تعيش موريتانيا حالة من الإرباك والتخبط بسبب فشل السلطات في السيطرة على تفشي الموجة الثانية من وباء كورونا وعدم اتخاذها قرار الإقفال العام بالرغم من حاجة البلاد اليه، وفي حين تواصل معظم الدول التي تواجه موجة جديدة من الفيروس إجراءاتها الاحتياطية، سمحت الحكومة الموريتانية باستئناف الدراسة في المدارس، ضاربة عرض الحائط بكل الدعوات التي أطلقها خبراء الصحة لمواجهة الارتفاع غير المسبوق لحالات الإصابة.
ولم تعلن الحكومة حتى الساعة خطتها للحصول لقاح كوفيد-19 ولم تحدد أي اللقاحات ستستورد، واكتفت اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة الجائحة خلال آخر اجتماع لها بالتأكيد على أن عمليات التطعيم ستراعي ترتيب المستفيدين من المرحلة الأولى منه بحسب الأولويات الصحية والمعطيات الميدانية بالأرقام.
كما أكدت أنه سيتم اقتناء اللقاحات الأصلح طبقاً للموازنة المرصودة لذلك، مشددةً على أنها اتخذت جميع الإجراءات الاستعجالية المصاحبة للعملية من تجهيزات لوجستية، وموضحة أن خبرة موريتانيا في تنظيم عمليات التطعيم جيدة، ما سيمكّنها من التكفل بتطعيم جميع المواطنين ضد كورونا في الوقت المطلوب.
خارج السيطرة
ينتقد الخبراء بشدة أداء اللجنة الوزارية المعنية لوحدها بتدبير جائحة كورونا، على الرغم من انخفاض تعداد السكان ودفء الطقس وعزل الحدود لمنع دخول المزيد من المصابين، إلا أن السلطات لم تستطِع السيطرة على الموجة الثانية من تفشي الفيروس.
ولعل تأخر استيراد اللقاح واعتماد السلطات على مساعدات دول صديقة أعلنت أنها ستقدم شحنات من اللقاحين الروسي والصيني، يؤكد حالة التراخي والإهمال التي تعاني منها البلاد، وعلى الرغم من المخاوف من إمكانية تسجيل تحوّل جيني للفيروس، ما زالت السلطات تطمئن أن الحالة الوبائية تحت السيطرة وأن الوضع مستقر خلال الأسبوع المنصرم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يرى الطبيب الاستشاري في الأمراض الصدرية سيد محمد ولد السعد أن الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة لا تأخذ في الاعتبار تذبذب الأرقام المسجلة من فترة إلى أخرى. فمع كل استقرار في منحى الإصابات، تعلن السلطات أن الوضعية الوبائية غير خطيرة وأن هناك تراجعاً في خطورة الجائحة، في حين أن احتمال تسجيل موجة جديدة قوي جداً.
ويعتبر أن الإجراءات الاحترازية المفروضة غير كافية وأنه من الضروري فرض إغلاق حتى لا تواجه البلاد أزمة أخرى قبل تعميم التطعيم.
ويقول "معظم البلدان تواجه موجات جديدة لتفشي الوباء بل وتحوّلاً جينيّاً للفيروس... ما يفرض تشديد الإجراءات الاحترازية، وفي موريتانيا وعلى الرغم من أن مؤشر الإصابات يتجه إلى الصعود ويتوالى تسجيل الأرقام القياسية، فقد سمحت السلطات بعودة المدارس ...".
ويؤكد أن هناك ضغطاً غير مسبوق على المستشفيات ومختبرات الفحص بسبب نقص الأسِرّة وأجهزة التنفس وارتفاع نسبة الإصابات وسط الأطقم الطبية، مشدداً على أنه بسبب هذه الظروف وأمام العجز عن التكفل بالمرضى المحتاجين للرعاية الاستشفائية، فإن أفضل طريقة لمواجهة العدوى هي التقيّد بالإجراءات الاحترازية.
موجة حادة
وصل عدد حالات الوفاة جراء فيروس كورونا منذ ظهوره في البلاد إلى 400 حالة، غير أن مراقبين يشككون في الأرقام المسجلة لنسبة الإصابة والوفيات بسبب ضعف البنى الصحية وغياب الوعي بخطورة المرض، خصوصاً في الأرياف حيث لا تخضع الوفيات المسجلة لفحص طبي يظهر سببها.
ووفق آخر حصيلة رسمية، فقد بلغت إصابات كورونا في موريتانيا 15893 إصابة، وبلغت نسبة الوفيات منها 3 في المئة، فيما وصل عدد الفحوص التي أجريت منذ بداية انتشار الفيروس إلى 170514.
