ملخص
ماذا سيحدث في أسواق النفط والغاز إذا توقفت الحرب في غزة؟ وهل سيتوقف الحوثيون عن ضرب السفن في البحر الأحمر؟ بعض المراقبين يرى أن الحوثيين توقفوا حتى قبل أن تنتهي الحرب في غزة بعد ضرب "حزب الله" في لبنان وسوريا ثم انهيار نظام بشار الأسد خوفاً من مصير مماثل.
الأسئلة التي تتكرر باستمرار في الأسابيع الأخيرة: هل سترتفع أسعار النفط في عام 2025؟ هل ستزيد "أوبك+" الإنتاج بعد انتهاء فترة الخفض في الربع الأول من 2025؟ هل سيصل الطلب على النفط في الصين إلى ذروته؟ هل سيصل الطلب العالمي إلى ذروته في 2025 كما يتوقع بعض المتابعين؟ هل يستطيع ترمب زيادة إنتاج النفط الأميركي بكميات كبيرة؟ هل سيؤدي تشديد العقوبات على إيران إلى رفع أسعار النفط؟ ماذا سيحدث في أسواق النفط والغاز إذا توقفت الحرب في غزة؟ وماذا سيحدث فيها إذا توقفت الحرب الأوكرانية؟
ومع انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، جاءت أسئلة جديدة: ما مصير حقول النفط السورية التي يسيطر عليها الأكراد والأميركيون؟ ونظراً إلى توقف إيران عن إمداد سوريا بالنفط، كيف ستحصل سوريا على الوقود في ظل العقوبات الأممية والأوروبية والأميركية، والشتاء على الأبواب؟ وهل ستشكل عودة النازحين أزمة طاقة خانقة في سوريا نظراً إلى عدم توافر كميات كافية من البنزين والديزل والكهرباء؟ وماذا عن المخطط التركي - القطري القديم، تمديد خط أنبوب غاز من قطر إلى تركيا عبر سوريا، الذي اعتبره بعضهم سبب التدخل التركي في سوريا؟
أدناه إجابات مقتضبة، وسنجيب عنها بالتفصيل في مساحات ولقاءات قادمة إن شاء الله.
1. هل سترتفع أسعار النفط في عام 2025؟
حسب المعطيات الحالية، ليس هناك أي سبب لارتفاع أسعار النفط في 2025 بصورة ملحوظة فوق المستويات الحالية إلا في حالتين: حدوث انقطاع مفاجئ في إمدادات النفط في دولة نفطية، ونمو الاقتصاد الصيني فوق الـ5 في المئة. الأول لا يمكن التنبؤ به على الإطلاق، الثاني مرهون بآثار الحروب التجارية ضد الصين. وفي الوقت نفسه لا يوجد أي مسوغ حالياً لهبوط الأسعار عن مستوياتها الحالية، إذ إن تمديد خفضات "أوبك+" ومجموعة الثماني يضمن عدم هبوط الأسعار. وبصورة عامة فإن أسعار خام "برنت" في بحر السبعينيات إنجاز كبير لـ"أوبك+" في ضوء كل العقبات والمشكلات في أسواق النفط العالمية، وأهمها انخفاض النمو الاقتصادي في الصين، وتفاقم الآثار السلبية للحروب التجارية حول العالم، إضافة إلى الهجوم المستمر من قبل حماة البيئة وبعض وسائل الإعلام الأجنبية، التي تبث أخباراً كاذبة باستمرار في محاولة لإفشال جهود دول "أوبك+". كذلك فإن أسعار النفط في السبعينيات مناسبة للمنتجين والمستهلكين في الوقت نفسه، ولها آثار إيجابية في الطلب العالمي على المديين المتوسط والبعيد. العائق الكبير في وجه دول "أوبك+" هو قوة الدولار الأميركي، على رغم أنها تستفيد من ذلك لأن النفط يسعّر ويباع بالدولار، ولكنه يحد من نمو الطلب على النفط.
2. هل ستزيد "أوبك+" الإنتاج بعد انتهاء فترة الخفض في الربع الأول من 2025؟
هذا سيعتمد على مدى انخفاض المخزونات في الربع الأول من جهة، ونمو الطلب على النفط عالمياً، بخاصة في الصين. أثبت تحالف "أوبك+" أنه مرن ويتأقلم مع ظروف السوق بسرعة، ومن ثم فإن زيادة الإنتاج أو عدمها مرتبطة تماماً بوضع السوق، وهذا لن يُعرف يقيناً إلا بحلول مارس (آذار) المقبل.
3. هل سيصل الطلب على النفط في الصين إلى ذروته؟
علينا توخي الحذر عند قراءة الأخبار عن هذا الموضوع، إذ إن غالب التوقعات في هذا المجال تتعلق بالطلب على "البنزين" وليس "النفط". وهناك من يذكر "وقود المواصلات". والقليل من يتكلم عن بلوغ الطلب على النفط ذروته، وسبب ذلك هو الانتشار الكبير للسيارات الكهربائية وشاحنات الغاز المسال.
