على الرغم من أن تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ استجاب لطلب ميتش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية، بعدم البدء في محاكمة الرئيس السابق دونالد ترمب عملياً، إلا بعد الثامن من فبراير (شباط) المقبل، نشب خلاف جديد بين الحزبين حول مشاركة السلطة داخل مجلس الشيوخ بسبب تساوي الأصوات (50-50) ورغبة ماكونيل في الإبقاء على إجراء تنظيمي قائم حالياً، يمنح حزب الأقلية أحقية في تعطيل تمرير التشريعات بالأغلبية البسيطة، ومع رفض الديمقراطيين هذا الطلب، تشكلت أجواء عاصفة تهدد فكرة توحيد أميركا، التي دعا إليها الرئيس جو بايدن، وقد تسهم في تصويت الجمهوريين بعدم إدانة ترمب، إذا نسف الديمقراطيون مطلبهم واستخدموا ما يسمى بالخيار النووي، لتمرير أجندتهم التشريعية التي انتظروها طويلاً. فما هو الخيار النووي؟ ولماذا يصر الجمهوريون على اقتسام السلطة مع الديمقراطيين؟ وكيف سيؤثر ذلك على أجندة بايدن التشريعية؟
إزاحة السحابة الأولى
ربما نجح الديمقراطيون في إزاحة سحابة غائمة تشكلت بسبب إصرارهم على الإسراع بمحاكمة ترمب خلال أيام من الآن، بينما كان ماكونيل يطالبهم بأن تستغرق المحاكمة ثلاثة أسابيع على الأقل، بهدف استكمال أركانها وتحقيق العدالة، وهو ما رضخوا له في النهاية، حين أعلن تشاك شومر، أن محاكمة ترمب ستنطلق في الأسبوع الذي يبدأ بالثامن من فبراير، حيث تنطلق الإجراءات التمهيدية يوم 26 من الشهر الجاري، بعد وقت قصير من استلام مجلس الشيوخ فقرة اتهام الرئيس الأميركي السابق الذي أقره مجلس النواب بتحريض أنصاره على التمرد واقتحام مبنى الكابيتول.
وخلال الأيام المقبلة، سيؤدي أعضاء مجلس الشيوخ اليمين كأعضاء في المحكمة، ثم يُمنح مديرو الاتهام (الادعاء) الذين عينهم مجلس النواب وكذلك فريق الدفاع عن ترمب وقتاً لصياغة مذكراتهم، على أن يبدأ الادعاء والدفاع تقديم دفوعهم في الأسبوع الذي يبدأ بالثامن من فبراير.
عاصفة جديدة
غير أن عاصفة أخرى لاحت في أفق العلاقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تتمثل في عدم قدرة الطرفين على الاتفاق حول إجراءات تقاسم السلطة في المجلس، فمنذ أن تولى جو بايدن السلطة، انقسم ميزان القوى بالتساوي في مجلس الشيوخ الذي يتكون من 100 عضو بين الجمهوريين والديمقراطيين، ما يسمح لنائبة الرئيس كامالا هاريس، بصفتها رئيسة مجلس الشيوخ من الناحية الدستورية، أن تكسر التعادل في الأصوات، وهذا بالتحديد ما جعل الديمقراطي تشاك شومر زعيم الأغلبية الجديد في مجلس الشيوخ، وجعل سلفه ميتش ماكونيل زعيماً للأقلية الجمهورية.
