ظلت ظاهرة العنصرية محصورة بمدرجات كرة القدم في الأردن على الدوام، فكانت المسرح الأبرز للهتافات الإقليمية، من دون أن تجد علاجاً ناجعاً ينهيها إلى الأبد.
وعلى الرغم من تراجعها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، لا سيما مع الأحداث والتحديات التي تتعرض لها البلاد في ما يخص القضية الفلسطينية والموقف الأردني منها، تبرز بين الحين والآخر ممارسات وتصرفات عنصرية فردية، كالتنمر والإساءة إلى اللاجئين السوريين، والوافدين المصريين والاعتداء عليهم.
ويحظى جميع مكونات الشعب الأردني بالتعايش، باستثناء ما يسكن في عقول فئة محدودة من الأردنيين، إذ لا تزال عبارة "أردني"، "فلسطيني" ماثلة حتى اليوم كواحدة من الجدليات وأساليب التعبير عن العنصرية بين أهم مكونين في المجتمع الأردني.
الأردنيون سواسية
وكرس الدستور الأردني مبدأ المساواة وعدم التمييز على أساس العرق أو اللغة أو الدين، ونص على أن "الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين"، كما تنص المادة 14 من الدستور على أن "الدولة تحمي حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب".
ونص قانون الإعلام المرئي والمسموع على التزام وسائل الإعلام المختلفة بعدم نشر أو بث كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية والعرقية، أو ما من شأنه الإخلال بالوحدة الوطنية، أو الحض على التفرقة العنصرية أو الدينية، لكن هذه الظاهرة الفردية تنشط بين الحين والآخر، ولم يسلم منها حتى القصر الملكي، إذ كثيراً ما تتعرض الملكة رانيا زوجة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى حملات افتراء وانتقادات عنصرية بسبب أصولها الفلسطينية، خصوصاً من قبل ما تسمى المعارضة الأردنية في الخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عنصرية طبقية
ولا تقتصر الممارسات العنصرية في الأردن بين المكونين الأردني والفلسطيني، بل تطال في بعض الأحيان اللاجئين السوريين والوافدين المصريين، كما أنها تمتد لتصبح عنصرية طبقية ومناطقية في كثير من الأحيان، ما دفع الكاتب محمد الصبيحي لاعتبارها تفريغاً لدى البعض لما سماها الهزائم السياسية والاجتماعية عبر متنفس العنصرية والجاهلية، وأضاف الصبيحي، "تمارس ذلك مجموعة من المسؤولين يحافظون على مناصبهم ويطمحون إلى مناصب أعلى"، مشيراً إلى أن سياسات التسويات القائمة على المسكنات لم تفلح في علاج هذه الظاهرة.
خط أحمر
وفي عام 2011 قام العاهل الأردني بزيارة لافتة إلى أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وهو مخيم الوحدات، وأطلق من هناك تصريحات عنوانها أن الوحدة الوطنية مقدسة وخط أحمر وهي من ثوابت الدولة، داعياً إلى التصدي لمن يحاولون الإساءة لها، وجاء ذلك بعد أيام فقط من حملات "تحريض وتجييش" متبادلة شهدتها البلاد بين عنصريين من الطرفين.
ويوجد في الأردن 13 مخيماً للاجئين الفلسطينيين موزعة بين وسط وشمال المملكة، وهناك ثلاثة مخيمات للاجئين السوريين.
عبث بالوحدة الوطنية
ويشير الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين إلى سياسة المحاصصة في الوظائف والمناصب، والتي خلقت بيئة خصبة للممارسات العنصرية محملاً المسؤولية للدولة، ويضيف أنه لا مفر من الاعتراف بوجود مشكلة في واقع المجتمع الأردني تتطلب معالجتها حوارات معمقة وصريحة ومسؤولة بعد العبث بملف الوحدة الوطنية.
ويثير وجود نحو ثلاثة ملايين فلسطيني في الأردن وحصولهم على الجنسية الأردنية حساسية ديمغرافية ومخاوف من فرض إسرائيل حلاً للقضية الفلسطينية باعتباره وطناً بديلاً للفلسطينيين.
ويرى بدارين أن البيروقراطية الأردنية تسببت بشكل غير إيجابي في تقسيم البلاد بشكل ديمغرافي ووفق تركيبة سكانية تعزز التفرقة.
في المقابل لا يميل رئيس الوزراء الأردني السابق طاهر المصري إلى استخدام مصطلح "الوحدة الوطنية" للحديث عن الشعب الأردني بأصوله كافة، وإنما لمصطلح "المجتمع الأردني الواحد"، ويرى المصري أن الأردنيين نموذج للتعددية والتنوع، ويتموضع جغرافياً، وسط منطقة مضطربة، لكثرة ما شهدت من حروب ونكبات وأزمات، ويعتقد المصري أن موضوع الوطن البديل، بضاعة إسرائيلية بامتياز، ومؤامرة صهيونية على الأردن وفلسطين لإثارة الشقاق.
ويقطع المصري الطريق على من يمارسون العنصرية في الأردن بقوله، "الأردن وطن مستقل بهويته الوطنية الأردنية، وهو ليس وطناً بديلاً لأحد، ولن يكون، وكل من يحمل الجنسية الأردنية، هو أردني وهويته أردنية"، ويؤكد أن رفض خطاب المحاصصة، وتكريس قيم العدل واستقلالية القضاء، وتجذير الحريات، وسيادة الدستور والقانون، واحترام مبادئ حقوق الإنسان، من شأنها أن تحصن المجتمع من العنصرية.