يبدو أن الكلب ديلان، كسيده بوريس جونسون، لا يهتم كثيراً بالمكان الذي يرفع فيه قائمته كي يتبول، فهو يفعل ذلك أينما شاء. وفي العام الماضي جاء دور حقيبة اليد الخاصة بكاتي لام، المستشارة في مقر رئاسة الوزراء، كي يمن عليها ديلان بمائه الذهبي، كما هو مزعوم. وتلى ذلك شجار قيل إنه حصل في حديقة 10 داونينغ ستريت الهادئة عادة، فتدخلت كاري سيموندز، خطيبة رئيس الوزراء، لحماية ديلان الصغير، وهو من نوع ترير. وفق ما ذكرت تقارير، قد تكون متخيلة، فإن تلك الحادثة جعلت المستشارة لام تنفر من سيموندز، وربما أسهمت في حملها على اتخاذ قرارها بالتنحي عن وظيفتها هذا الشهر. ومن المحزن، أن رحيل لام، التي كانت تتحمل بعض المسؤولية عن الموارد البشرية، جاء في سياق التصفية المستمرة لأولئك الذين تربطهم علاقة بدومينيك كمينز و"حملة صوتوا لصالح الخروج" (من الاتحاد الأوروبي). وأخذت عملية التخلص من هؤلاء شكل إجراءات طرد الأرواح الشريرة بدلاً من أن تكون شبيهة بتعديل وزاري.
وكانت الضحية الأخرى لعملية التطهير هذه، قبل وقت قريب، أوليفر "سونيك" لويس، وهو حليف كمينز القديم، وقد أُطلق عليه اسم سونيك نظراً للشبه الكبير المفترض بينه وبين شخصية ألعاب الكمبيوتر التي تحمل الاسم نفسه، مع أنه في الحقيقة يشبه دوق غلوستر. وقيل إنه كان ينقل سراً معلومات مسيئة عن الوزير مايكل غوف لمراسلين إعلاميين، على الرغم من أن لويس ينفي ذلك. وبعد شهر أو نحو ذلك، لن يعود لويس مسؤولاً عن "وحدة الاتحاد" (بين أجزاء المملكة المتحدة) في 10 داونينغ ستريت. وليس هناك مسؤول عنها.
وحقيقة أن قضية تافهة مثل التدريب المنزلي للكلب ديلان قد تداخلت مع شؤون البلاد الخطيرة حتى باتت جزءاً لا يتجزأ منها ، توحي بكثير عن مدى سوء إدارة مقر رئاسة الوزراء، هذه الأيام. وقد عقدت المقارنات بين 10 داونينغ ستريت وبلاط هنري الثامن، على أن تلعب كاري سيموندز دور آن بولين، ويكون دومينيك كمينز في شخصية الكاردينال وولسي، هذا إذا أردنا إعطاء مثال بارز.
يتألف بلاط بوريس جونسون من مجموعة من الزمر التي تتداخل وتتشابك في ملعب الصراع وخارجه، فتتغير الولاءات، ويجري نقل المعلومات والمعلومات المضادة سراً للإعلام، كما تجري الثرثرة، والمناورة، وعموماً إنفاق وقت أطول على سياسات الديوان والعلاقات الداخلية بين العاملين فيه، من ذاك الذي يُصرف للتعامل مع القضايا الحقيقية التي تواجه البلاد. وإذا كانت الحكايات المتداولة نصف صحيحة، لكان الناس في بلاط بوريس يهددون بالاستقالة، ويتنحون، ويجري إنهاء خدماتهم، ويغتصبون حقوق بعضهم بعضاً طوال الوقت.
كان تعيين اللورد فوستر عضواً في مجلس الوزراء وإسناد مسؤوليات مايكل غوف، التي تتصل بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، إليه، مثالاً فاضحاً على وجود حرب عصابات في 10 داونينغ ستريت. ومع أن هذا التحول سيلحق الأذى على الأرجح بعلاقات المملكة المتحدة مع أوروبا، فإن قلة من المشاحنات تؤثر فعلاً على المسائل السياسية الملموسة كما يبدو، هذا إن وجد هذا التأثير على الإطلاق. إن الخلافات معقدة وديناميكية وغير مهمة في نهاية المطاف، ما يعني أنها ربما لا تستحق الوقت الذي يستغرقه العمل على تحديد معالمها، لا سيما لأنه بحلول الوقت الذي تنتهي فيه من ذلك سيكون شخص آخر قد طُرد من عمله، وأعيد بناء تحالفات وصداقات المصلحة مجدداً.