وكزعيم للأغلبية، ستكون لشومر سلطتان جديدتان، أن يكون قادراً على تحديد التشريعات التي ستطرح على مجلس الشيوخ، كما سيكون له الحق أثناء مناقشات المجلس في أن يكون أول من يقدم الاقتراحات أو التعليقات، وهذا يعني أن الديمقراطيين الآن يمكنهم وضع جدول الأعمال ورئاسة اللجان والحصول على الامتيازات الصغيرة، التي تأتي مع كونهم الطرف المسيطر، لكن ذلك يجري فقط في الأوقات العادية، بينما الأجواء الحالية تعد استثنائية، فعلى الرغم من أن الجمهوريين خسروا أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، إلا أنه وفقاً للقواعد المعمول بها في المجلس، لا يزال الحزب الجمهوري يرأس جميع اللجان، ولا يزال بإمكان ماكونيل منع تحقيق أي تقدم في المجلس حتى الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما حق التعطيل؟
وإلى أن يتفق زعماء الحزبين أو جميع أعضاء مجلس الشيوخ الـ100 على السير قدماً بإقرار القواعد التنظيمية والإجرائية لعمل المجلس خلال العامين المقبلين، فإن القواعد القديمة سوف تظل سارية، بما في ذلك قرار تنظيمي ما زال فاعلاً، يسمح لعضو واحد في مجلس الشيوخ بحق تعطيل أو وقف تشريع ما إذا لم يحصل على موافقة 60 عضواً في المجلس.
ويمنح إجراء التعطيل حزب الأقلية نفوذاً، لأنه سيمنع إلى حد كبير أي شيء من المضي قدماً في هذا المجلس، إذا لم يكن هناك توافق حزبي يضمن موافقة 10 أعضاء من حزب الأقلية (الجمهوري) مع جميع أعضاء حزب الأغلبية (الديمقراطي) وعددهم 50 عضواً.
وما يفعله السيناتور ماكونيل الآن، هو في الواقع استخدام إجراء التعطيل القائم بالفعل، كي يمنع تغيير هذه القاعدة، بالتالي يحمي حقوق حزب الأقلية.
الخيار النووي
لكن غالبية الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وبخاصة التقدميين منهم، يريدون إطلاق ما يسمى بـ"الخيار النووي"، وهو إجراء تنظيمي في المجلس يسمح بتجاوز قاعدة تنظيمية محددة مثل التصويت بغالبية 60 صوتاً، من أجل إغلاق النقاش حول الموضوع، والبدء في تمرير التشريعات بالأغلبية البسيطة أي بغالبية 51 صوتاً، بدلاً من أغلبية الثلثين التي يتطلبها تغيير القواعد التنظيمية.
وبينما يستطيع الديمقراطيون أن يلجأوا إلى هذا الخيار، إلا أن المعتدلين منهم يحذرون من أن ذلك قد يكون جيداً على المدى القصير، لكن إقرار هذا التغيير قد يطارد الديمقراطيين في النهاية عندما يعودون إلى الأقلية ربما بعد عامين، خصوصاً وأن عدداً من الأعضاء ليسوا متحمسين للسير في هذا الطريق، لأنهم يدركون أن خريطة انتخابات التجديد النصفي 2022 قد تمنح الجمهوريين الأغلبية مرة أخرى.
عقبة تقاسم السلطة
وعلى الرغم من أن الديمقراطيين يسيطرون نظرياً على مجلس الشيوخ، إلا أن الجمهوريين ما زالوا يترأسون لجان المجلس المختلفة حالياً، على الرغم من أنهم أقلية الآن، والسبب يعود إلى التعقيدات المتعلقة بانقسام المقاعد في المجلس بالتساوي (50-50)، وحاجة المجلس إلى إقرار إجراء تنظيمي حول تقاسم السلطة في المجلس الجديد، إذ تواجه المفاوضات بين شومر وماكونيل عقبة كبيرة، إذ يدعو الأخير إلى أن يشمل القرار استمرار إجراء قائم حالياً يسمح لأي عضو أو أكثر تعطيل أي تشريع، وهو ما يرفضه الديمقراطيون الذين يخشون استخدام الجمهوريين لهذا الحق بشكل جامح.
وفي وقت اعتبر شومر طلب ماكونيل غريباً، لأنه يضع قيوداً إضافية على الأغلبية الديمقراطية، بينما يسعى بدلاً من ذلك لاستخدام اتفاقية تقاسم السلطة نفسها التي اعتمدها مجلس الشيوخ 2001، أوضح ماكونيل أنه لم تكن هناك حاجة في ذلك الوقت لإعادة تأكيد القواعد الأساسية، التي تحكم التشريع في مجلس الشيوخ نتيجة اعتقاد راسخ بأن الأغلبية لن تكسر هذه القاعدة لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل، في إشارة ضمنية إلى أن الديمقراطيين يسعون حالياً لتحقيق مكاسب على حساب الجمهوريين.
