يخطئ من يعتقد أن كورونا أضر بالحب أو انعكس كساداً أو أثر سلباً على رواج المشاعر وازدهار الأحاسيس، ويخطئ من يظن أن الحب في زمن كورونا أصبح عزيزاً أو أن فالنتاين في كنفه يبكي على أيام خوال راج فيها "الدبدوب" (الدمى الناعمة) وازدهر فيها "اللكلوك" (أحذية البيت الخفيفة).
واقع الحال في مشارق الأرض ومغاربها يشير إلى العكس تماماً، هذا العام، ومع قدوم عيد الحب المعروف بـ"عيد فالنتاين" متزامناً وعام جديد من أعوام الوباء، يتشبث البعض بجرعة مشاعر إضافية، ويتعلق البعض الآخر بمراسم وطقوس نبذها في زمن ما قبل الوباء وهُرع إليها في زمنه.
زمن الوباء وطقوس الاحتفاء
زمن الوباء يفرض سطوته على طقوس الاحتفاء، لكن المهم هو أن فالنتاين يشهد انتعاشاً، إن لم يكن بـ"الدبدوب" أو "اللكلوك"، فبالاحتياج الناجم عن الشعور بالقلق والخوف ورهاب الفيروس، وسواء كانت مشاعر الحب التي يُحتفى بها في اليوم الـ14 من كل فبراير (شباط) من كل عام، تجري إفاقتها من موت إكلينيكي بسبب زواج دام عقوداً من دون جهود تجديد، أو تعاود تأججها عقب أشهر من الارتباط القائم على قصة حب عميقة هزت قلوب الأهل والأصدقاء، أو علاقة وليدة تشهد في هذا اليوم توهجاً واتقاداً واشتعالاً، فإن كلمة حب ولون أحمر و"إيموجي" قبلة وعناق تخيم على سماء الكوكب هذا العام.
سماء الكوكب فيها كثير، في الولايات المتحدة الأميركية، أشارت نتائج استطلاع للرأي إلى أن 42 في المئة من الأميركيين المنخرطين في علاقة عاطفية وليسوا معزولين مع شركائهم وشريكاتهم في ظل الوباء، حملوا تطبيق مواعدة على هواتفهم المحمولة منذ بداية الجائحة، هذه الزيادة الكبيرة في ملء الفجوة العاطفية صاحبتها كذلك ظاهرة أخرى ألا وهي محاولات إعادة المياه العاطفية مع شريك سابق إلى مجاريها.
نهضة عاطفية
هذه النهضة العاطفية في زمن الوباء تنعكس في هذه الساعات أيضاً انتعاشاً فجائياً وغير متوقع في تطبيقات شراء الورود والشوكولاتة والدمى الناعمة، ولكن بعد ترشيد المصروفات، وبلغة الأرقام، وبحسب دراسة مستفيضة أجرتها "ستاتيستا" المتخصصة في دراسات السوق والتسويق، فإن 46 في المئة من الأميركيين قالوا إنهم يفضلون الاحتفال باليوم في البيت وليس خارجه تحسباً للإصابة، وقال 35 في المئة، إنهم سيحتفلون ولكن مع عدد أقل من الناس للأسباب الاحترازية نفسها، واعتبر 22 في المئة أن فالنتاين في ظل الوباء هو فالنتاين قبل الوباء، إذ المشاعر لن تتأثر والهدايا لن تندثر، وأكد 17 في المئة أنهم سيتشرون هدايا بكلفة أقل من المعتاد للشريك بسبب الظروف المادية الصعبة التي تسبب فيها الوباء. وتأرجحت مواقف البقية بين شراء هدايا فالنتاين من المحلات كالمعتاد أو عبر الإنترنت، لكن المثير أن 11 في المئة أشاروا إلى أنهم سيشترون هدايا غالية الثمن للشريك لأسباب تتعلق بقدرتهم على التوفير في زمن كورونا مع قلة الخروج من البيت، أو كوسيلة لرفع الروح المعنوية، أو على اعتبار أن الاحتفال بالمناسبة يعوضهم شهوراً من العزلة الاجتماعية والحرمان العاطفي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحرمان العاطفي يهيمن على أجواء كثيرين في زمن الوباء، وإذا كانت أميركا وحدها تنفق 9.1 مليار دولار أميركي في كل فالنتاين، فإن الجميع ينتظر بفارغ الصبر ما ستسفر عنه مبيعات الورود هذا العام، والمثير أن هناك وجهتي نظر تقفان على طرفي نقيض، فبينما يتوقع البعض أن تشهد مبيعات الورود ازدهاراً كبيراً كنوع من تعويض ما فات من لقاءات بين المحبين وما نضب من مشاعر بينهما بفعل الوباء، يتوقع البعض الآخر، أن تمضي مبيعات الزهور قدماً في هذا اليوم ولكن بمسحة حزن عميقة، وتنقسم البطاقات الموضوعة على الباقات بين "أحبك" الموجهة إلى الحبيب و"كنت أحبك" لمن رحلوا بفعل كورونا.
