Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسيحيو العراق في الخارج... هل حانت عودتهم؟

يمثل وجودهم جزءاً أساساً من نسيج بلاد الرافدين

توزيع الهدايا على الأطفال في النجف جنوب بغداد (أرشيفية - رويترز)

ملخص

تعد الهجرة الجماعية من أبناء المكون المسيحي التي شهدتها البلاد من أبرز التحديات التي واجهتهم نتيجة الاضطرابات الأمنية والسياسية التي كان العراق يعانيها، إذ غادرت آلاف العائلات المسيحية البلاد بحثاً عن حياة أكثر استقراراً وأمناً.

يعد التنوع الديني والعرقي في بلاد الرافدين إحدى أهم الثروات إلى جانب الثروة النفطية التي يملكها العراق، إذ يعد التنوع ثروة ثقافية وإنسانية هائلة مع تعايش مجموعات دينية وعرقية مختلفة تاريخياً منذ آلاف السنين، على رغم معاناة بعض الأقليات من الإرهاب.

ويحتفل العراقيون، لا سيما المسيحيون، بأعياد الميلاد ورأس السنة بالبهجة والفرح على رغم أن المسيحيين عانوا النزوح والغياب القسري منذ سقوط النظام السابق في عام 2003.

وتعد الهجرة الجماعية من أبناء المكون المسيحي التي شهدتها البلاد من أبرز التحديات التي واجهتهم نتيجة الاضطرابات الأمنية والسياسية التي كان العراق يعانيها، إذ غادرت آلاف العائلات المسيحية البلاد بحثاً عن حياة أكثر استقراراً وأمناً متوجهين، بغالبيتهم، إلى الدول الغربية.

 

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2010 احتجز مسلحو تنظيم "القاعدة" الإرهابي عشرات المسيحيين رهائن داخل كنيسة "سيدة النجاة" وسط بغداد، قبل إطلاق الرصاص عليهم، مما أسفر عن مقتل 60 شخصاً وإصابة عشرات آخرين، في واحدة من أعنف الهجمات التي طاولت أتباع المكون المسيحي في العراق، والتي كانت سبباً رئيساً في هجرة كثير منهم.

وبعد أكثر من عقد من الزمن يشهد العراق تحسناً كبيراً في الأوضاع الأمنية مما يدعو إلى عودة كثير من المغتربين العراقيين إلى بلادهم.

دعوات لعودة المسيحيين إلى بلادهم

وفي هذا السياق، أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أن العراق مركز تاريخي للمسيحية في الشرق الأوسط، داعياً المسيحيين الموجودين في خارج العراق إلى العودة لبناء البلد. وذكر مكتب السوداني في بيان، أن رئيس مجلس الوزراء "وجه تهانيه وتمنياته لمناسبة أعياد الميلاد المجيد، في اتصال مشترك، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، مع عدد من رجال الدين المسيحيين في مختلف كنائس محافظات العراق"، وعبر السوداني، خلال الاتصال، عن أطيب وأعمق التهاني لمناسبة ذكرى الميلاد التي تعود على العراقيين، هذا العام، بالخير والاستقرار، "وهم ينعمون بالسلام وروح التآخي بين أطياف شعبنا العراقي كافة".

 