وما يهم هو الحقيقة التي لا يمكن دحضها عن وجود خلل وظيفي معطل في صميم الحكومة، وهو خلل مستمر منذ بعض الوقت. لعل منظر 10 داونينغ ستريت كبلاط ملكي يغصّ بالنزاعات التافهة في الوقت الذي يتجاهل فيه مشاكل الناس الحقيقية، هو أشبه برسم كاريكاتيري، لكنه من الصعب أن يُقاوم نظراً إلى أنه ينطوي على كثير من الحقيقة. لا يهم كثيراً مَن صديق من، وأيضاً من هو الذي يصغي إليه بوريس؛ المهم فعلاً أن أشياء من هذا النوع تستهلك طاقات العاملين هناك، فيما يبقى من المتوقع أن مشاكل مثل جائحة كورونا، وعواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومستقبل الاتحاد بالذات مع اسكتلندا (بقاء المملكة المتحدة على حالها) ستحل نفسها بنفسها بشكل من الأشكال. إن هناك فوضى في مقر رئاسة الوزراء، وهذا أمر سيئ بالنسبة للبلاد. هذا كل ما عليكم أن تفهموه.
وأياً تكن دقة الدليل الموجز التالي، فهو قد يعطي فكرة عن العصابات المميزة إلى حد ما. وكما هو الحال لدى تناول مسائل من هذا النوع، نحن مدينون لبول غودمان وموقع "كونزيرفاتيف هوم" اللذين قدما بعض التحليل:
العصابة رقم 1: الموالون لبوريس جونسون
من الطبيعي أن جونسون رغب في إحاطة نفسه عندما كان محافظاً للعاصمة لندن (2008-2016) بمساعدين مخلصين ممن يستطيع الوثوق بهم ضمنياً ومشاركتهم أسراره. هذه هي طريقته المفضلة في العمل (بوسعك أن تعتبرها محسوبية)، وقد نجا عدد من أعضاء الحرس القديم. من هؤلاء المقربين على المدى الطويل ممن يلفتون النظر منيرة ميرزا، وهي رئيسة "وحدة السياسة" وبن غاسكوين السكرتير السياسي. وكان غاسكوين، أو "غازا" (لقب لاعب كرة القدم بول غاسكوين) ، قدد هدد، أخيراً، بالاستقالة بسبب تعيين اثنين من أنصار مايكل غوف في "فريق" مقر رئاسة الوزراء، وهما البارونة فين وهنري نيومان. وتضم هذه العصابة أيضاً إيدي ليستر، وهو مستشار أول سابق لرئيس الوزراء يخدم حالياً في مجلس اللوردات بصفته اللورد أودني- ليستر. ويتشكل لدى المرء انطباع بأن ثمة حاجة لسلطته الثابتة التي صار المقر يفتقر إليها.
العصابة رقم 2: أولئك الذين تمرسوا في حملة "صوتوا لصالح الخروج"
صار أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عداد الموتى سياسياً، وكان رحيل رئيسهم دومينيك كمينز على نحو باهر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اللحظة الحاسمة في انهيارهم الذي لم يكن متوقعاً. ومن الآخرين الذين خرجوا أيضاً من دوائر السلطة لي كاين وكليو واتسون. أما عضو هذه المجموعة الرئيس الذي ما زال قوياً للغاية، فهو اللورد فروست. وهذا يجد نفسه في وضع غريب كوزير صغير تابع لمايكل غوف في "وزارة" هذا الأخير، وهي وزارة شؤون مجلس الوزراء، من جهة، وكعضو كامل الصلاحيات في مجلس الوزراء مسؤول عن الشؤون الأوروبية، يرفع تقاريره إلى رئيس غوف، أي بوريس جونسون. لا يسعك حقاً أن تصمم طريقة أفضل للتسبب في الخلافات. وصرف النظر نهائياً عن الخطة الكبرى الرامية إلى تحويل وزارة شؤون الوزراء الخاملة، إلى مقر للسيطرة الدقيقة يشبه غرفة تحكم تابعة لوكالة الفضاء الأميركية ناسا تُدار بواسطة الذكاء الاصطناعي. إلا أن نفوذ فروست يبدو آخذاً في التنامي.
