أعلنت إيران، الإثنين، أنها استأنفت تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 20 في المئة في منشأة فوردو، وهو ما يتجاوز بكثير الحدود المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، في بيان، أن "إيران بدأت اليوم ضخ (اليورانيوم-235) المخصب بالفعل حتى 4.1 في المئة، في ست مجموعات من أجهزة الطرد المركزي في محطة فوردو لتخصيب اليورانيوم، من أجل رفع مستوى التخصيب إلى 20 في المئة".
وتزامن إعلان طهران تخصيب اليورانيوم مع احتجاز السلطات الإيرانية ناقلة نفط تحمل علم كوريا الجنوبية، لتلويثها مياه الخليج بالكيماويات، بحسب ما أفادت وسائل إعلام إيرانية رسمية.
وتأتي هذه الخطوات التصعيدية من جانب إيران مع إحيائها الذكرى الأولى لمقتل قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قتلته الولايات المتحدة في غارة جوية في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020 في العراق.
تصعيد التوترات
على الرغم من أنه لا يوجد ما يشير إلى علاقة لذكرى سليماني بهذه التصرفات، لكن انتهاك إيران المتجدد لخطة العمل المشتركة الشاملة المعروفة بالاتفاق النووي، واحتجازها ناقلة النفط، من المرجح أن يصعدا التوترات مع الولايات المتحدة التي وصفت التحرك الإيراني بـ "الابتزاز النووي". وكان الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترمب، وجّه البنتاغون إلى الاحتفاظ بحاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس نيميتز" في الشرق الأوسط، متراجعاً عن قرار إرسالها إلى خارج المنطقة الأسبوع الماضي، وأرسل قاذفات "بي-52" إلى الخليج رداً على احتمالات الهجوم الإيراني.
ويأتي إعلان إيران رفع نسبة التخصيب بعدما أقر البرلمان الإيراني قانوناً في ديسمبر (كانون الأول) 2020، لزيادة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات ما قبل 2015، وعرقلة عمليات التفتيش النووي إذا لم يتم رفع العقوبات القاسية التي تفرضها واشنطن، وتمت الموافقة على مشروع القانون في أعقاب اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زادة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
وكانت طهران أعلنت في 2019، بعد نحو عام من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي جرى التوصل إليه في فيينا، التراجع عن عدد من الالتزامات الأساسية الواردة فيه.
وخلال المراحل الثلاث الأولى من ردها على انسحاب واشنطن، بدأت إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق الحد الوارد في النص، والبالغ 3.67 في المئة، وتجاوزت حد 300 كيلو غرام لمخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب الذي يفرضه الاتفاق، وشغلت أجهزة طرد مركزي متطورة.
تحدياً لبايدن
على الرغم من أن النسبة التي تخصبها إيران من اليورانيوم أقل من 90 في المئة والتي تعتبر من فئة الأسلحة، فضلاً عن نفيها المستمر أنها تعتزم إنتاج أسلحة نووية، فإن التطورات الأخيرة تشكل تحدياً للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي تعهد بالعودة إلى الاتفاق بعد توليه منصبه في الـ 20 من الشهر الحالي. ويقول مراقبون إن بايدن يواجه موقفاً غامضاً بشكل متزايد في ما يتعلق بإيران، لا سيما في ظل الإجراءات المندفعة من قبل إدارة ترمب التي تستعد للرحيل من البيت الأبيض في غضون نحو أسبوعين.
وبينما ليس واضحاً ما إذا ما كانت إدارة ترمب تخطط لشن عمل عسكري ضد أهداف نووية إيرانية، فإن جزءاً من القلق هو أن تحركاً خاطئاً واحداً أو استفزازاً متعمداً، يمكن أن يشعل الحرب. فوفق وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية، فإن السيناريو الذي يقلق المسؤولين العسكريين الأميركيين هو قيام إيران بهجوم، سواء داخل العراق أو في أي مكان آخر في منطقة الخليج، من شأنه أن يدفع ترمب إلى الرد، ويؤدي إلى تصعيد يشعل حرباً، وهذا جزء من سبب احتفاظ الولايات المتحدة بحاملة طائرات في المنطقة، على أساس شبه مستمر منذ مايو (أيار) 2019، عندما أكد البيت الأبيض للمرة الأولى، أن إيران كانت تخطط لشن هجمات على أفراد أميركيين.