تحفيز الإبداع
فعل كورونا كثيراً بسكان الكوكب، لكن ما فعله من تحفيز للإبداع يستحق الإشارة، بطاقات افتراضية على الشبكة العنكبوتية يجري تداولها اليوم، منها ما يحمل كلمات تنضح بالحب والعشق والغرام ومغلفة في قلب أحمر كلاسيكي يتوسط فيروس كورونا المستجد، ومنها ما يحمل قلبين متشابكين ومكممين بكمامات أنيقة، ولم يفت على صناعي البطاقات الحقيقية في دول النصف الغربي من الأرض أن يلحقوا بموسم المبيعات في فالنتاين، فظهرت بطاقات تحمل صور فالنتاين المعتادة حيث "كيوبيد" يصوب سهمه على قلوب المحبين ويسأل المحبوبة "كوني فاكسيني" (لقاحي) أو "كوني كوارنتينين" (رفيقة العزل)، بدلاً من "كوني محبوبتي" أو "كوني زوجتي".
الزوجات والأزواج في عيد فالنتاين لطالما شكلوا معضلة فلسفية وعقبة اجتماعية وحائط صد أمام الشفافية والمصداقية، فعلى الرغم من انتعاش حركة شراء الهدايا من قبل الأزواج والزوجات لبعضهم البعض في هذا اليوم من كل عام، فإن المسكوت عنه ظل: هل تشتري هدية لزوجتك (أو لزوجك) في فالنتاين بدافع الحب أو سد الخانة واتقاء الشر؟!
شرور الوباء وهلع الإصابة أديا إلى توتر العديد من العلاقات الزوجية والأسرية سواء بسبب الضغوط العصبية والنفسية أو بسبب العزل والبقاء معاً تحت سقف واحد لفترات طويلة غير معتادة، لكنها أدت في الوقت نفسه إلى تقارب البعض الآخر وإعادة أواصر الحب وإحياء مشاعر الغرام بعد سنوات من الخرس الزوجي والانفصال العاطفي.
قلب وكمامة وسياسة
الانفصال العاطفي الذي تعالجه هدايا فالنتاين لا يختلف كثيراً عن الاستخدام السياسي الذي يجد فالنتاين نفسه طرفاً فيه، هذا العام، أطل الرئيس الأميركي جو بايدن وزوجته جيل على الأميركيين من حديقة البيت الأبيض وحولهما قلوب حمراء عملاقة ورسائل تحمل كلمات مثل "الحب" و"الوحدة" و"التعاطف" و"الأمل" و"التعافي" في رسالة سياسية واضحة من خلف الكمامتين قوامها أن كثيرين من الأميركيين يمرون بأوقات نفسية صعبة بسبب الوباء، وأن الرئيس وزوجته مع المواطنين قلباً وكمامة.
