بعد إعلان صندوق النقد الدولي تلقيه طلب مساعدة طارئة من العراق، يتحدث متخصصون في الاقتصاد عن خطورة استمرار تلك النزعة المتزايدة للاقتراض لدى الحكومة الحالية، مشيرين إلى أن استمرار الاقتراض سيزيد من الأعباء الاقتصادية على البلاد.
وقال الصندوق في بيان "طلبت السلطات العراقية مساعدة طارئة بموجب أداة التمويل السريع بترتيب طويل الأمد، لدعم الإصلاحات الاقتصادية المخطط لها". وأضاف، "المناقشات جارية بشأن طلب السلطات للمساعدة الطارئة".
وكان وزير المالية العراقي علي علاوي قد صرح لوكالة "بلومبيرغ"، الأحد 24 يناير (كانون الأول)، أن العراق يجري محادثات مع الصندوق للحصول على قرض بقيمة 6 مليارات دولار.
وأشار علاوي إلى أن العراق قد يطلب 4 مليارات دولار إضافية على شكل قروض منخفضة التكلفة من برنامج صندوق النقد الدولي الخاص بإصلاح الحكومات.
قرض غير مضمن في مشروع الموازنة
ورأت اللجنة المالية في البرلمان العراقي أن أي محاولة اقتراض يجب أن تمر من خلال الطرق القانونية، إما بتضمينه في الموازنة العامة أو من خلال التصويت عليه في البرلمان، إذ إن أي إجراء أحادي من جانب الحكومة لا يمكن تمريره.
وقال عضو اللجنة النائب جمال كوجر إن "البرلمان متوجه إلى تقليل العجز في الموازنة المرسلة من الحكومة وزيادة وتنويع الإيرادات"، مؤكداً "عدم تسلم البرلمان طلباً حكومياً بخصوص الاقتراض من صندوق النقد الدولي، فضلاً عن عدم تضمن هذا القرض في مشروع الموازنة".
وأضاف أن "أي اقتراض يحتاج إلى قانون، ولا يستطيع وزير المالية الحصول على قروض من دون غطاء قانوني"، مردفاً "يجب العودة إلى القوانين المعمول بها، إما من خلال قانون الموازنة العامة أو تقديم طلب إلى البرلمان للموافقة".
وفي مقابل الحديث عن الإشكالات القانونية والخلافات التي تبدو مستمرة بالتزايد بين وزير المالية واللجنة المتخصصة في البرلمان، على إثر استمرار الاقتراض، يشير متخصصون في الاقتصاد إلى أن استمرار وزارة المالية بالتوجه نحو الاقتراض يمثل خطراً كبيراً يهدد الاقتصاد العراقي.
ما جدوى تخفيض قيمة الدينار العراقي؟
وبعد الإعلان عن عزم الحكومة الاقتراض من صندوق النقد الدولي، تتزايد التساؤلات في الأوساط العراقية عن جدوى تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار، الذي من المفترض أن يكون الهدف الرئيس منه تقليل النفقات والحد من عجز موازنة البلاد.
في السياق، يعتقد مدير العمليات المالية السابق في البنك المركزي محمود داغر أن طلب الاقتراض من صندوق النقد الدولي يعد "إغراقاً للعراق بديون عوّدتنا وزارة المالية الجديدة عليها"، مشيراً إلى أن "هناك مبالغة بالتوجه إلى الاستدانة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف داغر، "بعد ما جرى من استدانة داخلية قاربت الـ29 تريليون ديناراً (حوالى 20 مليار دولار) في العام الماضي، وما جاء في موازنة العام الحالي من رغبة بدين كبير قد يبلغ نحو 47 تريليون ديناراً (حوالى 32 مليار دولار)، أصبح من الصعب القبول بدين إضافي"، مبيناً أن ما يجري يعد "تكبيلاً تاماً للأجيال المقبلة".
ويعبّر عن استغرابه لما أسماه بـ"النهم والتهافت" على الاستدانة، مشيراً إلى أن "قرار تخفيض قيمة العملة المحلية بنحو 23 في المئة كان يفترض تقليل النفقات العامة، إلا أن الموازنة العامة أتت بنحو 164 تريليون دينار (112 مليار دولار). ما يعطي مؤشراً عن عدم الاكتراث بحجم الديون العالية".
