لفتت أزمة الشحن وبريكست الأنظار خلال الأيام الأخيرة إلى مدى اعتماد المملكة المتحدة على استيراد الغذاء.
ومع تكدس الشاحنات في كينت Kent، قال ممثلو قطاع (الشحن البري) للنواب، إنه فيما سيكون مخزون الغذاء كافياً للحيلولة دون حصول أي نقص خلال عيد الميلاد، قد تبدأ النواقص بالظهور ابتداء من 27 ديسمبر (كانون الأول)، في حال عجزت شركات الشحن عن مغادرة المملكة المتحدة والعودة بإمدادات جديدة من القارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما حذرت المتاجر الكبرى وشركات الشحن خلال الأشهر الأخيرة من أن بريكست من دون اتفاق كان سيؤدي إلى تعطيل الإمدادات الغذائية بدءاً من 31 ديسمبر. وتقول شركات الشحن، إنه حتى التفتيش الجمركي والإجراءات الجديدة التي سترافق النجاح في إبرام اتفاق تجارة حرة ستؤدي إلى بعض التعطيل.
ولفت البعض إلى أن هذا الموضوع دليل على اعتماد المملكة المتحدة الزائد على استيراد الأغذية. "فلنزرع وننتج المزيد عندنا"، كما قال النائب المحافظ ومؤيد بريكست جون ريدوود على "تويتر" هذا الأسبوع.
لكن هل من الصحيح أن كمية الغذاء التي تستوردها المملكة المتحدة تفيض عن الحاجة المنطقية، وإلى أي درجة يمكن أن نغير هذا الوضع من خلال استهلاك إنتاج محلي؟
تظهر الإحصاءات الحكومية أنه في عام 2019، كان نحو 55 في المئة من الأغذية المستهلكة في المملكة المتحدة من إنتاج البلاد، بينما جرى استيراد الباقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والاعتماد على الاتحاد الأوروبي واضح، إذ يصلنا نحو ربع غذائنا من باقي القارة. أما أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، فكل واحدة منها مسؤولة عن 4 في المئة تقريباً من الغذاء المُستهلك في المملكة المتحدة.
لكن هذه الحركة لا تسير في اتجاهٍ واحد. فالمملكة المتحدة تصدّر الأغذية كذلك، كما ظهر بوضوح من المواجهة مع الاتحاد الأوروبي على حقوق صيد السمك في المياه البريطانية بعد بريكست.
في عام 2019، صدّرت المملكة المتحدة ما قيمته مليارا جنيه إسترليني (نحو 2.6 مليار دولار أميركي) من الأسماك. كما ترسل البلاد إلى الخارج لحوماً بقيمة ملياري جنيه إسترليني (نحو 2.6 مليار دولار أميركي) ومنتجات ألبان وأجبان بقيمة ملياري جنيه إسترليني (نحو 2.6 مليار دولار أميركي) كذلك.
لكن صحيح أن المملكة المتحدة تعاني من عجز- إذ نستورد أكثر مما نصدر- في كافة الصناعات الغذائية الكبرى، ما عدا المشروبات (ويعود هذا الفائض بشكل كبير إلى صادرات الويسكي البريطاني).
وأصبح اعتمادنا على استيراد الغذاء يزيد خلال العقود الماضية.
إن معدل الإنتاج مقابل الإمداد للغذاء في المملكة المتحدة (الذي يُشار إليه عامة بـ"معدل الاكتفاء الذاتي") self sufficiency ratio هو قيمة المنتج الغذائي الخام من المزرعة، بما في ذلك الإنتاج المعد للتصدير، يقسم على قيمة الإنتاج الغذائي الخام المُعد للاستهلاك البشري.
وتصفه الحكومة بأنه "مؤشر عام على قدرة قطاع الزراعة البريطاني على تلبية حاجات المستهلك"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بلغ معدل الاكتفاء الذاتي في المملكة المتحدة ذروته عند نحو 80 في المئة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لكنه تراجع منذ ذلك الوقت إلى نحو 65 في المئة.
يقول البروفيسور تيم لانغ المتخصص في سياسة الغذاء في جامعة سيتي (City University) ومؤلف كتاب "إطعام بريطانيا" (Feeding Britain)، إن المملكة المتحدة حالة شاذة بين الدول المتطورة من حيث مدى اعتمادها على استيراد الغذاء.