وشارك في الاتصال وتبادل التهاني مع رئيس الوزراء كل من رئيس أبرشية السريان الأرثوذوكس في البصرة الخورأسقف سمعان كصكوص، ورئيس طائفة كنيسة الأرمن الكاثوليك في العراق المطران نرسيس جوزيف، ورئيس كنيسة المشرق الآشورية في بغداد والبصرة المطران إيليا، ومطران كركوك ونينوى للكنيسة الشرقية القديمة مار شمعون دانيال، ومطران دير مار متى من الموصل موسى شماني للسريان الأرثوذوكس، ورئيس أساقفة أبرشية أربيل الكلدانية المطران بشار متى وردة.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن عيد ميلاد "مناسبة للبشرية جمعاء لمراجعة ما نفذنا وطبقنا من تعاليمه ومبادئه"، مؤكداً "قوة التنوع في العراق، الذي يمثل السمة المميزة للشعب العراقي عبر أعوام طويلة، بمختلف أطيافه"، وتابع أننا "احتفلنا في هذه الأيام بيوم النصر الكبير على عصابات ’داعش‘ الإرهابية، التي استهدفت التنوع العراقي، وبدماء شهدائنا خرج العراقيون وهم أكثر تلاحماً من أي وقت مضى"، مبيناً أن "مسؤوليتنا هي الحفاظ على إرث العراق في التنوع، وفي بلد متعدد الأطياف، وأن نعزز التآخي والوحدة، بممارساتنا وخطابنا"، ولفت إلى أن "العراق مركز تاريخي للمسيحية في الشرق الأوسط، وأن المسيحيين أسهموا منذ قرون في رفد حضارة العراق وثقافته وتطوره، وكانوا بناة لهذا البلد في مختلف المحطات، وهوية العراق العابرة للطوائف والأديان هدفنا الحقيقي، وهذا واضح من خلال التلاحم والمشاركة بمختلف المناسبات، خصوصاً أعياد الميلاد وما تمثله من عنوان للوحدة والتآخي".

آثار الماضي

وتقول المواطنة المسيحية هيا ئمنويل "على رغم التحسن النسبي في الوضع الأمني، فإن آثار الماضي ما زالت تلقي بظلالها على المسيحيين عموماً، الذين تعرضوا خلال الأعوام السابقة لتهديدات مباشرة من الجماعات الإرهابية مثل ’داعش‘، التي استهدفت المجتمع واستولت على الممتلكات، مما أجبرهم على النزوح من المناطق التاريخية في الموصل وسهل نينوى"، وتضيف ئمنويل، وهي من أهالي الموصل، في تصريح صحافي لها "عديد منا لم يتمكن من العودة حتى الآن بسبب الدمار الكبير الذي طاول البنية التحتية والمنازل، فضلاً عن الأعباء النفسية التي خلفتها تلك التجارب، إلى جانب ذلك، نواجه تحديات كبيرة في استعادة ممتلكاتنا التي تم الاستيلاء عليها بطرق غير قانونية، سواء من قبل جماعات مسلحة أو أفراد استغلوا ضعف القانون في تلك الفترة".

وكان البطريرك الكلداني الكاردينال لويس ساكو، قد كشف في بيان رسمي عن تراجع نسبة المسيحيين في العراق من أربعة في المئة إلى واحد في المئة، مشيراً إلى مقتل 1200 مسيحي خلال 15 عاماً إثر أعمال العنف.

لكن تقريراً سابقاً لمفوضية حقوق الإنسان في العراق صدر في مارس (آذار) 2021 أكد أن هناك نحو 250 ألف مسيحي فقط في جميع أنحاء العراق من أصل 1.5 مليون كانوا موجودين قبل عام 2003. ونوه التقرير بمقتل 1315 مسيحياً بين عامي 2003-2014، إضافة إلى نزوح 130 ألفاً واختطاف 161 آخرين خلال فترة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مدينة الموصل بين عامي 2014-2017.

وتعيش اليوم في العراق 14 طائفة مسيحية معترف بها رسمياً، وتعد طوائف الكلدان والسريان والآشور والأرمن الأكثر انتشاراً في البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إخوتنا في الوطن