خلطة فالنتاين بالسياسة لا تنضب، لكنها تواجه بعض الركود هذا العام، فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، ظل كل من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مهيمنِين على تهاني فالنتاين السياسية الساخرة، هذا العام، يجد جونسون وبوتين نفسيهما مهيمنَين على عوالم الدعابة السياسية في هذه المناسبة.
الدين والدنيا
ومع السياسة يأتي الدين، أو بالأحرى مفاهيم مختلفة تؤثر على خط سير فالنتاين بـ"دباديبه" وألاعيبه التسويقية، فبعد عقود طويلة من التأرجح الشديد بين التحريم القاطع والتحليل المشروط والالتفاف حول الإجابة عن سؤال "هل الاحتفال بعيد فالنتاين حلال أم حرام؟"، تسبب رأي أدلى به مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية الشيخ أحمد ممدوح قبل عام في إثارة كثير من الفرحة العاطفية لدى المحبين والمحبات، والصدمة الدينية لدى المتشددين والمتشددات، فقد قال ممدوح، إن الشرع وتعاليم الدين لا تمنع تخصيص يوم للاحتفال بعيد الحب كل عام.
هذا العام هناك "تحدي يوم فالنتاين" 2021، على "فيسبوك" حيث يسرد المحبون والمحبات قصصهم: متى تقابلا، وأين قررا الارتباط، وهل تزوجا، وما المكان المفضل لهما لتناول الطعام، ومن منهما الأعلى صوتاً والأقل صبراً والأفضل في القيادة والأخف ظلاً؟ ووسط آلاف القصص التي يحكيها الأزواج والزوجات والأصدقاء والصديقات، يتضح أن بين المحتفلين بالمناسبة من يحتفي بشريكه الكلب أو كعكته المفضلة أو الجرعة الثانية من لقاح كورونا.
حلم اللقاح والعودة
لقاح كورونا يفرض نفسه بقوة الفيروس وحلم العودة للحياة الطبيعية في فالنتاين هذا العام، في الهند، غرد رجل الأعمال الهندي الملياردير أناند ماهيندرا بإعلان ساخر متداول عن الاحتفاء بفالنتاين هذا العام عبر إهداء المحبوبة لقاحاً وحقنة تحت شعار "اللقاح يدوم للأبد".
الدولار لا يدوم
أما الدولار، فلا يدوم إلا قليلاً، وسبحان من له الدوام، الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان، والأسعار المرتفعة في المغرب، والدعم المرفوع في مصر، والحرب الدائرة في اليمن، والتوتر الموجود في السودان، والإغلاق المفروض في دول الخليج، كلها تلقي بظلال غائمة على مظاهر الاحتفال الصاخبة، وقد تكون الغيوم مادية، لكن الاحتفال يظل احتفالاً أحمر نارياً على الرغم من أنف الاقتصاد والفيروس وبقايا التحريم.
تحريم الاحتفال بيوم فالنتاين ليس حكراً على تيارات دينية متشددة، بل يمتد إلى آخرين، ولكن بدوافع أخرى لا تخلو من دعابة وسخرية، السنوات القليلة الماضية شهدت ما تسمى حركات "آنتي فالنتاين" أو "ضد فالنتاين". المجموعات المناهضة لفالنتاين أشكال وأنواع، منها ما يعارض فكرة المناسبة لأنها تحولت إلى استهلاكية وفرصة تحقيق أرباح مالية مبالغ فيها لشركات وتجار، وهناك من يعادي الاحتفاء بها لتعدد تجاربه أو تجاربها العاطفية الفاشلة، وهناك أيضاً من خرج أو خرجت لتوها من علاقة ولم يتعاف أو تتعاف بعد، وقائمة الأفكار المناهضة لفالنتاين كثيرة.
