هل يمكن للكويكبات والنيازك وبقية أشكال الصخور الفضائية أن تهدد الكرة الأرضية، وأن تفني الحياة بكافة أنواعها، وفي المقدمة منها النوع البشري، كما فعلت بعضها قبل ملايين السنين، وأدت إلى اختفاء الديناصورات، كما يخبر العلماء؟
السؤال المتقدم، عاد ليطل مرة أخرى من نافذة الأحداث، أخيراً، وبخاصة في ظل توقع العلماء أن يمر كويكب، أطلق عليه اسم "أبو فيس"، وهو اسم إله الشر والظلام والدمار في مصر القديمة، ولهذا عرفه العلماء باسم "كويكب يوم القيامة"، على مسافة قريبة جداً من الأرض تصل إلى 15 مليون كيلومتر، في 21 مارس (آذار) المقبل، وهي مسافة لن تؤثر على المسار المداري للكويكب، ولكنها ستكون قريبة بما يكفي لرؤيتها للشخص العادي الذي يستخدم التليسكوبات.
أبو فيس هل يشكل خطورة؟
في أوائل أغسطس (آب) المنصرم، أعلن البروفيسور الروسي فيكتور غروخوفسكي، من معهد الفيزياء والتكنولوجيا التابع لجامعة الأورال الفيدرالية، عن أن كويكب يوم القيامة لا يشكل خطراً على الأرض، على الرغم من أن المسافة الآمنة لمرور أي كويكب هي 50 مليون ميل.
على أن المخاوف من هذه الصخرة العملاقة، التي يطلق عليها كويكب أبو فيس، لن تنتهي، إذ يرجح علماء الفلك أن يمر مرة ثانية في عام 2029، وعلى مسافة أقرب من الأرض، وبحجم أكبر في تلك الدورة، أما الخطر الأكبر الذي بات هاجس اختصاصيي وكالة ناسا خصوصاً، فهو مروره عام 2068، وقد صرح علماء الفلك المقيمون في الولايات المتحدة، أخيرا، بأن هناك فرصة واحدة من بين كل 530 ألف فرصة لضربه الأرض في ذلك الوقت، أي بعد نحو نصف قرن تقريباً، ومع ذلك واتقاء لشر ذلك المحلق الغريب والشرير، يتشاور العلماء الآن في كيفية إنزال شيء ما عليه لمراقبة تحليقه، ولضمان عدم حدوث أضرار من جرائه.
ماذا لو ضرب أبو فيس الأرض؟
من خلال الصور التي التقطها علماء الفلك لـ"كويكب يوم القيامة"، تبين أن عرضه يبلغ 370 متراً، أي بارتفاع ناطحة سحاب في نيويورك، وتكشف عملية محاكاة مداره المستقبلي أنه قد يصطدم يوماً ما بالأرض، على الرغم من الفرص شبه المعدومة كما تقدم.
لكن ماذا لو حدثت الكارثة وتغير مساره ليصطدم بالأرض بالفعل؟
في الأشهر الأخيرة اكتشف العلماء في جامعة هاواي تسارعاً صغيراً لتأثير ما يعرف بـ"ياركوفيسكي"، أي القوة التي تؤثر على جسم يدور حول نفسه في الفضاء، على سطح كويكب أبو فيس، ويحدث تأثير هذه القوة عندما يغير الكويكب أو أي جرم سماوي مداره بسبب دفعة صغيرة من الحرارة، إما من تلقاء نفسه لطرد الغازات، أو دفع الجاذبية والدفع من الأجرام السماوية بما في ذلك الشمس والأرض، وفي هذه الحالة يكتشف العلماء تفاعلاً حرارياً صغيراً يمكن أن يغير مسار أبو فيس، وهنا يبقى احتمال التصادم قائماً.
هنا ونظراً لسرعة وحجم الحطام، حال الاصطدام بالأرض، سيطلق أبو فيس ما يعادل تقريباً 1200 مليون ميغا طن من طاقة "تي أن تي"، وهو ما يكفي لإنشاء فوهة يبلغ طولها نحو 5 كيلومترات، الأمر الذي يمسح مدينة كبرى من المدن الأميركية على سبيل المثال من على خريطة الوجود، ويتبخر الملايين من البشر على الفور.