وفي سياق متصل، قال الأكاديمي خالد العرداوي "مع أعياد الميلاد المجيد نتذكر إخوتنا في الوطن من المسيحيين الذين عاشوا في هذا البلد قروناً طويلة، ونتذكر معهم معاناتهم الناجمة عن اختلافهم الديني في بلد، للأسف، لم يحسن التعامل مع أقلياته، ولم يتوصل إلى حلول ناجحة لإدارة التنوع والاندماج، وغالباً ما استُهدف المسيحيون وغيرهم من الأقليات"، وتابع "سياسياً تحت مسمى الاختلاف الهوياتي فيما الواقع هو الطمع بأملاكهم، فتثار الكراهية ومشاعر العداء من أطراف كثيرة لأغراض خبيثة ونيات غير مشروعة. اليوم بعد أن هُجر القسم الأكبر من الأقليات هناك حاجة إلى وضع حد لمظالمها الطويلة، وتفعيل نصوص القانون والعدالة للحفاظ على كرامتها الفردية والاجتماعية، وعلى حقوقها وحرياتها، وهذا يتطلب عملاً وجهداً طويلين في ظل عملية سياسية صحيحة لا مكان فيها للتهميش والإقصاء والتمييز تحت أي مسمى كان".

الوجود المسيحي

من جهتها، أكدت الحقوقية أنور داوود الخفاجي أن الوجود المسيحي في العراق مر بتحولات كبيرة "كان الاحتفال بميلاد المسيح يعد حدثاً مميزاً وسط أجواء من الفرح والروحانية. تقام القداديس في الكنائس، وترفع الصلوات من أجل السلام والمحبة، وتزين المنازل بشجرة الميلاد والمغارة التي تجسد ولادة المسيح، كانت المدن ذات الغالبية المسيحية، مثل قراقوش (بغديدا) وتلكيف وبرطلة، تشهد احتفالات مميزة تعكس التقاليد العريقة لهذه الطائفة"، وتابعت أنه على رغم الأوضاع التي مر بها العراق على مدى عقود "ظل المسيحيون يحتفلون بهذا العيد باعتباره رمزاً للأمل والتجدد"، مشيرة إلى أنهم استُهدفوا بصورة مباشرة بعد سقوط النظام السابق في عام 2003، إذ دخل العراق في مرحلة جديدة من التغيرات السياسية والاجتماعية التي أثرت، بصورة كبيرة، على مسيحيي العراق.

وعدت الخفاجي أن هذه المرحلة مليئة بالتحديات "وعانى المسيحيون الاستهداف المباشر والاضطهاد على خلفية طائفية ودينية، وظهرت جماعات متطرفة استهدفت المسيحيين بالقتل والتهجير، وهدمت عديد من الكنائس على يد تنظيمات إرهابية مثل ’القاعدة‘ و’داعش‘، مما أدى إلى تهجير أعداد كبيرة من المسيحيين من مناطقهم التاريخية، بخاصة في الموصل وسهل نينوى"، وزادت "كان عام 2014 نقطة تحول مأسوية في تاريخ المسيحيين في العراق، حين اجتاح تنظيم ’داعش‘ مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها، وأجبر المسيحيون على ترك منازلهم تحت التهديد، ودُمر عدد كبير من الكنائس والمواقع الدينية التاريخية. كما تم الاستيلاء على ممتلكاتهم، وواجهوا تهديداً مباشراً بفرض الجزية أو الإعدام إذا لم يعتنقوا الإسلام، على رغم هذه المحن فلم يفقد المسيحيون العراقيون الأمل، وبعد تحرير الموصل وسهل نينوى من سيطرة ’داعش‘ في عام 2017 بدأ بعض العائلات العودة، وشهدت مدن مثل قراقوش جهوداً لإعادة الإعمار بمساعدة الكنائس المحلية والمنظمات الدولية". وشددت الخفاجي على أن "ميلاد المسيح يذكر مسيحيي العراق بأن الأمل والسلام يمكن أن ينبثقا حتى في أصعب الظروف، وعلى رغم التحديات التي واجهها المسيحيون بعد 2003، فإنهم يواصلون التمسك بإيمانهم وتراثهم، ويسعون إلى بناء مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة، ويمثل وجودهم جزءاً أساساً من النسيج العراقي، ويظل إحياء قيم التسامح والعيش المشترك ضرورة لتحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد العريق".

المزيد من تقارير