خلال مراسم إحياء ذكرى الانطلاقة الـ55 لحركة فتح في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، رفع مسؤولها في قطاع غزة أحمد حلس شعاراً بأن، العام 2020 سيكون "عام الشباب الفتحاوي"، الذي سيحصل على كل حقوقه المالية، وكذلك سيتدرج في السلم التنظيمي ليصل إلى صناعة القرار.
جاء ذلك بعد وعود من رئيس اللجنة التنفيذية لحركة فتح، لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بإصلاح الحركة في القطاع للمحافظة على القاعدة التنظيمية من عناصر ومنتسبين، الذي وافق حينها على استحقاق راتب لعناصر حركة فتح العاملين في غزة، بقيمة مالية شهرية تقدر بنحو 500 دولار أميركي، على أن تصرف من النظام المالي لفتح، وليس لهذا الإجراء أي علاقة بالسلم الوظيفي الخاص بالحكومة الفلسطينية.
تظاهرة احتجاجية
لكن ذلك لم يحصل، وما زالت عناصر حركة فتح تواصل نشاطها التنظيمي لعام 18 من دون أي استحقاقات مالية، ما دفعها إلى الخروج في تظاهرة احتجاجية أمام مقر الحركة في قطاع غزة، ومطالبة عباس بصرف رواتب شهرية لها، لتتمكن من مواصلة عملها التنظيمي.
وهذه التظاهرة، تعد الأولى من نوعها التي تخرج فيها كوادر حركة فتح التابعة للشرعية (بزعامة محمود عباس) غاضبة من سياسته المتمثلة وفقها "بعدم تقدير نشاطها التنظيمي وعدم تلقيها أي رواتب مقابل ذلك، على الرغم من حصولها وعوداً كثيرة بهذا الخصوص" .
وفي التفاصيل، يقول القيادي الفتحاوي في إقليم غرب غزة هشام ساق الله، إن فتح في عهد وجود السلطة الفلسطينية في القطاع، كانت توفر للمنتسبين إليها فرص توظيف في السلك الحكومي، لكن منذ سيطرة حركة حماس على غزة، أوقف عباس ذلك، وباتت جميع العناصر تعمل في التنظيم من دون لقاء مالي ولا توظيف.
هيكلية فتح
ووفقاً لهيكلية حركة فتح في غزة، فإن هرمها التنظيمي من الأعلى يتمثل في قيادة ساحة القطاع، وتسمى الهيئة القيادية العليا، ويقدر عددهم بنحو 12 شخصاً، ثم قيادات الأقاليم الثمانية المنتشرة في جميع محافظات القطاع، ويليها رؤساء المناطق البالغ عددها 120، وفي كل واحدة منها هناك 9 عناصر يقودون المنطقة تنظيمياً وإدارياً، ويشرفون على الشعب وحلقات وخلايا الحركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهؤلاء لا يتلقون أي استحقاقات مالية، باستثناء الهيئة القيادية العليا في الحركة، الأمر الذي اعتبروه تمييزاً تنظيمياً في حقهم، مقارنة مع كوادر فتح في الضفة الغربية، التي تعمل في السلك الحكومي وفي النظام المالي للحركة.
وفي الحقيقة، وصلت قيادات الأقاليم ورؤساء المناطق في الحركة (يطلق عليها تنظيمياً القيادات الوسطية)، إلى أماكنهم التنظيمية عن طريق الانتخابات الداخلية، وهذا يعني وفقاً للوائح الداخلية في فتح، أن يتفرغ هؤلاء الأشخاص من أعمالهم لخدمة العمل السياسي، على أن توفر لهم قيادة فتح رواتب شهرية، واستحقاقات وظيفية تضمن لهم مواصلة حياتهم والإبداع في عملهم الفصائلي.
عباس لا ينكر
يقول الناطق الرسمي باسم حركة فتح حسين حمايل، "لا ينكر عباس ذلك، ويقر بأنه من الضروري توفير رواتب واستحقاقات وظيفية لهم، لكن سيطرة حماس على غزة تعيق عملنا التنظيمي والإداري، إلى جانب أن الحركة والسلطة الفلسطينية تمران في الفترة الحالية بأزمة مالية كبيرة، تحول دون تقديم أي فرص للكوادر الحركية".
