بدأت حملة تبرّعات في أعقاب الحريق الهائل الذي اجتاح كاتدرائيّة نوتردام في باريس مع دعوة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون العالم بأسره للعمل معاً لإعادة بناء الكاتدرائيّة.
وقد أظهرت الصور الأولى التي التقطت بعد الفجر في باريس، حجم الأضرار التي لحقت بالبناء الذي يعود إلى 800 عام خلت، مع انهيار السقف والبرج الرئيسي بالكامل، غير أنّ معظم الهياكل المركزيّة لا تزال في مكانها.
وأوضح قائد فرق الإطفاء في باريس في وقتٍ متأخر من يوم الاثنين (أمس)، أنّ النيران باتت تحت السيطرة، والواجهة الحجريّة للبناء "أُنقذت" بفضل جهود 500 رجل إطفاء أُصيب أحدهم بجروح. ولم يُقتل أحد في ذلك الحريق.
وبيّن ماكرون أنّ فرنسا ستبحث عن المساعدة "خارج حدودنا" لإعادة ترميم تلك التحفة للهندسة القوطيّة.
وفي خطابٍ عاطفي في مكان الحريق مساء الإثنين (أمس)، أضاف "أقول لكم رسمياً الليلة: سنعيد بناء هذه الكاتدرائيّة معاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف ماكرون كنيسة نوتردام بأنها "تاريخنا" و"قلب حياتنا"، وأشار إلى هذا الحدث "لعلّه جزء من القدر الفرنسي وسيكون مشروعنا للسنوات القادمة... هذا ما يتوقعه منّا الشعب الفرنسي لأنّ هذا ما يستحقّه تاريخنا" ووصف الحريق بـ"المأساة الحقيقيّة".
وسبق لبعض كبار الشخصيات أن تعهدوا بالتبرّع لإعادة بنائها. إذ أورد الملياردير الفرنسي فرانسوا-هنري بينو ووالده فرانسوا، أنه سيقدّم أكثر من مئة مليون يورو (86 مليون جنيه استرليني) للمساعدة في "إعادة البناء الكاملة" لما دُمّر.
فرانسوا-هنري هو رئيس مجلس إدارة مجموعة "كيرينغ" التي تملك ماركات الأزياء العالمية "غوتشي" و"إيف سان لوران"، ورئيس الشركة التي تملك دار "كريستي" للمزادات، وهو متزوج من الممثّلة سلمى حايك.
وعبّرت الحكومة اليابانية عن تضامنها مع فرنسا صباح الثلاثاء (اليوم). وأعلنت أنّها سوف تدرس إرسال الدعم إلى الحكومة الفرنسيّة. وأعرب أمين مجلس الوزراء الياباني، يوشيهيد سوغا، عن إحساسها بأن "ضرّرها هو خسارة للعالم، وقلوبنا موجوعة".
في حين لم تقدّم الحكومة الفرنسية بعد تفاصيل خطّة جمع التبرّعات الدوليّة التي وعد بها ماكرون، أُطلِقَ نداء من "مؤسّسة التُراث" الخاصّة التي تعمل على حماية الآثار "الثقافيّة والطبيعيّة" الفرنسيّة.
وأصدرت تلك المؤسّسة الخيرية "نداءً للتبرّعات بهدف المساعدة على إعادة بناء كاتدرائيّة "سيّدتُنا" العذراء (وهو معنى كلمة "نوتردام" بالفرنسيّة) في باريس، إثر ما وصفته بالحريق "العنيف". وفي حديث إلى "وكالة فرانس برس"، أعلنت المؤسّسة أنّه لن تُفرض رسوم على التبرّعات عبر موقعها الإلكتروني.
وأفادت "جمعية التراث الفرنسي" من مقرها في الولايات المتحدة، أنّها أنشأت أيضاً صندوق تبرّعاتٍ لإعادة البناء. وأعدّت صفحة على موقعها الإلكتروني مخصّصة لتلقّي التبرّعات كُتب عليها "قلوبنا كلّنا... تذهب إلى مدينة باريس وفرنسا كلها، في أعقاب الحريق الرهيب".
وظهرت صناديق عدّة لجمع التبرّعات غير الرسميّة على مواقع إلكترونيّة مثل "غوفاندمي" gofundme و"جاست غيفنغ" JustGiving، فيما غابت النداءات الفرديّة حتّى الساعة، وتمكّنت الصناديق سويّة من جمع آلاف الجنيهات.
في غضون ذلك، أفاد مسؤولون فرنسيّون عن عمليات الإطفاء أنّ الأمر سيستغرق بضعة أيام للسيطرة بشكلٍ كامل على البؤر المشتعلة، وتبليل النقاط الساخنة، وحماية الصرح العالمي الشهير.
وبدأ الاهتمام بالتحوّل إلى معرفة السبب المحتمل لوقوع ذلك المعلم الشهير، الذي كان قيد الترميم في جزء منه، ضحيّة كارثة من هذا النوع.
وأعلن مكتب المدّعي العام في باريس أنّ الشرطة ستجري تحقيقاً في "الدمار اللاإرادي الذي سببته النيران"، مشيراً إلى أنّ السلطات تتعامل مع الحريق كحادثٍ مأساوي حتّى الساعة.
وفي وقتٍ سابق، استُبْعِدَتْ فرضيّة الحريق المتعمّد، بما في ذلك الدوافع المرتبطة بالإرهاب.
وبدأت الصور الأولى المروعة للكاتدرائيّة التي اجتاحتها النيران في الظهور مع تمكّن رجال الإطفاء من السيطرة على الحريق.
وظهرت كومة مشتعلة لما يُعتقد أنها بقايا متفحمة من السقف والبرج أمام المذبح، فيما برز الصليب الذي نجا من الدمار متوهجاً من قلب الظلام.
وكانت المفروشات والشموع المذهّبة والأعمال الفنيّة من بين الكنوز والتحف التي شوهدت "سلسلة بشرية" تنقلها بسرعة إلى خارج الكاتدرائيّة، قبل أن يجمعها ضباط الشرطة في شاحنات.
ونُقلت بعض أثمن محتويات الكاتدرائيّة بما فيها بقايا "إكليل الشوك" الذي يُعتقد أنّه توّج رأس يسوع المسيح على الصليب، إلى مكانٍ آمن.
وغرّد وزير الثقافة الفرنسي فرانك رييستير بأنّ "الأجزاء الرئيسية من كنز نوتردام هي الآن موجودة بشكلٍ آمن في قصر بلدية باريس".
وأضافت عمدة باريس آن هيدالغو أنّ "إكليل الشوك وسترة سان لويس وسواها من المعالم الرئيسيّة هي الآن في مكان آمن".
على الرغم من النيران التي امتدّت بسرعة عبر سقف نوتردام، تمكّن رجال الإطفاء من منع ألسنة النار من إتلاف الهيكل الرئيسي للكاتدرائيّة بما في ذلك برجي الأجراس.
وأمل كثيرون أن تتجنّب نوافذ الورود الشهيرة الثلاث التي تعود إلى القرن الثالث عشر الأضرار الكارثية، في حين اعتُقد أنّ الأجراس التي دقّت في لحظاتٍ حاسمة من تاريخ فرنسا أصبحت بأمان أيضاً.
© The Independent