دعيت حكومة المملكة المتحدة إلى البدء في مشاركة إمداداتها من اللقاحات مع أفقر بلدان العالم، بعد أن كشف تحليل جديد عن أن هذه الدول لم تُعط حتى الآن سوى 0.1 في المئة من الجرعات كلها على مستوى العالم.
وأعطي حتى الآن أكثر من 120 مليون لقاح، لكن 70 في المئة منها أعطيت في البلدان الـ50 الأكثر ثراءً في العالم، وفق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
وفي المقابل، لم يُعط سوى 0.1 في المئة من جرعات اللقاحات في البلدان الـ50 الأفقر في العالم، بحسب الاتحاد.
وأسفر تحليل الاتحاد عن صورة مماثلة للتفاوت عندما قارن عدد الجرعات الموزعة داخل بلد ما بتصنيفه في مؤشر التنمية البشرية، الذي يقيس مؤشرات متوسط العمر المتوقع والتعليم ودخل الفرد داخل البلد.
واستخدم نحو 95 في المئة من جرعات اللقاحات كلها المعطاة إلى الآن في بلدان مصنفة "متقدمة جداً"، أو "متقدمة" في مؤشر التنمية البشرية. وأفاد الاتحاد بأنه لم يرَ أي دليل على إعطاء أي جرعات في البلدان المصنفة "منخفضة جداً"، أو "منخفضة" في مؤشر التنمية البشرية.
وعند النظر في مؤشرات رفاه أي بلد، مثل معدل وفيات الأمهات، وجد الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر أن البلدان التي تشهد ضعفاً في النظام الصحي تعاني في تقديم الجرعات إلى سكانها. وفي البلدان التي أعطت أقل من جرعة واحدة لكل مئة شخص، يبلغ متوسط معدل وفيات الأمهات 200 وفاة لكل 100 ألف، وفق تحليل الاتحاد.
ووصفت منظمات صحية عالمية هذا التحليل بأنه "مثير لقلق شديد"، منبهة إلى أنه يكشف عن "التفاوت الهائل" الذي تعمق أكثر خلال جائحة "كوفيد-19". ويوثق تقرير نشره مكتب الصحافة الاستقصائية السبت المخاوف المتزايدة من التمييز في مجال اللقاحات.
وأعلنت "العدالة العالمية الآن"، وهي منظمة تدير حملات تعنى بشؤون التجارة والرعاية الصحية والعدالة في العالم النامي، أن "هذه الأرقام عبارة عن اتهام مُخزٍ للبلدان الغنية التي تكدس اللقاحات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتظهر بحوث أجريت بتكليف من "مؤسسة بيل ومليندا غيتس" أن التوزيع العادل للقاحات "كوفيد-19" على مستوى العالم من شأنه أن يحول دون 61 في المئة من الوفيات في المستقبل، مقارنة بنحو 33 في المئة إذا احتكرت الجرعات 47 دولة من بين الأكثر ثراءً في العالم.
وجمعت بريطانيا نفسها واحداً من أكبر مخزونات اللقاحات في العالم، بعد أن طلبت أكثر من 400 مليون جرعة، وهو ما يكفي لتلقيح سكانها جميعاً ثلاث مرات.
ويوم الخميس قال وزير الصحة، مات هانكوك، إن فيلم "عدوى" ألهم جزئياً نهجه المتمثل في طلب كميات ضخمة من مصنعي اللقاحات في أسرع وقت ممكن.
واقترحت الحكومة أن المملكة المتحدة قادرة على مشاركة جرعات اللقاحات "الزائدة" مع البلدان المجاورة والنامية، لكنها لم تحدد التوقيت. والأسبوع الماضي قالت وزيرة التجارة ليز تروس: "في الأشهر المقبلة نأمل أن نكون في وضع يسمح لنا بمساعدة بلدان أخرى في الحصول على إمدادات من اللقاحات"، لكن قائمين بحملات دعوا بريطانيا إلى التصرف عاجلاً لا آجلاً في مجال مشاركة جرعاتها لتجنب إطالة المرحلة الحادة من الجائحة وتقليل خطر نشوء فيروسات متغيرة خطيرة إلى حده الأدنى.
وقالت مسؤولة البحوث والسياسات في منظمة "أطباء بلا حدود"، روز سكورس، لـ"اندبندنت": "نحن في حاجة إلى ضمان توزيع الإمدادات المتوفرة الآن في شكل عادل. يجب أن تكون الأولوية للعاملين في مجال الرعاية الصحية والأشخاص الضعفاء في الوصول إلى اللقاحات حيث يعيشون. وبالنسبة إلى البلدان ذات الدخل المرتفع، مثل المملكة المتحدة، يعني ذلك مشاركة ما لديها مع بلدان أخرى حتى يتسنى تلقيح المجموعات ذات الأولوية في بلدان أخرى. لا يوجد حالياً ما يكفي للجميع، وعلينا أن نتأكد من أن المخزون يوزع وفق الاحتياجات على مستوى العالم. وهذه هي الوسيلة الوحيدة لحماية أكثر بلدان العالم عرضة إلى الخطر، وستكون أيضاً أسرع السبل لإنهاء هذه الجائحة من أجلنا جميعاً".