الحقيقة أنه يوجد حالياً نحو 30 مليون سيارة كهربائية في الصين، أثرها المباشر في خفض الطلب على البنزين والديزل نحو 700 ألف برميل يومياً، ولكن الأثر "غير المباشر" أقل من ذلك بكثير. وليس من المستغرب أن يصل الطلب على البنزين إلى ذروته إذا استمر تبني السيارات الكهربائية بهذه الصورة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة وصول الطلب على النفط إلى ذروته لأسباب عدة، أهمها أن إنتاج الألواح الشمسية والعنفات الهوائية والسيارات الكهربائية والبطاريات يتطلب كميات هائلة من المواد البتروكيماوية من جهة، وكميات من النفط من جهة أخرى. المواد البتروكيماوية مصنعة من النفط والغاز.
وتشير التحليلات الإحصائية التي قام بها كاتب هذا المقال إلى أن نحو 75 في المئة من الانخفاض في الطلب الصيني على النفط مقارنة بما كان متوقعاً يعود إلى انخفاض النمو الاقتصادي، بينما يعود 25 في المئة إلى انتشار السيارات الكهربائية وشاحنات الغاز المسال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
4.هل سيصل الطلب العالمي إلى ذروته في 2025 كما يتوقع بعض المتخصصين؟
من يقول بذلك قاله عن 2019 وفشلت التوقعات، ثم قال ذلك عن 2022 وفشلت التوقعات، ولا يمكن، حسب المعطيات الحالية أن يصل الطلب على النفط إلى ذروته في الأعوام المقبلة. بعبارة أخرى سيستمر الطلب العالمي على النفط بالنمو وسيصل إلى أرقام قياسية عاماً بعد عام مدفوعاً بعوامل عدة، منها الطلب في الدول النامية، ولكن المفاجأة أن التغير الطاقي وسياسات التغير المناخي عاملان يزيدان الطلب على النفط في قطاع البتروكيماويات بصورة كبيرة كما ذكر أعلاه.
5. هل يستطيع ترمب زيادة إنتاج النفط الأميركي بكميات كبيرة؟
لا.هناك مبالغات كثيرة في هذا الموضوع. لا يستطيع لأسباب عدة، أهمها أن أغلب الاستثمارات ستذهب للتعويض عن النضوب في آبار النفط الصخري بسبب معدلات النضوب العالية التي تصل إلى 40 في المئة سنوياً، إضافة إلى سيطرة كبريات الشركات العالمية على قطاع النفط الصخري، التي تختلف سياساتها عن الشركات الصغيرة التي اُشتريت في الأعوام الأخيرة.
6. هل سيؤدي تشديد العقوبات على إيران إلى رفع أسعار النفط؟
لا، لنتذكر أن ترمب فرض العقوبات على إيران في الربع الرابع من 2018 وانخفض إنتاج إيران لأكثر من مليون برميل يومياً، ومع هذا انخفضت أسعار النفط بنحو 29 في المئة! صادرات إيران تذهب للصين، وبينهما نظام مدفوعات وتبادل تجاري لا يخضع للأميركيين. كما أن إيران، بمساعدة الصين، أتقنت تهريب النفط إلى الصين. ولن يشدد ترمب العقوبات إلا إذا ضمن أن بعض دول "أوبك+" ستعوض عن كميات الانخفاض في صادرات إيران التي تتوقعها الإدارة.
7.ماذا سيحدث في أسواق النفط والغاز إذا توقفت الحرب في غزة؟
الأمر يتعلق بموقف الحوثيين: هل سيتوقفون عن ضرب السفن في البحر الأحمر؟ بعض المتابعين يرى أن الحوثيين توقفوا حتى قبل أن تنتهي الحرب في غزة بعد ضرب "حزب الله" في لبنان وسوريا ثم انهيار نظام بشار الأسد خوفاً من مصير مماثل. وهناك من يرى أن الحوثيين سيستمرون في ضرب السفن من وقت لآخر لأنها ورقة ضغط على الدول الغربية في أيديهم، بغض النظر عما إذا انتهت الحرب في غزة أم لا.
8.ماذا سيحدث فيها إذا توقفت الحرب الأوكرانية؟
الإجابة هنا تحتاج إلى صفحات طويلة لتعدد المصالح، وتعدد الأطراف، وتعدد الموارد! والأمور التي يمكن الجزم بها حالياً ما يلي:
• لن تعود تجارة النفط والغاز الروسية إلى ما كانت عليه قبل الهجوم، إذ ستستمر صادرات روسيا من النفط والغاز إلى آسيا، ولكن واردات أوروبا من النفط والغاز الروسيين ستزيد في كل الحالات.
• ستحمي الولايات المتحدة حصتها في أسواق الغاز الأوروبية من أية منافسة.
