لعل أحد أكثر التأثيرات الجانبية غير المتوقعة لجائحة كورونا تتمثل في تحول دبي من "كازابلانكا فيروس كورونا" إلى مقر رئيسي لكل من يكسب رزقاً من العمل كمؤثر [على السوشيال ميديا]، فيما يموت الناس في المملكة المتحدة بأعداد قياسية وتُصفّي المؤسسات الصغرى أعمالها تاركة أصحابها في حالة عجز عن تسديد أقساط رهاناتهم العقارية، ويواصل موظفو الشركات الكبرى العمل من منازلهم.
فمنذ مارس (آذار) الماضي ورفاق السكن في كل أنحاء البلاد يتجمعون في شققهم وحول موائدهم للعمل، ويبذل الآباء والأمهات العاملون ما في وسعهم للتوفيق بين وظائفهم بدوام كامل والتعليم المنزلي لأطفالهم.
وفي نهاية هذا الأسبوع، يُتوقع للقيود أن تزداد حدة، ما قد يعني أن مطاعم الوجبات الجاهزة ستُقفل أبوابها، على غرار مؤسسات تجارية كالوكالات العقارية والأسواق.
لكن، إذا كنتم أثرياء ولديكم أكثر من 100 ألف متابع على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد لا تنطبق تلك القواعد عليكم ويمكنكم أن تُحلقوا إلى دبي ساعة تشاؤون، طالما أنكم لن تنسوا إعداد حواسيبكم المحمولة.
مثلاً، إبان يوم عيد الميلاد، نشرت نجمة فرقة "تاوي" TOWIE، ياسمين أوغلو، صورة عن نفسها (وقد اعتادت فعل ذلك دائماً، إذ قلما يظهر معها أحد في الصور) بوجه البطة مع "بابا نويل"، من دون أن تضع قناعاً ومن دون أن تحترم قواعد التباعد الاجتماعي.
على نحو مماثل، نشر صديقها الحميم، رائد الأعمال جيمس لوك، صورة لما بدا كأنه جدول بيانات على شاشة الحاسوب المحمول الخاص به، أثناء استرخائه بجوار حمام السباحة مرتدياً نظارة شمسية ساحرة كانت لتنفعني جداً في الأيام التي قضيتها في محاولة استخدام الحاسوب خارج المنزل في فصل الصيف.
"نحن (في دبي) بقصد العمل، لكن هذا لن يمنعنا من الاستفادة إلى أقصى حد من وجودنا فيها"، أوضحت ياسمين.
إنه أمر واضح تماماً.
وفي وقت لا يسع المواطن البريطاني العادي التجول في ممرات السوبرماركت المجاور لمنزله، يسمح نجوم سلسلة "الشاطئ جوردي" Geordie Shore لأنفسهم بالاحتفال برأس السنة الجديدة، تارة بتناول المشروبات الكحولية وأخرى بالرقص من دون قناع، كأن شيئاً لم يكن.
"تباً للعام 2020!" صرخت كلوي فيري لمعجبيها المحجورين في منازلهم بعيداً عن عائلاتهم، وليس لديهم سوى العازف جولز هولند ليُرفه عنهم.
في اليوم الذي غُرمت فيه إحدى النساء لسفرها مسافة 10 أميال من أجل التحدث إلى والدتها الكبيرة في السن عبر نافذة غرفتها في دار الرعاية، استعرضت نجمة الواقع أمام معجبيها الغرفة التي خُصصت لها في دبي من أجل إنشاء محتويات مؤثرة في موقع "إنستغرام" وبيع الملينات للمراهقين والمراهقات.
في غالب الأحيان، يقضي العمل الأساسي للمؤثرين بأن يعملوا في التسويق لأشياء ومنتجات محددة وبيعها إلى أصحاب العقول البسيطة من طريق صور مفلترة ومعدلة تُظهر وجوههم وأجسامهم المحسنة بشكل مفرط.
