اتخذت إيران إجراءات جديدة في إطار انتهاك الاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية عام 2015، وذلك بتخصيب اليورانيوم بعدد أكبر من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في منشأة تحت الأرض، في الوقت الذي تواجه الإدارة الأميركية الجديدة بخصوص إنقاذ الاتفاق.
وسرّعت طهران في الآونة الأخيرة انتهاكاتها للاتفاق بما يزيد الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن، في حين يقول الجانبان إنهما على استعداد للعودة للالتزام بالاتفاق إذا تحرك الطرف الآخر أولاً.
روحاني يرفض
وجدد الرئيس حسن روحاني اليوم موقف إيران الرافض لتعديل بنود الاتفاق حول برنامجها النووي، أو إضافة أي أطراف إليه، وذلك في ظل حديث أميركي بهذا الشأن تمهيدا لعودة الولايات المتحدة إليه بعد إنسحابها منه في 2018.
وفي كلمة متلفزة خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، قال روحاني "أقول بوضوح للمجتمع الدولي، لا سيما الدول المنضوية في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق)، أكانت 4+1 أو 5+1 مستقبلا، أنه لن يتم تغيير أي بند" من الاتفاق النووي.
أضاف "لن تتم إضافة أي أحد الى خطة العمل الشاملة المشتركة"، مشددا على أنه "لن نصبح 5+2 أو 5+3".
ورأى أن الاتفاق الذي أبرم في عهده بعد مباحثات شاقة "كان نتيجة عشرة أعوام من المفاوضات (...) الاتفاق لم يكن أمرا تحقق بسهولة"، متوجهاً الى الأميركيين بالقول "هذا هو الاتفاق. اذا أرادوه، أهلاً وسهلاً، سيعود الجميع الى الالتزام. في حال لم يرغبوا، أهلاً وسهلاً، يمكنهم أن يمضوا في حياتهم".
انسحاب وانتهاك
وبدأت إيران انتهاكاتها للاتفاق النووي في 2019 رداً على انسحاب واشنطن منه في 2018، بقرار من الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي أعاد فرض العقوبات الاقتصادية عليها بعد رفعها بموجب الاتفاق.
وينص الاتفاق على أن إيران لا يمكنها تخصيب اليورانيوم إلا في منشأة التخصيب الرئيسة، وهي تحت الأرض في نطنز، باستخدام الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي "آي آر-1".
وبدأت إيران العام الماضي التخصيب هناك بمجموعة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة "آي آر-2 أم" الأكثر كفاءة، وقالت في ديسمبر (كانون الأول) إنها تعتزم تركيب ثلاث مجموعات أجهزة أخرى.
تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير حصلت عليه "رويترز" أمس الثلاثاء، "أتمت إيران تركيب إحدى مجموعات الأجهزة الثلاث التي تضم 174 جهاز طرد مركزي "آي آر-2 أم". وفي 30 يناير (كانون الثاني) 2021 بدأت إيران في تغذية الأجهزة بغاز سادس فلوريد اليورانيوم".
وأكدت الوكالة لاحقاً أن طهران بدأت التخصيب بالمجموعة الثانية من الأجهزة.
وأشار التقرير إلى أن طهران تمضي قدماً في تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً. وأضاف أنه من بين المجموعتين المتبقيتين من أجهزة "آي آر-2 أم"، بدأت تركيب إحداهما بينما "توشك على الانتهاء" من تركيب الأخرى.
وقال كاظم غريب عبادي، مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على "تويتر" إن طهران بدأت أيضاً تركيب أجهزة الطرد المركزي "آي آر-6" في منشأة فوردو، وهي موقع محفور في جبل بدأت فيه إيران تخصيب اليورانيوم بدرجة 20 في المئة، التي أنجزتها آخر مرة قبل اتفاق 2015. ولم يتطرق تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لذلك.
منشأة فوردو
وفي تقرير ثانٍ صدر مساء الثلاثاء، اطلعت عليه "رويترز" أيضاً، قالت الوكالة إن إيران أخطرتها عبر خطاب مؤرخ أول فبراير (شباط) الحالي، أنه سيتم تركيب مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي "آي آر-6" في منشأة فوردو لاستخدامها مع 1044 جهاز طرد مركزي أخرى "آي آر-1" تعمل بالفعل في ست مجموعات هناك.
ولم يحدد التقرير إن كان التركيب بدأ.
وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان أن إيران أبلغتها أن مجموعتي الأجهزة سيتم تركيبهما في فوردو.