مناهضة فالنتاين
الطريف أن الشركات والتجار رأوا في "آنتي فالنتاين" الموجه في الأساس ضد الاستهلاك والتربح المبالغ فيه فرصة لتشجيع الاستهلاك وتعظيم الربح، حلوى مناهضة للمناسبة على شكل قلوب تحمل عبارات "لا أحبك" و"أسمع صوت أمك حين تتكلم" و"كن صديقي السابق"، طلاء أظافر مناهض لفالنتاين حيث "كيوبيد غبي" ومكان القلب سلة القمامة وسهم الحب يحمل أشواكاً وفيروسات.
وفي هذا اليوم، وكما تسارع قنوات تلفزيونية وتطبيقات المشاهدة التي ذاع صيتها في زمن الوباء للإعلان عن قوائم أفلام فالنتاين، تسارع أخرى للإعلان عن قوائم أفلام "آنتي فالنتاين" لمن تصيبهم المناسبة بتوتر أو يمقتونها لأسباب مختلفة.
الحياة من دون شريك
من "أنا امرأتك" القائم على فكرة كيف تكون بخير من دون شريك، إلى "قصة زواج" لكنه بالأحرى قصة طلاق، وكيف يمكن أن يتسع الطلاق لما هو أكثر من مشاعر سخط وغضب، و"تلما ولويز" القائم على استمتاع النساء بحياتهن من دون رجال، و"نادي الزوجات الأول" وكيف تتحول حياة زوجات في منتصف العمر إلى بحث عن "بوتوكس" وتعامل مع التجاهل وتعايش مع سوء العلاقات الزوجية، تمضي قائمة الأفلام المناهضة لفالنتاين من دون توقف لمن يرغب.
ولمن يرغب أيضاً، غزت شوارع القاهرة والعديد من المدن المصرية بالونات و"دباديب" و"لكاليك" حمراء تناسب كل الطبقات، أحمد ومنى اللذان يلتقيان على الكورنيش ويقتسمان "كوزاً" واحدة من الذرة المشوية وكوباً لا ثاني له من "الحلبسة" (حمص الشام الساخن)، يتوافر لهما "دبدوب" بجنيهات عدة، وأحمد ومنى اللذان يلتقيان في أفخم المقاهي يتوافر لهما دبدوب "لوي فيتون" والوردة نفسها ولكن بـ50 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات).
وبالطبع وكما هو متوقع تماماً، فإن كمامات فالنتاين سيدة الموقف في الكوكب، حيث القلوب الحمراء وعبارات الحب والعشق المكتوبة بشتى اللغات تزين الكمامة على الرغم من أنف ملامح الوجه المحجوبة بفعل الفيروس.
في لبنان فاقة بعد عز
حتى الاحتفال بالعشق، بات مسألة نادرة المنال بالنسبة لعامة الناس من اللبنانيين، فقد طوى هؤلاء صفحة البحبوبة التي طالما تغنى بها لبنان، لينتقلوا إلى مرحلة التقطير بكل شيء إلا في حبهم للحياة.
في يوم العشاق 2021، أصر اللبنانيون على مواجهة اليأس بسبب ارتفاع الدولار الذي انعكس على الفرحة وأسعار الهدايا المعتادة من ورد أحمر، أو عطور فاخرة، أو ذهب براق، أو "دبدوب أحمر" للعناق.
وازدحمت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية من عيد هذا العام. فهنا "باقة من أدوية تحفيز المناعة"، تشمل الأسبيرين، والزنك، والفيتامينات، وهناك صورة لـ"دب أحمر كبير في غرفة العناية المركزة"، وبينهما أصحاب محلات ومؤسسات أغرتهم الفكرة، فألبسوا الكمامة الطبية للدباديب المعروضة في الواجهات، بهدف جذب الزبائن الذين عجزوا عن شراء الهدية. كما انتشرت تسعيرة باقات الورد في أحد المتاجر المشهورة في لبنان، والتي توازي أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة، في حين يساوي ثمن ليرة الذهب 430 دولاراً أميركياً على سعر صرف 8900 ليرة لبنانية، أي ما يقارب ستة أضعاف الحد الأدنى للأجور.
