مع بدء العد التنازلي لدخول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن البيت الأبيض، تكثّف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية استعداداتها لمختلف السيناريوهات التي تتوقعها من حيث تعامل الرئيس الأميركي الجديد مع الملف الإيراني، حاسمة بأنه سيعود إلى الاتفاق مع إيران، وهو اتفاق يشكل قلقاً كبيراً لتل أبيب.
وكشفت أبحاث خاصة أجرتها المؤسسة الأمنية أن إسرائيل تستغل أيام ترمب وبومبيو الأخيرة لتوجه ضرباتها إلى الإيرانيين في سوريا، وهناك من توقع تكرار القصف خلال الأيام المقبلة. لكن في الوقت نفسه لا يُسقط الإسرائيليون من حساباتهم بلورة صفقة رزمة شاملة: اتفاق مع إيران مقابل انسحابها كلياً من سوريا.
لكن على الرغم مما يشكله الاتفاق مع إيران من قلق على تل أبيب، إلا أن الأبحاث الأخيرة عادت لتضع ما تسميه مشروع الصواريخ الدقيقة التابع لـ"حزب الله"، كأكبر تهديد استراتيجي على إسرائيل.
خطة عملياتية لمواجهة النووي الإيراني
على الرغم من المعركة الإسرائيلية الداخلية حول عدم المصادقة على الموازنة، والتي أدت بالتالي إلى حل الكنيست والإعلان عن توجيه ضربة قاسية للجيش، لعدم توفير موازنات خاصة للتدريب والاستعداد، إلا أن رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، أصدر أوامره للجيش لإعداد خطة لمواجهة التهديد الإيراني.
وبحسب تقرير استخباراتي إسرائيلي، فإن طهران تسعى للعودة إلى الاتفاق النووي، لكنها في الوقت نفسه راكمت كميات كبيرة من الذخائر الكفيلة التي تتيح لها تقصير المدة الزمنية حتى الوصول إلى القنبلة. وبحسب التوقعات الإسرائيلية تحتاج إيران إلى سنة فقط للوصول إلى هذا الهدف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعد وزير الأمن، بيني غانتس، تقريراً خاصاً حول المشروع النووي الإيراني ادعى فيه أن "إيران تقدمت في السنوات الأخيرة في مجال البحث والتطوير، وجمع المادة المخصبة والقدرات الهجومية على حد سواء، وأن النظام فيها يسعى جاهداً إلى الوصول إلى سلاح نووي".
وهدد غانتس أنه في هذه الوضعية على إسرائيل، أن تبقي إزاء إيران الخيار العسكري وهذا يتطلب الكثير من الموارد والتحضيرات وأنه شخصياً، يسعى إلى تحقيق ذلك، علماً أن الانتخابات البرلمانية ستجرى بعد حوالى شهرين، ومن غير المتوقع أن يتبوأ غانتس أي منصب يتيح له استمرار العمل في الجانب الأمني، ولا حتى السياسي.
مسؤول خاص لتنسيق الملف مع واشنطن
ضمن الاستعدادات الإسرائيلية عشية تولي بايدن منصبه في البيت الأبيض، وضعت إسرائيل تقريراً تدعي فيه أن النشاط الذي تجريه إيران قبيل التفاوض مع بايدن يستهدف ما اسمته "جمع ذخائر".
وبحسب إسرائيل فإن إيران "جمعت حوالى ثلاثة أطنان من اليورانيوم المخصب لمستوى منخفض ونصبت أجهزة طرد مركزي متطورة في منشآتها النووية، وبدأت الأسبوع الماضي تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20 في المئة، وهي تهدد باتخاذ إجراءات أخرى".
في المقابل، يبحث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إمكانية تعيين مسؤول خاص ينسق معالجة الموضوع، والمتوقع تعيين رئيس الموساد يوسي كوهن، فور إنهاء مهام منصبه في يونيو (حزيران) المقبل، وهذا كله متعلق بنتائج الانتخابات البرلمانية.
من جهته، حذّر مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، يعقوب نيغل، من أي اتفاق مع إيران، ودعا متخذي القرار في إسرائيل إلى التنسيق مع شركائهم لمنع العودة إلى الاتفاق مع إيران.
وبحسب نيغل فإن الاتفاق الذي وقّع سابقاً مع إيران، أدى إلى تنازلات كبيرة عن العقوبات وغيرها، لكنه لم يسد الطريق الآمن لبرنامج نووي يسمح لطهران ببناء ترسانة نووية في فترة وجيزة. ويقول "إذا ما دخلت الإدارة الأميركية، مرة أخرى إلى صفقة، وكما يبدو فهذا هو الاتجاه، فإن النتيجة هذه المرة ستكون أسوأ. لقد تقدم الإيرانيون جداً منذ 2015 ولم يعد ممكناً العودة إلى الوراء. للولايات المتحدة، لإسرائيل ولحلفائهما تحديات كبيرة".