والجدير ذكره أن ما دفع كوادر فتح إلى المطالبة بمستحقاتهم المالية والفصائلية، قبول السلطة الفلسطينية استلام أموال المقاصة (الضرائب التي تجبيها تل أبيب نيابة عن الفلسطينيين) من إسرائيل.
وللمفارقة، بينما لا يدفع عباس لكوادر فتح أي استحقاقات مالية، صرف لموظفي السلطة في غزة مستحقاتهم المالية المتراكمة على الحكومة، وهذا ما شجعهم أكثر للخروج في تظاهرات ضد سياسته بحقهم.
ويوضح القيادي هشام ساق الله، أنه من الأولى مراعاة كوادر الحركة تنظيمياً، ودمجها في السلم الحكومي، أو صرف استحقاقات مالية لها من موازنة فتح الأساسية، بدلاً من تهميشها، خصوصاً بعد حديث رئيس الوزراء محمد اشتية عن نهاية الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية.
وبحسب ساق الله، فإن كوادر فتح باتت مسحوقة مالياً، ومظلومة فصائلياً في غزة، لا سيما وأن القطاع يعاني من انعدام فرص العمل، بعد وصول البطالة إلى 79 في المئة بين السكان، وارتفاع معدلات الفقر إلى 35 في المئة.
مسؤولية الحركة
في الحقيقة، الموضوع أكبر من صرف استحقاقات مالية، أو الدمج في السلم الوظيفي، ويشير ساق الله إلى أن القيادات الوسطية في فتح، تتحمل مسؤولية إدارة الحركة كلياً، بالتواصل مع جميع العناصر، وتنظيم سجلاتها وطبيعة أعمالها، ونقل الأوامر القيادية، والترتيب للأنشطة الحركية، والمشاركة في الفعاليات، والبحث عن المعلومات، والعمل بالتنسيق مع باقي الفصائل، وعقد الاجتماعات، والتحضير للانتخابات الداخلية، واصفاً إياها بأنها العمود الفقري للحركة.
ويوضح خليل حلبي، عضو قيادي في إقليم شرق غزة في حركة فتح، أنه يعمل في حركة فتح منذ عام 2005 (قبل تولي حماس زمام الحكم)، ومتفرغ تماماً للعمل التنظيمي، وأن عناصر فتح في غزة يتعرضون لظلم كبير سواء من فتح نفسها أو من باقي الفصائل في القطاع، وعلى الرغم من المعوقات الكبيرة لعملها، ما زالت تمارس نشاطها التنظيمي تحت القهر، خدمة لفتح التي لا تفي بوعودها.
الأكثر عرضة للاعتقال السياسي
في الحقيقة، هناك أكثر من خمسة آلاف عنصر في حركة فتح مثل خليل حلبي، يستدعى بشكل مستمر من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحماس، وفي العادة يُحتجز لأيام. ومنذ سيطرتها على القطاع، أغلقت حماس مكاتب فتح التنظيمية ومنعتها من العمل الفصائلي، إلا أنها أخيراً وافقت على فتح مكتب إداري لفتح، وليس للعمل التنظيمي بشكل رسمي.
ويؤكد ساق الله، أن القيادة الوسطية في فتح تتعرض بشكل مستمر للاعتقالات السياسية.
ويقول الناطق باسم فتح حسين حمايل، إن ملف هذه الكوادر على طاولة عباس، وكان طرح ذلك أكثر من مرة على مسؤول الحركة في غزة، لكن معوقات كثيرة حالت دون تطبيق الأمر، مشيراً إلى أن هذا الملف قد يشهد حلاً في وقت قريب.
ومن بين الوعود التي تلقاها عناصر فتح في غزة، تحويلهم إلى الشؤون الاجتماعية على أن يصرف لهم كل ثلاثة أشهر راتب بقيمة 500 دولار، كما حصلوا على تطمينات بأنه سيتم دمجهم في سلك البطالة الدائمة (يصرف لهم راتب شهري بقيمة 300 دولار)، ومرة أخرى، كان الوعد بصرف أموال ثابتة من التنظيم، إلا أن أي وعد لم يُنفذ حسب ساق الله.