أعلنت الحكومة البريطانية أن مبيداً للآفات يتسبب في نفوق النحل شديد السمية لدرجة أن الاتحاد الأوروبي يحظره، ربما يستخدم على محصول الشمندر السكري "sugar beet " في إنجلترا.
وأثار القرار غضب محبي الطبيعة ودعاة حماية البيئة، الذين اتهموا وزراء المملكة المتحدة بالانصياع لضغوط المزارعين.
وقالوا إنه خلال أزمة التنوع الحيوي، في وقت اختفى نصف أعداد الحشرات على أقل تقدير حول العالم، على الحكومة البريطانية أن تبذل جل ما في وسعها في سبيل إنقاذ حشرات النحل، وعدم السماح بالقضاء عليها.
كان جورج يوستيس، وزير البيئة البريطاني، أبدى موافقته على السماح برش منتج يحتوي على مادة "تياميثوكسام" thiamethoxam من فئة مبيدات "النيونيكوتينويد" neonicotinoid [القادرة على قتل مجموعة واسعة من الحشرات] على بذور الشمندر السكري هذا العام في محاولة لحماية المحصول من أحد الفيروسات.
وقالت وزارة البيئة البريطانية، إن الفيروس أدى في العام الماضي إلى خفض محصول الشمندر السكري بصورة كبيرة، ويرجح أن تؤدي ظروف مماثلة العام الحالي إلى المخاطر عينها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عبر تحديد شروط الاستخدام "المحدود والخاضع للرقابة" لمبيد الآفات المذكور آنفاً، بحسب ما قال مسؤولون، وافق الوزير على تصريح طارئ باللجوء إلى مبيد الآفات لمدة 120 يوماً. وتقدمت شركة "بريتش شوغر" British Sugar البريطانية و"الاتحاد الوطني للمزارعين" National Farmers Union بطلب إلى الحكومة للسماح باستخدامه.
لكن "وايلد لايف ترستس" Wildlife Trusts (الجمعية الملكية لحماية الحياة البرية) قالت إن المبيدات من فئة "النيونيكوتينويد" تشكل خطراً كبيراً على البيئة، لا سيما على النحل والملقحات الأخرى.
في الحقيقة، يعتقد أن ثلث أعداد النحل في المملكة المتحدة قد نفق خلال عقد من الزمن، علماً أن النحل مسؤول عن تلقيح ثلاثة أرباع أنواع المحاصيل، وفق دراسات عدة.
عام 2017، وجدت دراسة تفحصت 33 موقعاً لزراعة البذور الزيتيةoilseed في المملكة المتحدة وألمانيا والمجر صلةً بين المستويات العالية من بقايا "النيونيكوتينويد" من جهة وانخفاض تكاثر النحل من جهة أخرى، مع انخفاض في أعداد الملكات الموجودة في قفائر "النحل الطنان" bumblebee، شأنها شأن البويضات (الموضوعة في خلايا خاصة ومغلفة بالشمع) في أوكار النحل الانفرادية.
وفي العام التالي، وافق الاتحاد الأوروبي على حظر جميع الاستخدامات الخارجية لثلاثة مبيدات حشرية من فئة "النيونيكوتينويد" من أجل حماية النحل.
تشير قرائن عدة إلى أن المبيدات الحشرية تضر بتطور أدمغة حشرات النحل، وتضعف أجهزتها المناعية، وفي مقدورها أن تتركها عاجزةً عن التحليق.
كذلك ذكر تقرير صدر عام 2019 عن "منظمة الأغذية والزراعة" Food and Agriculture Organisation (فاو) التابعة لـ"الأمم المتحدة" و"منظمة الصحة العالمية"، أن "مجموعة من الأدلة المتزايدة باطراد تشير بقوة إلى أن المستويات الحالية للتلوث البيئي" بواسطة مبيدات "النيونيكوتينويد" كانت تترك "تأثيرات ضارة واسعة النطاق على النحل وغيره من حشرات نافعة".
تعليقاً على إجازة مبيد "تياميثوكسام"، ذكرت منظمة "وايلد لايف ترستس" في تغريدة على "تويتر"، "خبر سيئ بالنسبة إلى النحل: لقد أذعنت الحكومة (في بريطانيا) لضغوط "الاتحاد الوطني للمزارعين" للموافقة على استخدام مبيد آفات شديد الضرر".