الدبلوماسية النووية
ووفق "أسوشيتدبرس"، رفض الفريق الانتقالي لبايدن التعليق على التطورات الأخيرة وما قد تعنيه لخططهم. لكن بايدن وكبار مساعديه للأمن القومي أعربوا دوماً عن تمسكهم بالنهج الدبلوماسي حيال الملف النووي الإيراني، وإعادة طهران إلى الامتثال للاتفاق النووي، ثم توسيعه ليأخذ في الحسبان السلوك الضار غير النووي الذي لم يشمله الاتفاق الأول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي لقاء لبايدن مع الكاتب الأميركي توماس فريدمان مطلع ديسمبر الماضي، قال إنه بمجرد عودة الجانبين إلى الاتفاق، يجب أن يجري التحضير في وقت قصير جداً لجولة من المفاوضات تهدف إلى إطالة مدة القيود المفروضة على إنتاج إيران من المواد الانشطارية التي يمكن استخدامها لصنع قنبلة، والتي ينص الاتفاق على أن تكون 15 عاماً، وكذلك الحديث في شأن الأنشطة الإقليمية الخبيثة لطهران من خلال وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
وفي مقالة نشرت في مجلة "فورين أفيرز" مايو الماضي، كتب مستشار الأمن القومي للرئيس المنتخب، جيك سوليفان، ومستشار الشرق الأوسط لبايدن عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، دانييل بنعيم، أنه ينبغي على الولايات المتحدة "إعادة تأسيس الدبلوماسية النووية على الفور مع إيران، وإنقاذ ما يمكنها من الاتفاق النووي لعام 2015، ثم العمل مع الحلفاء وإيران للتفاوض على اتفاق متابعة".
وقال سوليفان، خلال مقابلة مع شبكة "سي.إن.إن" الأحد الماضي، إنه بمجرد عودة إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015، ستكون هناك محادثات حول قدراتها الصاروخية. وأضاف، "في تلك المفاوضات الأوسع يمكننا في النهاية تأمين قيود على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهذا ما نعتزم السعي وراءه من خلال الدبلوماسية".
تفاؤل مفرط
لكن الاتفاق الأول لم يشمل البرنامج الصاروخي، لأن الإيرانيين رفضوا الالتزام بأي قيود على تطويرهم الصواريخ أو اختبارها. ويبدو فريق بايدن مفرطاً في التفاؤل في شأن استعداد الإيرانيين للعودة إلى شروط اتفاق 2015 تحت أي ظرف، إذ أكدت إيران أنها لن تعود إلى الامتثال للاتفاق إلا إذا عادت الولايات المتحدة إليه، وألغت العقوبات التي فرضها ترمب على مدى العامين الماضيين.
في الوقت نفسه، قال مساعدو بايدن إن إيران لا يمكنها الفوز بتخفيف العقوبات ما لم تحترم الاتفاق، وهو أيضاً ما أكده بايدن في حديثه مع فريدمان قائلاً إن "لدى الولايات المتحدة دائماً خيار إعادة العقوبات، إذا لزم الأمر".
ويعتقد مراقبون أن التحركات الإيرانية الأخيرة، جنباً إلى جنب مع إجراءات إدارة ترمب، تؤدي إلى تعقيد الدبلوماسية وتزيد أخطار سوء التقدير، لا سيما مع استمرار التوترات بين إيران وجيرانها. وترى الخبيرة الإيرانية لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إيلي جيرانماية، إن أكبر رسالة يريد الإيرانيون أن يوجهوها إلى إدارة بايدن والعواصم الأوروبية هي أن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي، بينما هم يتناقشون متى يبدأون الدبلوماسية.
وتقول "أسوشيتدبرس" إن التوترات المتزايدة التي أدت إلى تأهب الموظفين الأميركيين في العراق لأعلى المستويات، تجعل من الصعب على إدارة بايدن المقبلة إعادة تمحور الجيش بقوة أكبر نحو روسيا والصين، فالإجراءات الإيرانية الجديدة تتجاوز كثيراً الحد الأقصى لتخصيب اليورانيوم البالغ 3.67 في المئة الذي يفرضه الاتفاق النووي الذي عقدته قوى دولية ست (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا) مع إيران، مما يضع الدول الأوروبية التي دافعت بقوة عن الاتفاق بعد إعلان ترمب انسحاب بلاده في مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، في موقف معقد.
وتعليقاً على الإجراء الإيراني، اعتبر الاتحاد الأوروبي أنه مخالفة كبيرة لاتفاق فيينا النووي، وستكون له تبعات خطيرة على حظر انتشار الأسلحة النووية. وتعهدت الكتلة الأوروبية بالسعي إلى إنقاذ الاتفاق النووي. وقال المتحدث باسم الاتحاد، بيتر ستانو، "سنضاعف جهودنا للحفاظ على الاتفاق وعودة جميع الأطراف إلى تطبيقه بشكل كامل".