تراجع تزويد العراق بالغاز الإيراني خلال فصل الشتاء الذي شارف على نهايته، مما تسبب في أزمة طاقة عمت مناطق البلاد للمرة الأولى منذ سنوات عدة، وجعل الحكومة العراقية تُفكر جدياً بالبحث عن بديل.
وترى بغداد أن استمرار العقوبات الأميركية على إيران في ظل عدم قدرتها على سداد الديون المتوجبة عليها لطهران والبالغة نحو 6 مليارات دولار، وتعتبر قيمة استيراد الغاز لفترة جاوزت السنة، يصعّب الاعتماد مستقبلاً على الغاز الإيراني، كون رفع العقوبات عن طهران يحتاج فترة طويلة، مما يسبب إحراجاً كبيراً للدولة العراقية في إدارة ملفات اقتصادية مهمة تعتمد على إنتاج الطاقة الكهربائية.
صيف ساخن للحكومة
وسيشكل فصل الصيف المقبل اختباراً صعباً للحكومة العراقية في ظل الأجواء شديدة الحرارة مع نقص إمدادات الطاقة الكهربائية في البلاد، خصوصاً وأن بغداد كانت تستعد لافتتاح محطات جديدة تعتمد على وقود متنوع تمكنها من إنتاج نحو 22 ألف ميغاواط، وتجاوز سخونة الصيف من دون تظاهرات ضخمة كما كان يحدث كل عام، باستثناء العام الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا.
البدائل من قطر وأوزبكستان وروسيا
وكرر وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار في تصريحات للقناة الرسمية خلال الأسابيع الماضية، تأكيده على أن بغداد تبحث عن مصادر متنوعة لشراء الغاز وسد حاجتها في ظل تراجع إمداد الغاز الإيراني.
وبيّن عبدالجبار أن "وزارة النفط حريصة على استيراد الغاز من قطر لأنها قريبة من العراق"، فضلاً عن رغبتها بالاستيراد من روسيا وأوزبكستان ضمن توجه للبلاد لتنويع مصادرها من تلك المادة الحيوية، مؤكداً على أن "العراق حتى لو استثمر كل كمية الغاز المصاحبة للإنتاج النفطي المحلي فلن يستطيع تغطية حاجته لتوليد كمية الكهرباء المطلوبة في البلاد".
البحث عن بدائل
وأكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى أن "العراق يبحث عن بدائل للغاز الإيراني بعد انحسار إمداده إلى أقل من النصف"، مشيراً إلى أن "الوزارة تهدف للوصول إلى 22 ألف ميغاواط خلال الصيف، بزيادة قدرها 3 آلاف ميغاواط عن الصيف الماضي، حين وصلت ذروة الإنتاج إلى 19 ألف ميغاواط، وفق خطة استراتيجية تتضمن إدخال محطات جديدة وإضافة بعض خطوط الإنتاج وإصلاح أخرى، لتكون جميعها جاهزة في فصل الصيف المقبل"، لافتاً إلى أن "إنتاجنا الحالي هو 12.5 ألف ميغاواط لوجود صيانة في بعض المحطات، لا سيما ونحن في موسم اعتدال".
وبيّن موسى أن "انحسار إمدادات الغاز الإيراني الذي يُغذي محطات الطاقة الكهربائية بالوقود سيؤثر سلباً في خطط الوزارة"، مبيناً أن "الوزارة تبحث عن بدائل أخرى للوقود لتلبية حاجة العراق من الغاز، إذ إن تأهيل حقوله واستثمارها المصاحب سيستغرق بعض الوقت".
ولفت موسى إلى أن "أحد البدائل التي تبحث عنها وزارة النفط ومجلس الطاقة الوزاري هو التفاهم مع قطر لاستيراد الغاز، إلا أنها ما زالت مساع لم تصل إلى مرحلة العروض والمناقشة بعد".