كي أكون واضحة، كثيراً ما تكون خطوط أعمال المؤثرين مزيفة بقدر شفاههم وأثدائهم. وبالنسبة إلى الأجور الخيالية التي يتقاضونها لقاء كل صورة أو فيديو أو منشور، فإنها ليست حكراً على الموجودين منهم في دبي.
تصوروا، أنه يمكن للنجوم كأولئك أن يبيعوا منتجات "بطوطة الحمام" Toilet Duck من قلب مراحيضهم الكائنة في الطوابق السفلية لمنازلهم، وينالوا من الشركة أموالاً طائلة جراء التفاعل الجماهيري السريع معهم.
وتصوروا أيضاً، أنه يمكن للظهور في برنامج تلفزيوني واقعي شهير أن يمنح أياً منا متابعين ويجعله، بين ليلة وضحاها، شخصاً مؤثراً لا يزول تأثيره طالما لديه قطيع يُصفق له.
ربما لهذا السبب، لم ولن يُمنع المؤثرون من السفر يوماً، وكل ما سيُطلب منهم هو حجر أنفسهم 10 أيام بعد العودة إلى المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا تظنوا أن إقفال الحدود سيُعرقل عمل كلوي فيري بأي شكل من الأشكال، إذ لا شيء سيمنع هذه الأخيرة من "استعراض" رموشها الزائفة الجديدة في منزلها في "نيوكاسل".
في المقابل، جُل الأمر وما فيه، أن دبي رائعة في هذه الفترة من العام، وتزخر بالمطاعم المفتوحة، والأهم، أنها تقدم شرائح لحم مغطاة بطبقة من أوراق الذهب، فلم لا؟
في الأثناء، تسير الإصابات بفيروس كورونا إلى ارتفاع في دبي، وقد استمرت على تلك الحال منذ ديسمبر (كانون الأول)، على الرغم من فرض غرامة على كل من يخالف إجراءات السلامة العامة بـ500 جنيه إسترليني، ما يعادل نصف الأجر الذي يتلقاه بعض المؤثرين لمجرد نشرهم صورة لخُف جديد.
في الوقت الذي يُجاهد فيه العالم من أجل التأقلم مع الأوضاع المالية المتأزمة وأشهر من القيود الإضافية، أرى أنه أمر يفتقد إلى الحس في أفضل الأحوال، بل إنه إفلاس أخلاقي هابط في أسوأ الأحوال، تبادل أي محتويات مدفوعة مِن قبل شركات راعية لها، وغير ضرورية من أي نوع.
وإذا وددتم التطلع إلى الأمور انطلاقاً ممّا يعتبرونه "منظورهم التجاري"، سيتضح لكم أن جل ما يفعله المؤثرون في دبي، يتمثل بتنفير المتابعين الذين باتوا يُعبرون عن توتر وارتباك متزايدين في تعليقاتهم، على كل ما ينشره هؤلاء من الولاية الإماراتية.
في الآونة الأخيرة، تحدثت لورا أندرسون من برنامج "لوف أيلاند" Love Island عن محنتها، وأخبرت معجبيها إن حياة السفر وعرض مايوهات البيكيني وارتشاف الكوكتيلات "صعبة"، ملتمسة تعاطفنا.
وفي المرحلة المقبلة، يُحتمل جداً أن تُصر أندرسون وسواها من المؤثرين على أن يكونوا في مقدمة الأشخاص الأحوج إلى اللقاح، توخياً لمصلحة كل من ينتعل قباقيب الفرو في أي مكان في العالم.
في انتظار حدوث ذلك، لِيَكنْ ثمة جانب مشرق في هذا الجهل وتلك الأنانية، وليتمثل في أن يشكل [الجهل والأنانية] إثباتاً للمعجبين يكفي لإقناعهم بالبحث عن مؤثرين في مكان آخر!
© The Independent