غلاء الأسعار صاعق بالنسبة إلى العاملين بأجور محدودة، فما بالك بشريحة كبيرة من الناس لا تعمل منذ أشهر، ومنهم من يتقاضون نصف أجر لا يكفيهم لشراء السلع الأساسية.
الكلمة بديل الدبدوب
خلف مكتبه يجلس نبيل ويزاني، صاحب أحد محلات الألعاب في طرابلس اللبنانية، ليكتب الشعر المقفى لزوجته في يوم العشاق. يتحدث عن اعتياده الكتابة والتعبير بالكلمة لأنها صالحة لكل الأزمنة والعصور. خلال حديثنا معه، يدخل بعض الزبائن، يتردد البعض في السؤال عن الثمن، في حين تتحدث وجوه آخرين عن قصورهم أمام الأسعار المستجدة.
يقر نبيل بأن الكثير من الزبائن يكتفون بطرح الأسئلة ويغادرون، فالأسعار باتت مرتفعة، وليست في متناول العامة، إذ "يتراوح سعر الدبدوب، رمز العشاق المفضل، بين 20 دولاراً، ويصل في الأحجام الكبيرة إلى 400 دولار". لذلك، قد يسعى العشاق إلى سلع أرخص، أو حتى الامتناع عن تقديم الهدايا بسبب عدم القدرة.
ويعتقد نبيل أن هذا العام من أسوأ الأعوام التي شهدتها الحركة الاقتصادية منذ نحو 45 عاماً، تاريخ عمله في مجال تجارة الألعاب. ويحمل المسؤولية لقضيتين: الأولى هي أزمة كورونا وما فرضته من تغيير على سلوك البشر، وعلى الحركة الاقتصادية. وثانيها، الانهيار المالي الناجم عن شح الدولار في السوق، وارتفاع سعره إلى مستويات قياسية في السوق السوداء.
ويشير إلى أن التجار يحاولون الصمود ومسايرة الزبائن، لذلك فإنه لا يحتسب الدولار كما هو في السوق السوداء، وإنما على سعر أربعة آلاف ليرة لبنانية، من أجل رفع نسبة البيع وبربح قليل.
وداعاً للورد الأحمر
كما هو حال الدبدوب، كذلك الورد الأحمر. ففي لبنان، يستورد أصحاب المحلات أكثرية الورد الفاخر من خارج البلاد، لذلك يتأثر سعره بسعر الدولار، كما تؤكد شافية عيسى، صاحبة محل لبيع الورود.
في يوم عيد العشاق، تنشغل شافية عن المحيط، وتنهمك في تنسيق الأزهار. تقول إنها تجد فيه متعة، وإلا ما كانت استمرت تحت وقع الضغوط المتكررة. وتشكو من الأعباء الكبيرة هذا العام على العاشق والبائع، لأن الأسعار خيالية، إذ يتراوح ثمن الوردة الواحدة بين ثمانية آلاف للتوليب الواحدة، ويصل إلى 25 ألف ليرة مع الورد الأحمر الذي بات سلعة فاخرة.
وتقول إنها تحاول إرضاء الأذواق من خلال تنسيق باقات بطريقة فنية، من عناصر مختلفة، بالإضافة إلى التوليب لتكون ضمن ميزانية 150 ألف ليرة (مئة دولار على سعر الصرف الرسمي)، وهو مبلغ مقبول مقارنة بسعر الدولار في السوق السوداء. وتؤكد أن ارتفاع الأسعار لا يتوقف على الورد المستورد من الخارج، لأنه "لا يعيش في هذا الموسم في لبنان بسبب عدم توفر الحرارة المرتفعة"، وإنما يسهم غلاء المواد الأخرى في تنسيق الباقات في تصعيب المهمة، من أوانٍ، وسعف، وإطارات، وأوراق تغليف، وغيرها.