وعلاوة على ذلك، أنعش ماكونيل ذاكرة الديمقراطيين بأن حق التعطيل طالب به الديمقراطيون أنفسهم 2017، بمن فيهم كامالا هاريس التي تشغل منصب نائب الرئيس حالياً، عبر رسالة وقعها 61 عضواً في المجلس دعماً لشرط توافر أغلبية بنسبة 60 في المئة، لإقرار التشريعات، بعد أن أعرب الرئيس ترمب آنذاك عن اهتمامه بإلغاء حق التعطيل، لكن السياسة الديمقراطية تغيرت منذ ذلك الحين، ودعا ديمقراطيون بارزون خلال الأشهر الأخيرة إلى إلغاء حق التعطيل، كما أن بايدن نفسه قال العام الماضي إن دعمه لإلغاء التعطيل سيعتمد على مدى شراسة الجمهوريين تحت رئاسته.
هدف الجمهوريين
غير أن الجمهوريين يريدون الحصول على تأكيدات مبكرة بأن الديمقراطيين لن ينفردوا باتخاذ القرار والتصديق على مشاريع القوانين، ويتخلون عن أحد تقاليد مجلس الشيوخ القديمة على الرغم من عدم وجود نص دستوري لها، ومن ثم، فإن إشعال معركة للحفاظ على هذه القاعدة الإجرائية والدفاع عنها سيكون أسهل بكثير من استخدامها بعد ذلك، لمنع تشريعات يطرحها الديمقراطيون تحظى بشعبية واسعة، مثل حزمة الإغاثة المالية لمكافحة تداعيات فيروس كورونا.
ويخشى الجمهوريون أن يدفع الديمقراطيون بعديد من التشريعات التي يرفضون عدداً منها، لا سيما ما يتعلق بملفات الهجرة وزيادة الضرائب بعدما سيطر الديمقراطيون على غرفتي السلطة التشريعية في الكونغرس والسلطة التنفيذية في البيت الأبيض، وهو ما سوف يزيد من التوترات الحزبية ويفجر مزيداً من الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين، بما يتناقض مع خطاب الرئيس بايدن التصالحي وتأكيده على توحيد الأميركيين.
مخاوف الديمقراطيين
في المقابل، عبّر الديمقراطيون عن مخاوفهم من أن يؤدي التأخير في الاتفاق حول القرار التنظيمي بتقسيم السلطة إلى التأثير على عملية التصديق في مجلس الشيوخ على اختيارات بايدن الوزارية المثيرة للجدل، فمن دون هذا القرار التنظيمي، سيظل عدد الجمهوريين يفوق عدد الديمقراطيين في اللجان الرئيسة، ويمكنهم نظرياً عدم التصديق على المرشحين.
وكلما طال أمد التأخير، قل احتمال أن يتعامل مجلس الشيوخ بشكل سريع لاعتماد حزمة الإغاثة لمكافحة فيروس كورونا، التي تعد أولوية قصوى لبايدن والديمقراطيين، خصوصاً وأن هناك مقاومة من الجمهوريين، ومن غير المرجح أن يعقد الديمقراطيون جلسات استماع بشأنه حتى تتم تسوية نسب اللجان.
ومع ذلك، قد ينفد صبر الديمقراطيين إذا استمرت المحادثات لفترة أطول، ذلك أنهم يتوقون إلى المضي قدماً لتنفيذ أجندتهم وإقرار برامجهم بعد ست سنوات من انتظارهم على مقاعد الأقلية، وتمكنهم أخيراً من السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب لأول مرة منذ عقد من الزمان.
التأثير على محاكمة ترمب
علاوة على ذلك، يخشى بعض الديمقراطيين من أن يدفع الفشل في التوصل لاتفاق مع ماكونيل والجمهوريين حول حق التعطيل ونزوع التقدميين في الحزب الديمقراطي إلى تجاوز الجمهوريين باستخدام الخيار النووي، إلى تعزيز جبهة الرفض داخل الحزب الجمهوري لعملية إدانة ترمب خلال المحاكمة بعد أقل من ثلاثة أسابيع، الأمر الذي سيصب مزيداً من الزيت على نار الانقسام المجتمعي في الولايات المتحدة، لا سيما وأن نسبة كبيرة من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ مترددة في إغضاب قواعدها الانتخابية، التي ترفض إدانة ترمب حتى الآن.