ويقول مناصرو السوق الحرة في بريطانيا تاريخياً، حتى منذ النقاش على إلغاء قوانين الذرة في أربعينيات القرن التاسع عشرCorn Law repeal debates، إن إنتاج الغذاء محلياً غير مهم- وإن السياسة الحكومية التي صُممت لتعزيز الإنتاج المحلي قد تثقل كاهل المستهلكين لأنهم سيضطرون لدفع مبلغ أكبر لشراء أطعمة يعتبر استيرادها أقل ثمناً.
لكن البروفيسور لانغ وغيره يقولون، إن هذا النوع من الأصولية في التجارة الحرة يُخطئ في مجال الغذاء لجملةٍ من الأسباب.
وهي تتراوح بين الأثر الذي يخلفه استيراد الغذاء من أماكن بعيدة على البيئة ومشاكل الأمن الغذائي (كما تبين بوضوح خلال عيد الميلاد هذا).
لفت مركز السياسة الغذائية التابع لجامعة سيتي في عام 2018 إلى أن "النظام الغذائي القائم على أساس لوجستيات وتوصيل من ثلاثة إلى خمسة أيام "في الوقت المناسب" just-in-time يحمل في طياته إمكانية الانهيار خلال أقل من أسبوع".
ويقول لانغ، إن تدهور إنتاج محاصيل البستنة في المملكة المتحدة- أي الفاكهة والخضار- شكل "كارثة". تستورد بريطانيا نصف محصول خضارها الطازج تقريباً ومعظم فاكهتها. وهي تأتي بالإجمال من الاتحاد الأوروبي شتاءً، كما أنها الأصناف التي حذر التجار من كونها الأكثر عرضة للخطر بسبب التعطيل المتعلق ببريكست وكوفيد خلال رأس السنة.
ويقول لانغ "نستطيع أن نزرع أكثر بكثير، وعلينا أن نزرع أكثر بكثير".
على الرغم من تحول بعض مناصري بريكست والسوق الحرة السابقين أمثال جون ريدوود نحو المطالبة بزيادة الإنتاج الغذائي المحلي، يقول النقاد، إن الحكومة نفسها تتأخر.
ويشرح بعض الخبراء أن قانون الزراعة الذي أُقر هذا العام ليس فيه سوى جانب قليل متعلق بالإنتاج والأمن الغذائي البريطاني، إذ إنه معني بشكل أكبر بالتنوع البيولوجي.
كلفت وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية هنري ديمبلبي، مؤسس سلسلة ليون للأكل الصحي السريع، بوضع إستراتيجية غذائية وطنيةNational Food Strategy في يوليو (تموز) 2019، لكن دراسته لن ترفع تقريرها الختامي قبل العام المقبل.
ويشير لانغ إلى قصور أساسي لدى الوزراء حالياً في التفكير بطريقة جماعية بشأن الهدف من الريف وكيف يمكن استخدامه للإنتاج والأمن الغذائي.
وقال "إن رؤية (حزب) المحافظين في الوقت الراهن هي أننا لا نريد سوى المشهد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"إحياء البرية من أجل جمال الشكل أو كي نصطاد طائر الحجل. وليس استخدام الأرض من أجل إطعام الشعب".
أما نقطة التوتر السياسي الأخرى في موضوع زيادة الإنتاج الغذائي المحلي، فهي القوى العاملة. في غياب الرغبة المفاجئة بين البريطانيين بالعودة إلى العمل في الأرض، سوف تتطلب زيادة إنتاج محاصيل البستنة استقدام عمال مهاجرين.
لكن الحافز الذي حرك التصويت على بريكست في عام 2016 كان جزء كبير منه شعور العداء تجاه العمال الأوروبيين، وجرى العمل على تشديد نظام الهجرة ما بعد بريكست من أجل إقصاء العمال الأجانب ذوي المهارات المتدنية.
ويشكو لانغ فيقول "لماذا لا نزرع أكثر؟ لأنهم لا يريدون إدخال المهاجرين، والبريطانيون يأبون العمل في هذا المجال".
© The Independent