اعتقل أكثر من 600 شخص بعد الليلة الثالثة على التوالي من الاضطرابات التي تشهدها مدن تونسية فيما نُشرت قوات من الجيش في بعض المناطق، بحسب ما أفاد مسؤولون الإثنين.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني إن إجمالي عدد الموقوفين بلغ 632 شخصاً، أبرزهم "مجموعات من الأفراد أعمارهم بين 15 و20 و25 عاماً تقوم بحرق العجلات المطاطية والحاويات بهدف عرقلة تحركات الوحدات الأمنية". وقالت وزارة الدفاع إن الجيش انتشر في مدن عدة.
وعلى الرغم من فرض حظر التجول كإجراء وقائي من فيروس كورونا، شهدت مناطق عدة مواجهات بين شبان وقوات الأمن، لكنها خلت من أي مطالب سياسية أو اجتماعية، بل اكتفت باستفزاز عناصر الأمن وإشعال عجلات المطاط وعمليات كر وفر ومحاولات للنهب والسرقة.
ومساء الإثنين، أفادت وسائل إعلام محلية عن تجدد الاشتباكات بين متظاهرين في مدينة باجة الواقعة في إقليم الشمال الغربي وبين قوات الأمن. وتجددت المواجهات وعمليات الكر والفر بين عناصر الأمن ومحتجين في بئر الشباك في سوسة جنوب العاصمة التونسية.
كذلك اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن في مدينة القصرين، وقال شهود عيان في المدينة إن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع بينما كان عدة شبان يحرقون الإطارات ويقذفون بالحجارة بعد ساعات من تجمع محتجين في العاصمة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
احتجاجات متزامنة
وما يشد الانتباه هو تزامن هذه الاحتجاجات ليلاً في عدد من الأحياء وسط العاصمة، وفي عدد من المحافظات والمدن الساحلية كالمنستير وسوسة.
في موازاة ذلك، تفرض الدولة حجراً صحياً شاملاً، وحظراً للتجول، بدءاً من الساعة الرابعة مساءً بالتوقيت المحلي، ما أدى إلى إغلاق المقاهي والمطاعم التي كانت تستوعب عدداً كبيراً من الشبان الذين وجدوا أنفسهم في حالة فراغ، علاوةً على حالة اليأس والإحباط التي تعانيها فئات واسعة من الشباب التونسي فاقد الأمل في الحصول على فرصة عمل.
كما تتزامن هذه الاحتجاجات مع وضع سياسي مرتبك وحكومة غير مستقرة لا تملك برامج تنموية واضحة للنهوض بوضع الجهات الفقيرة.
المواجهات في مدن عدة
والمواجهات التي اندلعت مساء الأحد 17 يناير (كانون الثاني) الحالي، في أحياء وسط العاصمة، استخدمت خلالها قوات الأمن الغاز المسيل للدموع، كما عمد محتجون إلى رشق قوات الأمن بالحجارة، والاعتداء على الممتلكات العامة في بعض المناطق، على غرار حي التضامن ذي الكثافة السكانية العالية، حيث اعتقلت قوات الأمن 10 أشخاص أثناء محاولتهم القيام بعمليات نهب وسرقة لفروع مصارف ومحلات تجارية.
كما شملت المواجهات مدناً أخرى على غرار مدينة حمام الأنف وأحياء السيجومي والزهروني والمروج التابعة لمحافظة تونس، عمد خلالها شبان إلى غلق الطرقات بإحراق عجلات المطاط والاعتداء على قوات الأمن. وشهدت ولايات داخلية مثل محافظات سليانة والكاف والقصرين، مواجهات مماثلة.
وشهدت محافظات سليانة والقصرين وبنزرت وسوسة، انتشار وحدات من الجيش أمام عدد من المنشآت الحيوية، تحسباً لتدهور الأوضاع واحتمال تعرضها للنهب والتخريب.
الاعتداء على الراعي ولحظة انفجار الاحتجاجات
كذلك، حاول شبان في محافظة سليانة (شمال غربي العاصمة) الاعتداء على منزل الشرطي الذي اعتدى على راعي الأغنام، وهو الحادث الذي تسبب باندلاع الاحتجاجات.
وتداول تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يوثق حادثة الاعتداء، وعبروا عن استهجانهم تصرفات الشرطي، التي تنم عن احتقار للشاب الذي بدا خائفاً في الفيديو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب رواد مواقع التواصل برد الاعتبار للراعي حفظاً لكرامته، واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه هذه الحادثة.
وأذنت النيابة العامة بمحافظة سليانة، يوم الجمعة 15 يناير، بفتح تحقيق في الحادثة التي جرت أمام مقر المحافظة، وفق الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في الجهة، علي السالمي، كما تم فتح بحث إداري في الحادثة، وتعهدت السلطة الجهوية، بالإحاطة الاجتماعية بالشاب واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وتقدمت مختلف النقابات الأمنية بالجهة، باعتذار رسمي للشاب الذي تعرض للاعتداء، كما نددت رابطة حقوق الإنسان واتحاد الفلاحين بالحادثة.
يناير محرك الاحتجاجات في تونس
وفي قراءة لهذه الأحداث أكد الصحافي المختص في الشأن السياسي المحلي التونسي، فطين حفصية، أنه "لا يمكن عزل أي أحداث عن سياقاتها، وهذه الظاهرة تواصلت لليوم الثالث على التوالي، وهي تحمل احتجاجاً اجتماعياً تغلفه ظواهر انحرافية تتجه إلى السرقة والنهب والاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، من دون إغفال واقع أن الأرضية الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي أفرزتها أزمة كورونا مهيأة لمثل هذه الاحتجاجات"، مضيفاً أن "شهر يناير في تونس يمثل عادةً المحرك الاحتجاجي التاريخي، منذ ثورة 1952 إلى مواجهات 1978 مع الاتحاد العام التونسي للشغل وانتفاضة الخبز 1984، وصولاً إلى أحداث يناير 2011، وإسقاط نظام زين العابدين بن علي".
ورأى حفصية أن "الحكومة التونسية لم تتفاعل حتى اللحظة مع هذه الاحتجاجات، بينما ساندها حزب العمال، وسط صمت بقية الأحزاب والمنظمات الحقوقية والمدنية الكبرى كالاتحاد العام التونسي للشغل".