وما يعزز مخاوف عدم الاتفاق هو التباين بين شخصيتي شومر وماكونيل، إذ إن تشاك شومر ابن مدينة نيويورك، بينما ولد ميتش ماكونيل في ألاباما ويمثل ولاية كنتاكي المحافظة، لذا تبدو أساليبهم مختلفة للغاية في ظل الاستقطاب السياسي المتزايد، الذي دفع شومر وماكونيل وأحزابهما إلى الانفصال منذ 2001، بعدما تغيرت الأمور بشكل كبير خلال عقدين من الزمن، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي سبباً رئيساً في هذا الانفصال وفي التباعد الأيديولوجي.
تجربة 2001
ومع ذلك، يرى البعض أن تجربة 2001، قد تكون مفيدة لما يجري حالياً، ففي أعقاب انتخابات 2000 تساوى عدد المقاعد بين الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ بنسبة (50-50)، ووافق زعماء الحزبين في المجلس، الجمهوري ترينت لوت والديمقراطي توم داشل، على اتفاقية فريدة لتقاسم السلطة أدت في الواقع إلى مجلس شيوخ فاعل مع أوائل 2001، فقد وافق لوت وداشل على تقسيم أعضاء كل لجنة بالتساوي، بينما احتفظ الجمهوريون تقنياً برئاسة اللجان والقدرة على عقد جلسات الاستماع، ما أجبر الحزبين على حل وسط حتى على مستوى كل لجنة.
واتسم مجلس الشيوخ حينذاك بالابتعاد عن الحزبية الشديدة، التي شهدها المجلس خلال الأعوام الـ 14 الأخيرة، حيث لم تكن اتفاقية لوت داشل لتقاسم السلطة استسلاماً للطرف الآخر بالطريقة التي قد تصورها القاعدة الحزبية من الطرفين الآن، لكن الظروف التي رافقت عقد هذه الاتفاقية تختلف تماماً عن الظروف والأجواء الحالية بعد سنوات ترمب الساخنة.
أجواء مختلفة
لهذا السبب قد يكون من الصعب العودة إلى حقبة ما قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وعصر بدايات انتشار الإنترنت، فضلاً عن أن الأولويات التشريعية الرئيسة لإدارة الرئيس بوش في هذا الوقت، كانت متواضعة مقارنة مع نظيرتها لدى جو بايدن، التي تحاول تغيير الوجه الذي صبغه ترمب على أميركا طوال فترة حكمه.
ويقول الجمهوريون إن اتفاقية 2001، جاءت في وقت كان فيه مجلس الشيوخ أقل استقطاباً مما هو عليه الآن، كما أن اتفاق تقاسم السلطة استمر لمدة خمسة أشهر فقط، حتى أعلن السيناتور الجمهوري الليبرالي جومبين جيفوردز أنه سيغادر حزبه في 24 مايو (أيار) 2001، بعد يوم من إقرار التخفيضات الضريبية لبوش في الكونغرس، وهكذا بات لدى الديمقراطيين 51 صوتاً في المجلس، وأصبح داشل زعيم الأغلبية لمدة عام ونصف العام، قبل أن يخسر هذا اللقب في العام 2003، مع استعادة الجمهوريين للأغلبية عقب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002.
بعض الأمل
وفي عصر الحزبية الشديدة والسياسة الانقسامية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، قد تبدو فكرة اتفاقية تقاسم السلطة في مجلس الشيوخ شبه مستحيلة التنفيذ. ومع ذلك، قد يكون من واجب زعيم الأغلبية تشاك شومر وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل، إثبات أن التعاون ليس ممكناً فحسب، بل ضرورياً من أجل الخروج من حالة التصارع الحزبي، ومن أجل تحقيق حلم توحيد أميركا الذي يدعو إليه بايدن.