أربع خطوات إسرائيلية
ويرى نيغل أنه يجب اتخاذ أربع خطوات ضرورية:
1 ـ على إسرائيل أن تبدي وحدة سياسية داخلية. ويقول "هذه ليست مهمة بسيطة في الفوضى السياسية في إسرائيل، التي تدخل إلى جولة انتخابات رابعة في سنتين. على الرغم من ذلك، فإن الشخصيات السياسية في الحكومة ملزمة بأن تحافظ على انضباطها".
ويضيف "حتى لو كان بعض من السياسيين في الحكومة يعتقدون بأن لديهم سياسة أفضل، فإن عليهم أن يظهروا ضبطاً للنفس وألا يعرضوها كسياسة إسرائيل، بخاصة إذا كانت تختلف جوهرياً عن التعليمات التي تصدر عن مكتب رئيس الحكومة. ولموظفي الدولة غير السياسيين، في الجيش، في أسرة الاستخبارات وفي وزارة الخارجية، يجب أن يكون واضحاً ما هو المسموح وما هو المحظور".
2 ـ على إسرائيل تشكيل ائتلاف دولي واسع . يجب التعاون بين إسرائيل وحلفائها مع الديمقراطيين والجمهوريين الذين يعارضون التنازلات لإيران ومن المهم الامتناع عن جعل النقاش حزبياً.
3 ـ ومن المهم أيضاً إقناع بنوك العالم وشركاته بأن الدخول إلى إيران خطير.
4 ـ على إسرائيل وحلفائها العمل مع الولايات المتحدة وأن يبقوا على تهديد عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني.
في المقابل، لا يدور الحديث عن تشجيع للحرب، ولكن إيران لن تجري مفاوضات على صفقة معقولة إلا إذا كانت واثقة من أن منشآتها النووية توجد تحت تهديد الدمار. وبشكل مشابه، على النظام أن يستوعب بأن بقاءه في شك، إذا لم يتنازل هذه المرة عن البرنامج النووي بكامله.
رسائل مسبقة إلى بايدن
اعتبر أمنيون وسياسيون إسرائيليون، خلال مناقشة القصف الأخير على سوريا، بأن تل أبيب، لا تهدف فقط إلى إبعاد إيران عن سوريا، إنما تبعث برسائل مسبقة لبايدن حول ما تريده من دمشق، أن هذه المنطقة، في حال لم تتم معالجة التموضع الإيراني فيها، فإن إسرائيل ستكون صاحبة الشأن في مواجهة هذا الوضع.
وفي تحليل الإسرائيليين للضربة الأخيرة من بين أربع ضربات وجهت نحو سوريا خلال الشهر الأخير، اعتبرت الأخيرة الأكثر تعقيداً واتساعاً، حيث نفذ الهجوم على مسافة مئات الكيلومترات عن الحدود الإسرائيلية، فيما الثلاث ضربات وجهت نحو دمشق ومحيطها.
واستبعد أمنيون أن تردع هذه الضربات إيران وتجعلها تتراجع عن سوريا، ويرى البعض أن طهران مصممة على مواصلة محاولاتها للتموضع في سوريا.
صواريخ "حزب الله" الدقيقة
في تقرير جديد للإسرائيليين، اعتبروا مشاريع الصواريخ الدقيقة لدى "حزب الله"، الأكثر تهديداً استراتيجياً على إسرائيل. وادعى التقرير أن الحزب نجح في جمع مئات الصواريخ الدقيقة لمسافات متوسطة وطويلة المدى، وأنه يواصل جهوده لتحويل صواريخه إلى دقيقة من خلال عناصر من إنتاج إيراني توضع على رأس الصاروخ وتكسبه قدرات قيادة وتوجيه.
حتى هذه اللحظة، وفق التقرير الإسرائيلي، ترفض تل أبيب الرد على مشروع الصواريخ هذا إزاء معادلة الردع بين إسرائيل و"حزب الله"، حيث يرد الأخير بالنار على كل هجوم إسرائيلي.
وتوضح تل أبيب بأن أي ضربة ضد مشروع الصواريخ هذا قد تعرض كافة بلدات إسرائيل إلى قصف مكثف من قبل "حزب الله"، في وقت ما زالت إسرائيل غير ناجحة في تطوير وسائل الدفاع أمام مثل هذه الصواريخ.
وعليه ترى أنه في هذه المرحلة، وعلى الرغم من أن هذا المشروع هو الأكثر تهديداً استراتيجياً على إسرائيل، الأفضل أن تعمل إسرائيل بداية، في تطوير منظومات دفاعها أمام هذه الصواريخ.