في هذا السياق يخبرنا البروفيسور ديفيد ثولين، من جامعة هاواي، والذي يتتبع مسار "كويكب يوم القيامة" منذ أن اكتُشف في يونيو (حزيران) 2004، بأن الباحثين قد عرفوا لبعض الوقت أن تأثير الكويكب على الأرض غير ممكن خلال الاقتراب المقبل عام 2029، لكن الملاحظات الجديدة التي حصل عليها العلماء من خلال تليسكوب "هاواي سوبارو"، في وقت سابق من هذا العام، كانت جيدة بما يكفي للكشف عن تسارع "ياركوفسكي"، لأبو فيس، وأظهرت تلك الملاحظات أن الكويكب ينجرف بعيداً عن مدار الجاذبية البحتة بنحو 170 متراً في السنة، الأمر الذي يعني أن سيناريو اصطدامه بكوكب الأرض عام 2068 وارد وبقوة، ومعه كل تلك الاحتمالات المخيفة المتقدمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الصخور ورعب النظام الشمسي
هل أبو فيس وحده الذي يدور حول الكرة الأرضية، أو الصخرة المنفردة التي تهدد حياة البشر؟
المؤكد أن هناك حتى الآن نحو 15 ألف كويكب مداراتها معروفة، وهي تحت المراقبة المستمرة، لذلك يمكن التنبؤ أين، ومتى، ومع أي مدار ستتقاطع، غير أن الصخور الفضائية القائمة والمقبلة في ومن النظام الشمسي، لا تعد ولا تحصى، ولم يستطع العلماء، وغالب الظن أنهم لن يستطيعوا حصرها في المدى الزمني، لا سيما وأن الكون يبدو أكثر غموضاً، كلما قُدر للإنسان أن يكتشف أجزاء جديدة منه.
والمعروف أنه قبل عدة سنوات كان علماء في وكالة ناسا للفضاء، قد أشاروا إلى إمكانية فناء البشرية خلال 100 عام، بسبب حزام من الأحجار الضخمة، وهو ما ورد بالتفصيل على موقع "ويزر نيتورك" الأميركي.
الباحثون في ناسا، ووفقاً للموقع المتقدم، أكدوا أنهم رصدوا حزاماً مجهولاً في الفضاء الخارجي يتجه صوب الكرة الأرضية مباشرة بسرعة كبيرة، ما قد يؤدي إلى كوارث للبشرية، لا سيما وأن بعضاً من تلك الكويكبات ضخم الحجم، يصل قطرها إلى 100 متر تقريباً، ما ينذر بكارثة حال اصطدامها بالأرض.
المثير والخطير، هو أن الموقع المشار إليه، قد حدد 400 كويكب ضمن الحزام قد يصطدمون جميعاً بالأرض مسببين كارثة لا يمكن تخيل عواقبها.
هل هذه الاحتمالات واردة بالفعل؟
يؤكد علماء ناسا أن الأمر بالفعل وارد على النحو المتقدم، لا سيما بعد ما عاينت البشرية النثار التي خلفها الكويكب الذي سقط بجوار مطار العاصمة النيكاراجوية، ماناجوا، مسبباً حفرة ضخمة تجاوز قطرها 12 متراً.
مليون صخرة من أصل بينجمي
تبدو قصة الكويكبات وصخور الفضاء، خطيرة ومثيرة، وكلما تعمق فيها المرء، اكتشف كم أن هذا الكون مليء بالأسرار، وحافل بالغموض.
خذ إليك على سبيل المثال ما أعلنه علماء الفضاء من البرازيل في أوائل فبراير (شباط) من العام الحالي، عن اكتشاف كويكبات في مدار حول النظام الشمسي تصنف على أنها من نوع القنطور، وحدد علماء الكويكبات في معهد علوم الأرض والعلوم الدقيقة لجامعة ولاية ساوباولو، 19 صخرة فضائية "من أصل بينجمي"، من نوع القنطور، وهي عبارة عن أجسام النظام الشمسي الخارجي التي تدور بين المشترى ونبتون.
والمعروف أن النظام الشمسي قد تشكل قبل 4.5 مليار سنة في حاضنة نجمية، وهو ما تشرحه بالتفصيل الدكتورة ماريا هيلينا مورايس، ومعه تشكلت أنظمة الكواكب والكويكبات، وكانت النجوم قريبة بما يكفي من بعضها البعض لتعزيز تفاعلات الجاذبية القوية التي أدت إلى تبادل المواد بين الأنظمة.