وبلغ عدد الحالات الناشطة بفيروس كورونا إلى 1245 حالة، 63.63 في المئة منها في العاصمة نواكشوط.
ومع هذا التزايد، برزت مخاطر جدّية من وصول المستشفيات إلى مرحلة العجز التام عن استيعاب المصابين، بخاصة بعدما أعلنت الحكومة أن حوالى 80 في المئة من أسرّة الإنعاش حجزها مصابون بالفيروس، بنسب تتراوح بين 6 في المئة للمستوى الأول من الأسرّة المساعدة على التنفس، و41 في المئة من أسرّة المستوى الثاني، أما المستوى الثالث الخاص بالحالات الحرجة فقد حجزت بنسبة 79.3 في المئة.
ويعاني القطاع الصحي في موريتانيا نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يقوّض فرص التصدي لخطر الموجة الثانية لتفشّي الفيروس. ولمواجهة هذه المشكلة، أعلنت الحكومة أنها ستعمل خلال الفترة المقبلة على تحسين البنية التحتية الصحية باقتناء المعدات الضرورية وزيادة عدد الأسرّة في المستشفيات.
ضجر شعبي وتوزيع مساعدات
على الرغم من تواضع الإجراءات التي تفرضها السلطات الموريتانية ومن ضمنها فرض حظر تجول جزئي من السادسة مساء وحتى السادسة فجراً، فإن غالبية الموريتانيين يبدون تململاً منها ويشككون في نجاعتها في الحد من تفشي الجائحة.
وظهرت حالة التململ على مواقع التواصل الاجتماعي التي ضجّت بدعوات إلى رفع حظر التجول المفروض مساء، وكتب المدون الحسين ولد محنض على صفحته في "فيسبوك"، "نحن لسنا المغرب الموجود تحت تأثير مناخ الأبيض المتوسط البارد، ولا السنغال الموجودة تحت تأثير المناخ الاستوائي الرطب، نحن في صحراء جافة، وكثافتنا قليلة، وشعبنا فقير، لا يتحمّل دفع ثمن كبير من حرياته وصلواته وتعليمه واقتصاده مقابل فيروس، نجاه الله تعالى من شدته... أعتقد أنه لا حاجة للحكومة في الاستمرار في التضييق على المواطنين في عباداتهم وحرياتهم ومعايشهم، حتى يظهر ما يبرر ذلك فعلاً، فلا ضرورة لمنع عباد الله من أداء الصلوات في المساجد، ولا ضرورة لحظر التجول، ولا ضرورة لتعطيل الإدارات العمومية، تكفينا التوعية بأهمية الكمامات والتباعد وغسل الأيدي، في انتظار اضمحلال الفيروس من تلقاء نفسه أو وصول اللقاح أو بلوغ مناعة القطيع".
واستبعد يحي ولد الدو، مالك مشاريع تجارية وسط العاصمة أن تتخذ الحكومة قرار الإغلاق التام بسبب تكلفته الاقتصادية على شعب يعاني من الفقر والبطالة.
وقال "موجة كورونا الجديدة شرسة وفتاكة وسريعة الانتشار، لكن تشديد الإجراءات، بخاصة إغلاق الأسواق ومنع التنقل بين المدن لن يوقف تزايد الحالات اليومية وارتفاع نسبتي الوفيات والحالات الحرجة".
من جهة ثانية، لم تقرر الحكومة أي لقاح ستعتمد لمواجهة كوفيد-19 والتصدي للموجة الثانية منه، وقال الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إن بلاده حصلت على 5 آلاف جرعة من لقاح كورونا هدية من دولة صديقة لم يسمِّها، مؤكداً أن الحكومة تعمل من أجل شراء كمية أخرى من اللقاح، كما ستحصل على أكثر من 800 ألف جرعة من منظمة الصحة العالمية.
في المقابل، أعلنت الحكومة أنها ستوزع 4.7 مليار أوقية، أي ما يعادل 12.2 مليون دولار، على الأسر الفقيرة لمساعدتها في مواجهة تداعيات الموجة الثانية من الوباء.
وقالت المندوبية العامة للتضامن ومكافحة الإقصاء التي ستتولّى المهمة إن الهدف من هذه الخطوة هو "التخفيف من الآثار السلبية للموجة الثانية من جائحة كورونا... إذ سيتم توزيع المساعدات المالية على 210 آلاف أسرة فقيرة على مستوى جميع ولايات الوطن".