أقرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، بأن حجم التحفيز المالي في دول منطقة اليورو "أقل بكثير من نظيره في الولايات المتحدة مثلاً". لكنها أشارت إلى وجود عوامل استقرار أعلى في أوروبا، خصوصاً ما يتعلق بنظم الرفاه الاجتماعي. وأرجعت اختلاف الوضع على ضفتي الأطلسي إلى "تباين الوضع الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي ووجود مستويين للدعم على مستوى الدول وعلى المستوى الأوروبي ككل".
وفي ندوة نظمتها مجلة "الإيكونوميست" الأربعاء، وشاركت فيها "اندبندنت عربية"، قالت لاغارد إن التحفيز المالي الأوروبي يصل إلى نحو أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة اليورو. وذكرت رئيسة تحرير "الإيكونوميست" زاني مينتون بيدوس، التي أدارت الحوار مع لاغارد، أن حجم التحفيز المالي في أميركا يفوق ذلك بأضعاف.
وبلغ حجم التحفيز المالي من الحكومة الأميركية للاقتصاد لمواجهة تبعات أزمة كورونا خلال العام الماضي ما يصل إلى 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي حال الموافقة على حزمة التحفيز الجديدة التي طرحتها إدارة الرئيس جو بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار سيصل التحفيز المالي الأميركي إلى نحو 26 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
برامج أوروبية
ودافعت كريستين لاغارد عن الإجراءات الأوروبية لدعم اقتصاد دول منطقة اليورو في مواجهة تبعات أزمة كورونا، في وجه انتقادات للسلطات الأوروبية جعلت أغلب التوقعات لنمو 2021 و2022 تضع أوروبا في مرتبة ثالثة بعد أميركا والصين.
وشرحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كيف أن تلك مسؤولية الحكومات في دول الاتحاد الأوروبي كما هي مسؤولية المفوضية الأوروبية. وأشارت إلى أن بعض الدول التي لديها فائض مالي جيد تمكنت من الإنفاق أكثر وتوفير دعم على المستوى الوطني، وضربت مثالاً بألمانيا. لكنها ذكرت أيضاً أن إيطاليا أنفقت أكثر من غيرها على حزم دعم وطنية، لأنها كانت الأكثر تضرراً من الوباء في الموجة الأولى.
وقالت لاغارد، إن على دول منطقة اليورو الإسراع إلى التصديق على حزمة الدعم المالي الأخيرة من المفوضية الأوروبية وتقديم برامج الإنفاق. وأكدت أن الحل الأفضل في مواجهة عدم اليقين الذي سببته أزمة كورونا هو المرونة وسرعة الاستجابة عبر التحفيز المالي والتيسير النقدي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت إلى أن وصول الدول الأعضاء لنصيبها من حزمة الدعم المالي الأخيرة عبر صندوق الاتحاد الأوروبي للجيل التالي، المقدرة بنحو 910 مليارات دولار (750 مليار يورو)، يتطلب مصادقة الدول على الشروط المرتبطة بذلك. ومن بين تلك الشروط أن تتضمن برامج إنفاق منح وقروض الصندوق تخصيص نسبة لا تقل عن 30 في المئة لمشروعات اقتصاد أخضر ضمن جهود مكافحة التغير المناخي وحماية البيئة.
وأضافت أنه إلى جانب حزمة الدعم تلك، يوجد برنامج شراء الأصول الطارئ الذي اعتمده البنك المركزي الأوروبي العام الماضي بقيمة 2.2 تريليون دولار (1.85 تريليون يورو). وذكرت أنه لم ينفق منه حتى الآن سوى 970 مليار دولار (800 مليار يورو).
ويستخدم البرنامج في شراء سندات الدين، وأغلبها سندات خزانة سيادية لدول منطقة اليورو تمثل 80 في المئة مما أنفقه البرنامج، بينما تمثل سندات دين الشركات نحو 20 في المئة.
تضخم واقتصاد جديد
وتعليقاً على الجدل الدائر حالياً حول ما يمكن أن تؤدي إليه حزم التحفيز المالي والتيسير الكمي من قبل الحكومات والبنوك المركزية من غليان في قيمة الأصول وارتفاع معدلات التضخم، قالت لاغارد إنه لا خشية الآن من زيادة التضخم في منطقة اليورو.
وذكرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي أن تقديرات التضخم في المدى المتوسط بحسب سيناريوهات وضعها البنك هي أن يصل إلى 1.4 في المئة بحلول 2023، وهو ما يقل كثيراً عن المستهدف عند 2 في المئة. وأشارت إلى أن نسبة التضخم كانت سلبية في الربع الأخير من العام الماضي عند 0.3- في المئة وحتى مع ما شهدته بعض الدول الأوروبية من ارتفاع طفيف في التضخم خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، كما في ألمانيا مثلاً، تظل احتمالات العودة إلى معدلات التضخم ما قبل الوباء بعيدة جداً. وكان معدل التضخم في دول منطقة اليورو قبل كورونا عند 1.6 في المئة.
وضمن الحديث عن توقعات المستقبل، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي إنه من الأفضل أن لا نفكر في عودة الاقتصاد إلى "ما كان عليه" إنما في "اقتصاد جديد" ما بعد الوباء. وأشارت إلى أن كثيراً من الممارسات الجديدة ستظل باقية، مثل التسوق الإلكتروني والتعليم عبر الإنترنت والصحة عن بعد وغيرها.
وذكرت لاغارد أن عدداً كبيراً من المحلات الصغيرة في شوارع مدن أوروبا التي أغلقت معظم فترات الوباء ربما لا تعود إلى العمل مرة أخرى بالطريقة نفسها. وعبرت عن خشيتها من عدم الإسراع لجسر هوة عدم المساواة التي كشف عنها كورونا وربما عمقها أيضاً.
وفي الإجمال، قالت إن توقعات البنك المركزي الأوروبي أن تظل منطقة اليورو تشهد ضعفاً في الطلب بشكل عام، وأيضاً ضغطاً على الأجور نتيجة استمرار معدلات التضخم متدنية.