من هذا المنطلق يجب أن تكون بعض الأجسام الموجودة حالياً في النظام الشمسي تكونت حول نجوم أخرى، وحتى وقت قريب، لم يتمكن العلماء من التمييز بين الأجسام البينجمية الملتقطة، والأجسام التي تشكلت محلياً حول الشمس.
هل لهذا جاء تحذير أحد رواد الفضاء الأميركيين، أخيراً، من وجود مليون صخرة قد تضربنا، ناهيك عن الكويكبات السيارة الوارد اصطدامها بالأرض في أي وقت؟
قبل بضعة أشهر، كان رائد الفضاء بالوكالة الأوروبية، باولو نيسبولي، والذي كان متخصصاً في مهمة على متن مكوك الفضاء "ديسكفري"، في عام 2007، يحذر من وجود أكثر من مليون كويكب يمكن أن يضرب الأرض.
والمعروف أنه قبل أن يتقاعد نيسبولي عام 2018، كان قد نشر مقطع فيديو عن كويكب، مر على مسافة 3.2 مليون ميل من الأرض، وهي مسافة خطيرة جداً، ولهذا يبين أنه ما بين الكويكبات الصغيرة، والكبيرة، هناك أكثر من مليون كويكب يمكن أن تضرب الأرض ، في الوقت الحالي، وأن البشرية تتجاهل في الغالب احتمالية ظهور كويكب ضخم فجأة... هل حدث ذلك بالفعل من قبل؟
في 25 يوليو (تموز) 2019، وكان نهار خميس، اقترب كويكب من مسافة 70 ألف كيلومتر فقط من الأرض، وقد رصده علماء البرازيل وهو على بعد ساعات قليلة فقط من اقترابه من الأرض، الأمر الذي يبين حجم السرعة الكبيرة التي يمكن أن تتحرك بها بعض الكويكبات غير المعروفة الهوية، أو تلك التي لم تُرصد من قبل التليسكوبات العملاقة، وقد بلغ حجم تلك الصخرة الفضائية حجماً أكبر من تمثال الحرية، وربما يظهر مرة ثانية، بحسب مجلة "نيوزويك" الأميركية والتي نشرت تقريراً مفصلاً عن الخسائر التي كان يمكن أن يسببها سواء تمثلت في القوة التفجيرية للاصطدام، أو التسونامي المغرق والمهلك الذي ينجم عنه، كما جاء في أفلام هوليوودية من قبل.
والمؤكد أن ما رصده علماء البرازيل لم يكن الكويكب الوحيد الذي ظهر فجأة بالقرب من الأرض، ففي 26 مايو (أيار) من عام 2019 كذلك، رصدت وكالة ناسا الأميركية، اقتراب كويكب يبلغ قطره 1.3 كيلومتر، من الكرة الأرضية، وكاد يصطدم بها بحسب ما أورده موقع "دير فيستن" الألماني.
إنذار مبكر أو فناء البشرية
ما المطلوب على وجه السرعة لضمان تفادي حدوث كارثة من جراء الأجرام السماوية، والصخور الفضائية، سواء التي رُصدت، أو تلك التي تظهر على رادار الأرض فجأة؟
الثابت أن المخاوف تستدعي عملاً جماعياً من كافة دول العالم، لا سيما تلك التي لديها برامج للفضاء، وفي المقدمة منها "الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، والصين".
هنا يرى البعض أنه لا بد من عمل مراكز دفاعية متقدمة خارج الكرة الأرضية، وأن يكون بعضها مجهز بأدوات استشعار ومحطات مراقبة وإنذار، تسمح للخليقة بتدبير شؤونها قبل عشرات أو مئات السنين من اقتراب تلك الصخور المهلكة من الأرض.
أما الجانب الهجومي، فيتمثل في محطات صواريخ نووية، وأخرى مزودة بشبكات الليزر الضخمة، في محاولة لتفتيت تلك الأجسام قبل وصولها إلى الأرض.
تبدو المخاوف حقيقية، والأمر ليس بترف، فقد قالت وكالة ناسا، أخيراً، إن عدد الأجرام الصخرية التي ترتطم بالأرض ارتفع عما كان عليه في الماضي السحيق، فقد كان في 290 مليون سنة الماضية أكبر بمرتين مما كان عليه في 700 مليون سنة السابقة، وترجح الوكالة الأميركية أن يكون السبب في ذلك حوادث فضائية كبيرة وقعت في حزام الكويكبات بين المريخ والمشترى.
فهل يدفع حديث "كويكب يوم القيامة" البشر للتفكير في سكنى الفضاء الخارجي؟