• ستستمر الولايات المتحدة في تضييق الخناق على صناعة الغاز المسال الروسية لمنعها من التوسع، وهذه العقوبات الشديدة لا علاقة لها بالحرب في أوكرانيا.
• ستنخفض أسعار النفط قليلاً عند انتشار أخبار انتهاء الحرب، ولكن غالب العقوبات على روسيا ستبقى لفترة أطول.
• لا تستطيع روسيا زيادة إنتاج النفط بصورة كبيرة بمجرد انتهاء الحرب، ولكن وقف هجمات المسيرات الأوكرانية على المصافي الروسية سيمكن روسيا من زيادة صادرات المنتجات النفطية.
9. ما مصير حقول النفط السورية التي يسيطر عليها الأكراد والأميركيون؟
الاتجاه العام الآن إلى تسليم الحقول للسلطة في دمشق وانسحاب الأميركيين من المنطقة، وذلك بهدف إيجاد إمدادات نفطية في البلد من جهة، وتحقيق الحكومة في دمشق إيرادات لتسيير أمور البلاد من جهة أخرى.
المشكلة الكبرى أن بعض الحقول ملوثة بمواد مشعة نتيجة سيطرة فئات مختلفة على الحقول وانسياب المياه والنفط على سطح الأرض، والمواد المشعة محلولة في هذه المياه. عادة يُعاد ضخ هذه المياه في باطن الأرض، ولكن الجهل جعل من سيطر على هذه الحقول في الـ12 عاماً الماضية ينتج المياه ويسكبها على سطح الأرض. الاستفادة من هذه الحقول تتطلب إغلاق هذه المناطق بالكامل حتى تأتي شركات عالمية لتنظيف المنطقة، وهذا يتطلب مبالغ ضخمة، وأعواماً عدة من العمل.
يذكر أن سيطرة الأميركيين على هذه الحقول هي من منعت تركيا من السيطرة عليها، ويقدر الإنتاج الحالي بنحو 50 ألف برميل يومياً، ولكن قد تكون الكميات أكبر من ذلك.
10. نظراً إلى توقف إيران عن إمداد سوريا بالنفط، كيف ستحصل سوريا على الوقود في ظل العقوبات الأممية والأوروبية والأميركية، والشتاء على الأبواب؟
هذه مشكلة كبيرة الآن ولا بد من الحصول على استثناءات حتى ترسو بعض حاملات البنزين والمازوت (الديزل) والنفط في الموانئ وإفراغ حمولتها، بغض النظر عن الحاجة إلى البنزين والمازوت للمواصلات، سوريا تعتمد بصورة عامة على أنواع معينة من المازوت في التدفئة أثناء الشتاء، والشتاء قد بدأ.
وكانت هناك ناقلة نفط إيرانية محملة بـ 750 ألف برميل من المنتجات النفطية متجهة إلى سوريا، وكانت عند مدخل قناة السويس عندما انتشرت أخبار سقوط نظام بشار فعادت من حيث أتت.
11. هل ستشكل عودة النازحين أزمة طاقة خانقة في سوريا نظراً إلى عدم توافر كميات كافية من البنزين والديزل والكهرباء؟
بالتأكيد، ليست هناك كميات كافية من البنزين والديزل والكهرباء، لهذا يجب تقنين عودة النازحين والسماح لهم بالعودة على فترات متقطعة وعلى مدة قد تصل إلى عامين. هناك أزمة سكن خانقة حالياً بسبب الدمار الهائل لقرى وأحياء كاملة.إعادة البناء تتطلب كميات إضافية من الوقود والكهرباء غير متوافرة الآن.
12. ماذا عن المخطط التركي - القطري القديم، تمديد خط أنبوب غاز من قطر إلى تركيا عبر سوريا، الذي اعتبره بعض المراقبين سبب التدخل التركي في سوريا؟
المعادون للثورة السورية وأصحاب نظرية المؤامرة بدأوا بنشر هذه التقارير مع صور لمخطط الأنبوب أو الأنابيب منذ نحو أسبوع، كذلك أعاد نشرها أعداء الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا. الحقيقة أنه ليس هناك أي إعلان رسمي عن نية تركيا وقطر تفعيل خط الغاز القطري إلى أوروبا مروراً بسوريا وتركيا. الذي عزز الإشاعات هو سؤال صحافي لوزير الطاقة التركي عن الخط المقترح منذ 15 عاماً فأجابه إجابة دبلوماسية مشروطة. بعض وسائل الإعلام وحسابات التواصل الاجتماعي تجاهلت الإطار الذي قيل فيه الكلام، وتجاهلت الشروط. خلاصة الكلام أن الغاز الذي كان سيصدر وقتها عبر الأنبوب المقترح لم يعد موجوداً لأنه مخصص الآن لصادرات الغاز المسال. وخلاصة القول هنا إنه لن يكون هناك أي أنبوب من قطر لتركيا عبر سوريا.