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين، إن الإجراءات الإيرانية الأخيرة زادت من المطالبة الأميركية الملحة بالتصدي للبرنامج النووي الإيراني.
وأضاف "أكدت (الإجراءات) إيماننا بأن هذا تحد يجب أن نتصدى له على الفور". وأوضح أنه كان يشير إلى القضية الواسعة المتمثلة في ضمان عدم تمكن إيران من تطوير أسلحة نووية.
وفي وقت سابق قال وزير الطاقة الإسرائيلي إن إيران ستحتاج من الآن إلى نحو ستة أشهر لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي واحد، وهي فترة تقارب ضعف المدة التي توقعها مسؤول كبير في إدارة بايدن.
الخطوات المتزامنة
وتنفي إيران وجود أي نية لديها لاستخدام التخصيب في إنتاج سلاح نووي. ويضع الاتفاق النووي حداً لتخصيب طهران لليورانيوم بدرجة نقاء 3.67 في المئة، وهو معدل مناسب لإنتاج الطاقة النووية المدنية، وأقل بكثير من درجة النقاء 90 في المئة اللازمة لصنع سلاح نووي.
وبالنسبة إلى العودة إلى الاتفاق، ردت الولايات المتحدة بفتور على اقتراح إيراني يتضمن اتخاذ واشنطن وطهران خطوات متزامنة للعودة إلى الاتفاق النووي، لكن مسؤولاً أميركياً قال إن الموقف لا ينبغي النظر إليه على أنه رفض.
كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد اقترح الاثنين المنصرم طريقاً للتغلب على الجمود بين الولايات المتحدة وإيران بشأن من يبدأ أولاً في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس السابق ترمب عام 2018.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يلمح فيها ظريف إلى أن إيران قد تتراجع عن مطلبها بأن تخفف الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية قبل أن تستأنف طهران الالتزام ببنود الاتفاق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، "لم نجر أي مناقشات مع الإيرانيين، ولا أتوقع أن نشرع في ذلك قبل المضي قدماً في تلك الخطوات الأولية"، في إشارة إلى مشاورات إدارة الرئيس بايدن مع الحلفاء والشركاء والكونغرس الأميركي.
وأضاف "هناك (الكثير) من الخطوات في تلك العملية... قبل أن نصل إلى النقطة التي ننخرط فيها مباشرة مع الإيرانيين، ونكون على استعداد لقبول أي نوع من المقترحات".
وقال مسؤول أميركي آخر، طلب عدم نشر اسمه، إن تعليقات برايس لا ينبغي النظر إليها على أنها رفض لفكرة ظريف، لكنها تعكس حقيقة أن فريق بايدن المسؤول عن الملف الإيراني تولى مهامه للتو وأنه ملتزم بالتشاور على نطاق واسع.
وأردف قائلاً "لا يوجد رفض... لم نبدأ التفاوض مع إيران أو مع أي شخص آخر لأن أولويتنا هي التشاور مع الشركاء في الاتفاق النووي وفي المنطقة".
وبموجب اتفاق 2015 الذي أبرمته إيران مع ست قوى عالمية، وافقت طهران على تقييد برنامجها النووي، بطريقة تجعل تطوير سلاح نووي أمراً أكثر صعوبة، مقابل تخفيف العقوبات من جانب الولايات المتحدة وغيرها من العقوبات الاقتصادية.
وبعدما انسحب ترمب من الاتفاق الذي أبرمته إيران مع بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة، أعاد فرض العقوبات الأميركية السابقة كما فرض عقوبات جديدة أنهكت اقتصاد النظام الإيراني.
محكمة العدل الدولية مخولة البت في العقوبات
أعلنت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، أنها مخوّلة البت في شكوى إيرانية ضد العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب على إيران، في خطوة عدتها طهران "انتصاراً" لها.
وتقدمت إيران بالشكوى إلى محكمة العدل التي تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقراً لها، عام 2018، بعيد إعادة واشنطن فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها بعد قرارها الانسحاب الأحادي من الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني.
واعتبرت إيران أن الولايات المتحدة انتهكت معاهدة صداقة وقعت بين البلدين عام 1955 إبان حكم الشاه.
وفي إحباط للمساعي الأميركية لإبطال القضية، قال رئيس محكمة العدل عبد القوي أحمد يوسف إن المحكمة "لديها الاختصاص القضائي... للنظر في الطلب المقدم من إيران".