وتابعت مغردة، "تدرك الحكومة الضرر الواضح الذي تسببه مبيدات "النيونيكوتينويد" للنحل وغيره من ملقحات حشرية، وقبل ثلاث سنوات فقط دعمت القيود المفروضة عليها في مختلف دول الاتحاد الأوروبي".
وفق المنظمة نفسها، "تؤدي الحشرات أدواراً بالغة الأهمية من قبيل تلقيح المحاصيل والأزهار البرية، وإعادة تدوير المواد الغذائية، ولكن أعداداً غفيرة منها قد كابدت تراجعات حادة."
وأضافت مجموعة منظمات حماية الحياة البرية أن الأدلة تشير إلى أن العالم قد خسر أقله 50 في المئة من الحشرات منذ عام 1970، وأن 41 في المئة من أنواع الحشرات يتهددها حاضراً الانقراض.
"نحتاج إلى إجراءات عاجلة ترمي إلى استعادة الوفرة في مجموعات الحشرات لدينا، وليس إلى وعود منكوثة تفاقم الأزمة الإيكولوجية (البيئية)"، وفق ما قالت "وايلد لايف تراستس".
أما "وزارة الشؤون البيئية والغذائية والريفية" ("ديفرا" Defra) في بريطانيا، فقالت إن الشمندر السكري يزرع في واحد فقط من بين أربعة مصانع لمعالجة الشمندر السكري في شرق إنجلترا.
وفي الشهر الماضي، كشف أن أعضاء في "الاتحاد الوطني للمزارعين" بعثوا رسالة إلى الوزير يوستيس تحثه على السماح باستخدام مادة من فئة "النيونيكوتينويد" تسمى "كروزر إس بي" Cruiser SB في إنجلترا هذا الربيع.
وجاء في رسالة إلى أعضاء الاتحاد أن "المشاركة في هذه الحملة كانت مذهلة حقاً"، مع تمنٍ يقول: "يرجى الامتناع عن تداول ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
معلوم أن "التياميثوكسام" صنع بغرض حماية الشمندر السكري من الحشرات في مراحل نموه الأولى، ولكن معارضي استخدامه يحذرون من أنه لن يكتفي بالقضاء على النحل فحسب، بل سيضر أيضاً الكائنات الموجودة في التربة عندما تغسله المياه عن محاصيل الشمندر.
وقال مايكل سلاي، رئيس مجلس إدارة "الاتحاد الوطني لمزارعي الشمندر السكري" ("إن أف يو شوغر" NFU sugar الذي يمثل جميع مزارعي الشمندر السكري في المملكة المتحدة)، إن المبيد الحشري (المجاز) سيستخدم بطريقة محدودة وخاضعة للرقابة، وفقط عندما يتبين عبر تقييم مستقل أنه لا يتجاوز الحدود المسموح بها علمياً.
وأضاف سلاي، "فيروس اصفرار الشمندر يترك ضرراً غير مسبوق على محصول الشمندر السكري في بريطانيا، إذ يتكبد بعض المزارعين خسائر حتى 80 في المئة في المحصول، وتشتد الحاجة إلى إقرار الاستخدام الذي حصل عليه من أجل مكافحة السقم الذي يصيب تلك النباتات. سيؤدي (السماح به) دوراً بالغ الأهمية في ضمان احتفاظ مزارعي الشمندر السكري في بريطانيا بمشاريع زراعية تتوفر لها إمكانات البقاء.
وقال متحدث باسم "وزارة الشؤون البيئية والغذائية والريفية"، إن أذونات استخدام مبيدات الآفات في الحالات الطارئة تمنح فقط في ظروف استثنائية تستحيل عندها السيطرة على الأمراض أو الآفات بأي وسيلة ممكنة أخرى. البلدان في أنحاء أوروبا تلجأ إلى تراخيص الطوارئ تلك".
وختم المتحدث قائلاً: "ليس مسموحاً استخدام مبيدات الآفات إلا عندما نرتئي أنها لا تشكل ضرراً على صحة الإنسان والحيوان، وفي حال غياب المخاطر المرفوضة التي تطرحها على البيئة. يقتصر الاستعمال المؤقت لهذا المنتج (تياميثوكسام) تماماً على المحاصيل التي لا تتكاثر عبر إنتاج البذور والزهور، وسيخضع استعماله لمراقبة صارمة بغية خفض أي خطر محتمل على الملقحات".
© The Independent