وتجزم شافية بأن ما يدفعها للاستمرار في العمل هو تحصيل المتعة في التعامل مع الزهور والنباتات، والحفاظ على الروابط الإنسانية التي أنشأتها مع الناس. وتضيف "بعد خسارة موسم الميلاد، ومحدودية موسم عيد العشاق، نتطلع إلى يوم الأم الذي نأمل بأن يكون الطلب فيه أكبر".
الذهب صعب المنال
لطالما شكل الذهب وبريقه ملاذاً آمناً للعشاق، ومتعة لإهدائه، ولكن مع ارتفاع الأونصة إلى حدود 1840 دولاراً، تراجع المواطن اللبناني عن شرائه، ويشكو أكثرية الصاغة من قلة الزبائن. وحدهم المغتربون الآتون من الخارج ينشطون على خط الشراء. أما العامة من اللبنانيين، فيضطرون لبيع مدخراتهم حتى في يوم العشاق، من أجل التجاوز المؤقت للعوز.
في المقابل، نشطت حركة بيع الفضة، والمعادن "غير النفيسة"، لذلك اتجه عشاق المجوهرات إلى مكان آخر كـ"الذهب البرازيلي"، وغيره من المواد التي يقول الباعة إن لونها لا يتغير.
الكيك والملاذ الأخير
أمام صعوبة شراء الهدايا التي سبق ذكرها، تبقى "قوالب الكيك المتواضعة" ملجأً أخيراً لعامة الناس. ففي أحد محلات الباتيسري التقينا سماح التي تدير محل والدها. تتحدث عن إقبال جيد على شراء قوالب الكيك التي تم تصميمها على شكل قلب. وتقر بأن الشكل في هذا اليوم يتغلب على حجم القالب، وأن كل إنسان يشتري على قدر استطاعته. وتبيع القالب بين 25 ألف ليرة للحجم الصغير، و70 ألف ليرة للحجم المتوسط الكافي لثمانية أشخاص.
وتقول سماح "بخلاف الورد والمجوهرات، فإن الاحتفال لا يكتمل من دون قالب الحلوى. القوالب الصغيرة شهدت إقبالاً لافتاً". وتشير إلى أنها أعادت ملء الواجهة خمس مرات على الأقل بسبب نسبة المبيع الجيدة، وهذا الإقبال يعد مؤشراً إلى أن الناس يسعون للفرح على الرغم من القلة التي يعيشونها، لذلك يحاولون التكيف والتأقلم مع الأوضاع الراهنة من خلال الاستغناء عما هو كثير لصالح القليل والأقل. ويعبر زوار المحل عن ذلك بأن "الكيك سلعة أساسية في هذا اليوم"، و"أن الآباء يندفعون لشرائه بتحريض من أبنائهم". من جهتها، لا تنفي سماح أن غلاء المواد الأولية ومواد الزينة أضر بالقدرة على التزيين، لأن الإكسسوارات باتت غالية، والمبالغة فيها ترفع ثمن القالب لحدود قياسية.
في المحصلة، لا يخرج الاحتفال بعيد العشاق عن المسار الذي بدأه اللبناني منذ أزمة شح الدولار، واحتجاز ودائعهم في البنوك التي بدأت في منتصف عام 2019. وعلى الرغم من "أن الطفر طغى على البذخ والسفر"، يحاول اللبناني، وكعادته، محاربة الصعوبات، من خلال ترجمة عشقه بوسائل مبتكرة تحاكي الزمن الجديد، لذلك تشكل منصات التواصل الاجتماعي فضاءً رحباً للأفكار ونشر فيديوهات الحب، ومن لم يكفه ذلك، نجده ينتقل نحو بطاقة بريدية شاهدة على المشاعر الجياشة، أو إطار حاضن لصورة العشاق وحبهم.