وأشارت إلى أن من أصل 119 مليون جرعة أعطيت على الصعيد العالمي حتى 5 فبراير (شباط)، لم تتوفر سوى 55 جرعة في بلد بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هو غينيا.
وأضافت "في الوقت الحالي، لا يملك العاملون في مجال الرعاية الصحية والأشخاص الضعفاء الذين يعيشون في أغلب البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، بما في ذلك الأماكن التي تعمل فيها منظمة (أطباء بلا حدود)، مثل موزمبيق ومالاوي وإسواتيني، سوى وصول قليل إلى اللقاحات المضادة لـ(كوفيد-19)، أو لا يملكون أي وصول إليها على الإطلاق".
واعترفت إحدى مسؤولات الصحة العامة في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، غوين إيمر، بأن "رعاية أنفسنا أولاً في الأزمات" أمر طبيعي، لكنها قالت "في بعض الأحيان نحتاج إلى مساعدة لندرك أهمية الإنسانية بالنسبة إلى الجميع".
وقالت لـ"اندبندنت": "إن الفيروسات لا تعرف حدوداً بين الدول. فكلما ازداد انتقال العدوى إلى بلدان أخرى، سواء البعيدة أو القريبة، ازدادت فرص حدوث طفرات في الفيروس. وتتسبب كل مدة واحدة من هذه الطفرات في ارتفاع معدلات انتقال العدوى أو الوفيات".
وقالت إن ضمان وصول الجميع، ولا سيما الذين هم على تماس مع المرضى، إلى اللقاح "مسألة من مسائل العدالة والإنسانية، والقيام بالتصرف السليم في الأساس".
وأضافت إيمر "إذا كان ثمة ممرضون في بلد منخفض الدخل يوفرون الرعاية المباشرة للمرضى المصابين بمرض كوفيد من دون حماية لقاح موجود بالفعل، وبدأ التلقيح لأشخاص في فئة منخفضة المخاطر في مكان آخر، فإن ثمة خطأ أساسياً قد حصل. إنه لفشل إذا كنا نلقح أناساً غير معرضين إلى درجة عالية في البلدان الغنية، في حين لا يتمتع الذين هم على تماس مع المرضى في بلدان أخرى بالحماية".
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن التحالف العالمي للقاحات بقيادة منظمة الصحة العالمية خطته لتوزيع أكثر من 330 مليون جرعة على الدول النامية في النصف الأول من عام 2021.
وتأسست "منشأة كوفاكس" بداية في أبريل (نيسان) 2019 "لضمان الوصول إلى لقاحات آمنة وفاعلة لـ(كوفيد-19) من خلال مجموعة من البلدان المرشحة".
وتستهدف إعطاء ما لا يقل عن ملياري جرعة بحلول نهاية عام 2021، سيغطي أغلبها 20 في المئة من السكان في 92 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل، يقع معظمها في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
وفي خطة مؤقتة نشرت قبل أيام، ذكرت "منصة كوفاكس" بأن جرعاتها ستغطي أكثر من ثلاثة في المئة من أفقر سكان العالم بحلول منتصف العام، مع توقع وصول أول شحنات في نهاية الشهر.
وللمساعدة في زيادة الإنتاج العالمي للقاحات، لفتت منظمة "وقف الإيدز" إلى "أننا في حاجة إلى أن تتخلى شركات الأدوية الكبرى عن احتكارها، وتتشارك المعرفة حول طريقة إنتاج هذه اللقاحات".
وقال جيمس كول، وهو مسؤول في مجال المناصرة في المؤسسة الخيرية التي تشن حملات توعية في شأن الصحة العالمية، لـ"اندبندنت": "إن هذا لن يؤدي إلى تسريع القدرة التصنيعية وزيادتها فحسب؛ هو سيجعل أيضاً المنتجات ذات تكلفة معقولة من خلال تمكين المنافسة العامة من المساعدة في دفع الأسعار إلى الانخفاض. والآن تجري مناقشة مقترح تاريخي في منظمة التجارة العالمية من شأنه أن يزيل مؤقتاً احتكارات شركات الأدوية الكبرى لتكنولوجيا الرعاية الصحية كلها في إطار (كوفيد-19). وهذا من شأنه أن يسمح لمزيد من البلدان بتصنيع هذه الأدوات الحيوية والوصول إليها، لكن من المؤسف أن الدول الغنية نفسها التي حصلت على أغلبية جرعات اللقاح المضاد لـ(كوفيد-19) على مستوى العالم، هي الدول نفسها التي تعارض المقترح".
© The Independent