ويختم داغر أن "الموازنة المقترحة بنحو 164 تريليوناً تقابلها إيرادات متوقعة لا تتجاوز 93 تريليون دينار (63 مليار دولار). ما يعني عجزاً بنحو 71 تريليون دينار (حوالى 48 مليار دولار)، فيما بلغت كل صرفيات العام الماضي نحو 80 تريليوناً (54 مليار دولار)"، لافتاً إلى أن "80 في المئة من الموازنة المقترحة تشغيلية".
في غضون ذلك، قال مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي النائب أحمد الصفار، في مقابلة متلفزة إنه "وللأسبوع الثاني على التوالي، تستمر اللجنة المالية البرلمانية، بجلساتها لمناقشة فقرات الموازنة الاتحادية".
وأضاف "جادون في إحداث تغييرات واضحة وبارزة في الموازنة، من حيث النفقات العامة والإيرادات وحجم العجز، إذ تمكنا من خفض الانفاق الكلي إلى 127 تريليون دينار، ورفعنا قيمة الإيرادات برفع سعر برميل النفط من 42- 45".
رهن العراق بسياسات صندوق النقد الدولي
في المقابل، يرى رئيس مجلس الأعمال الوطني العراقي داود عبد زاير، أن "هناك إرادة تحاول إبقاء العراق مرهوناً بسياسات تلك المؤسسات، خصوصاً مع عدم تحقق أي مصلحة اقتصادية من تلك القروض"، لافتاً إلى أن هذا الاقتراض "يعني مزيداً من القيود والضوابط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على البلاد".
ويوضح زير أن "السياسة الاقتصادية للدولة منذ عام 2015 ماضية نحو الاقتراض الخارجي"، معتبراً أن هذا الأمر "غير مبرر من الناحية الاقتصادية".
ويؤكد أن هذا النوع من القروض "سيفرض قيوداً في ما يتعلق بدعم الحكومة لقطاعات الطاقة والتعليم والصحة والنقل والبطاقة التموينية التي تخفق الحكومة في توفيرها".
ويلفت إلى أن تلك النزعة المتزايدة للاقتراض "ستزيد من القيود المستقبلية على العراق وتراكم الأعباء على الطبقات الفقيرة"، مردفاً "على الحكومة دراسة آلية للإبقاء على الدعم بالنسبة إلى الطبقات الفقيرة".
ويشير زاير إلى أن الإشكال الأبرز في ما يتعلق بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، يرتبط بأن "جميع المشاريع الممولة من قروض الصندوق السابقة لم تتمكن من استرداد رأس المال، وتحملت الدولة أعباءها وفوائدها من واردات النفط"، لافتاً إلى أن "الصندوق يشترط عدم استخدام تلك المنح لصرف رواتب الموظفين".
معالجات السياسة لا تقنع العراقيين
ويبدو أن لا ملامح لأي حراك سياسي لإيقاف التداعي الاقتصادي في العراق، على الرغم من الحديث المتكرر عن احتمالات أن يمر العراق بأحد أكبر الإشكالات الاقتصادية حدة، والتي ربما تعيد تحفيز الحراك الاحتجاجي مرة أخرى.
في المقابل، يرى الأكاديمي دياري الفيلي أن "الدولة العراقية منذ 2003 إلى اليوم تفتقر إلى ملامح سياسة مالية قادرة على إنتاج التنمية والعدالة الاجتماعية، وهذا الأمر تسبب بالانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد".
ويشير إلى أن المعالجات المطروحة سواء على مستوى الحكومة أو بقية الفاعلين السياسيين "لم تعد تقنع الشارع العراقي، خصوصاً مع اعتماد قوى السلطة على معالجات تؤثر في استحقاقات المواطنين وتتغاضى عن حجم الفساد الكبير والأموال المنهوبة".
ويعتقد الفيلي أن "تلك الاخفاقات ستشكل رافداً اجتماعياً أكبر للحركة الاحتجاجية"، لافتاً إلى أن "الإشكال يرتبط بكون قوى السلطة لا تزال تعول على أدوات العنف لإجهاض أي احتجاج، وتعتقد أنه الحل الوحيد أمامها".
أما الكاتب مصطفى المسعودي، فيقول إن "الفساد الذي تستفيد منه غالبية القوى السياسية هو ما يجعل تلك القوى غير مكترثة للانهيار الاقتصادي الحاصل".
ويلفت إلى أن "موازنة العام الحالي هي الأكبر في تاريخ البلاد، وفي المقابل ما زال الإنفاق على القطاعات الإنتاجية ضئيلاً جداً. ما يشير إلى أن تلك الموازنة ربما تستثمر من قبل الفاعلين السياسيين مع اقتراب الانتخابات المقبلة".