج عن المحددات التي ذكرتها".