العصابة رقم 3: أصدقاء سيموندز
وكما هي الحال، فإن أصدقاء سيموندز يمكنهم أيضاً أن يرتبطوا بالعصابات الأخرى، مثلما تفعل أليغرا ستراتون، المتحدثة الجديدة باسم رئيس الوزراء. وينطبق الأمر نفسه على العضوين الجديدين في الفريق من أنصار غوف، وهما نيومان وفين، التي كانت خليلة غوف قبل زمن طويل، وكانا في فريق حملة غوف لانتخابات زعامة حزب المحافظين في عام 2016، وهي الفترة التي أعلن خلالها غوف أن جونسون ليس مؤهلاً للزعامة و"طعن بوريس من الأمام". غوف لم يحظَ بثقة جونسون الكاملة منذ ذلك الوقت، ولا حتى بثقة بعض أعضاء العصابتين 1 و2، مع أن كمينز كان بالطبع إلى حد كبير ممن صنعهم غوف. قلت لكم سلفاً إن الأمر معقد.
ويمكن لأصدقاء سيموندز أن يكونوا أيضاً من أصدقاء ريشي سوناك، وهم فعلاً كذلك، ومن أصدقاء "الساج" (طُرح أخيراً اسم ساجد جاويد وزير المالية السابق كمدير محتمل لديوان جونسون). ويتردد أن حلفاء كمينز يطلقون على سيموندز لقب "أميرة نوت نوت" (له معان عدة أبرزها: امرأة حمقاء يصعب التعامل معها وتستغل نفوذ خطيبها لتحقيق مصالحها، وله بعض الدلالات البذيئة)، وهو ما يوضح لك كل ما تحتاج إليه عن الحياة الجماعية في 10 داونينغ ستريت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العصابة رقم 4: الناضجون
وهذه مجموعة صغيرة وضعيفة تضم أشخاصاً مثل سيمون كاس، الأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس جهاز الخدمة المدنية، ودان روزنفيلد، مدير ديوان رئيس الوزراء. تم تعيين هذين الاثنين العام الماضي، ولكل منهما خلفية في الخدمة المدنية أو في حي المال في لندن، ومن المفترض أنهما يستطيعان إنجاز المهام وتحقيق نتائج. وكان كاس قد حل محل السير مارك سيدويل، الذي جرى عملياً إجباره على التنحي خلال اشتباك سابق بين العصابات المتنافسة في قلب السلطة. وهناك نائبة لروزنفيلد حالياً، هي البارونة فين، التي يمكن أن ينتهي بها الأمر كمنافسة له. ويتردد أن روزنفيلد، الذي يشغل هذا المنصب منذ بضعة أشهر، هو "لطيف أكثر مما يجب" (علماً أن أي شخص تقريباً سيبدو كذلك إذا قورن بكمينز)، ويشبه في ذلك ديفيد برينت كثيراً، كما أنه "يفتقر إلى الكيمياء" اللازمة للتقرب من رئيس الوزراء. وقد التحق، أخيراً، عضو جديد بهذه المجموعة هو السير ستيفن لوفغروف، مستشار الأمن القومي.
العصابة رقم 5: مجلس الوزراء
إن هذه العصابة عادة، ما خلا استثناءات قليلة، هي آخر من يعلم بما يجري، كما أنها الأقل قدرة على التأثير وإحداث فرق بشأن أي شيء. يمكن تجاهل هؤلاء السذج غريبي الأطوار دونما خوف، وهم فعلاً يتعرضون للتجاهل.
إن وجود مستشارين وبلاطات في 10 داونينغ ستريت، وأيضاً قصوراً ملكية، ليس أمراً جديداً، فهذه كلها عادة تتصل بزعماء أقوياء يتمتعون بشخصيات كاريزمية ويهيمنون على أحزابهم. والمستشارون والبلاطات كانوا بشكل خاص أقوياء ومنقسمين خلال ولايات رؤساء وزراء سابقين كديفيد لويد جورج، وونستون تشرشل، وهارولد ويلسون، ومارغريت ثاتشر، وتوني بلير، ما تمخض في الفترة المعاصرة عن شخصيات أسطورية مثل مارسيا وليامز، وبرنارد انغهام، وآلاستير كامبل، وكل منهم مثير للجدل بطريقته الخاصة مثل كمينز. وكان أيضاً لأزواج أو زوجات رؤساء الوزراء أحياناً بعض التأثير، ولو اقتصر ذلك كما في حالة دينيس ثاتشر على إثبات صحة إجحاف رئيسة الوزراء. قد تكون هذه الأمور حتمية، وهي لا تؤدي دائماً إلى جعل الحكومة سيئة. لكن، بقدر ما نراه نحن الفلاحين، يبدو أن الطريقة التي يدير بها جونسون بلاطه لا تفيد الناس كثيراً. لا شك أن بوسع جونسون أن ينظم الأمور بشكل أفضل قليلاً، لكنه ليس قادراً على فهم ذلك، تماماً مثل ديلان الذي لا يستطيع تجنب أخطائه لأنه لا يعرف.
© The Independent