وينص الاتفاق العراقي - الإيراني على تجهيز وزارة الكهرباء العراقية بنحو 50 مليون متر مكعّب من الغاز يومياً، بحسب موسى الذي أشار إلى تقليل طهران لهذه الكميات لتصل إلى 16 مليون متر مكعّب، بعد زيارة وزير الطاقة الإيراني أخيراً إلى بغداد واجتماعه مع المسؤولين العراقيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوة مهمة
وأكد نائب رئيس لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي الأسبق عبدالهادي الحساني أحقية بغداد في البحث عن السعر الأفضل لاستيراد الغاز، مشدداً على "ضرورة استثمار الغاز المصاحب والحر من أجل توفير الأموال وتغذية محطاته الكهربائية". وأضاف الحساني أن "استيراد الغاز القطري إذا كانت أسعاره أفضل من ايران فهذا شيء جيد"، لافتاً الى تراكم ديون العراق نتيجة استيراد الغاز الإيراني، في ظل حاجته إلى تلك المادة لمحطاته الكهربائية".
ولفت الحساني إلى أن "العقد الموقع مع شركة شل والذي تم بموجبه تأسيس شركة غاز البصرة، ينص على استثمار الغاز المصاحب المحروق إلا أنه لم يتم استغلال كامل الكمية"، متسائلاً "كيف نستورد غازاً ولدينا غاز حر لم نستغله لتعظيم الإيرادات؟".
البدائل تحتاج وقتاً طويلاً
ويبدو الحديث المتفائل عن وجود بديل للغاز الإيراني سابقاً لأوانه، ويحتاج وقتاً وأموالاً بحسب خبراء في القطاع النفطي.
وقال الخبير النفطي حمزة الجواهري إن "البدائل التي يبحث عنها العراق تظهر في خيارات عدة منها التوجه نحو روسيا وكازاخستان وقطر"، مشيراً إلى وجود صعوبات في اعتماد هذه الخيارات.
وأضاف الجواهري أن "استيراد الغاز من كازاخستان أو روسيا يتطلب مد أنبوب لربطه بأنبوب غاز السيل الجنوبي الذي يمر عبر تركيا، ويبعد عن مكامن استهلاك الغاز في العراق حوالى ألفي كيلومتر، مما سيصطدم بحجم الكلفة العالية والوقت الطويل لمد الأنبوب".
صعوبات مختلفة
ولفت الجواهري إلى أن "الخيار الآخر يتمثل بمد أنبوب نفطي إلى قطر عبر الصحراء، وهذا يحتاج إلى مبالغ وخاضع للموقف السياسي، لأنه سيمر بعدد من الدول، ولذلك فالحل الأسرع هو استيراد الغاز من طريق الناقلات"، مشيراً إلى أن "هذا الخيار لن يسد حاجة العراق، وسيمر بعدد من الصعوبات تتمثل في نقله وتخزينه الذي يحتاج إلى توفير حرارة تبلغ 168 درجة تحت الصفر، وبناء خزانات وبعض المنشآت الخاصة ذات الكُلف المرتفعة".
ورأى الجواهري أن "الحل الأمثل هو الإسراع باستثمار الغاز المصاحب لأنه أقل كلفة، ويحتاج وقتاً أقل مما يستغرقه بناء الأنبوب، لا سيما وأن خطط الوزارة تشير إلى أنه في نهاية العام 2023 سيتم استثمار كل الغاز المصاحب لاستخراج النفط الخام".
الحل في استثمار الغاز
ويتفق الخبير النفطي كوفند شيرواني مع ما ذهب إليه الجواهري حول ضرورة استثمار الغاز المصاحب بدلاً من استيراد الغاز من دول الجوار، فيما يشير إلى أنه بإمكان العراق مد أنبوب مع قطر يصل طوله إلى 700 كيلومتر لإمداده بالغاز.
وأضاف شيرواني أن "نقل الغاز يستوجب العمل بطريقة فعّالة عبر نقله بالأنابيب في أعماق البحار وإيصاله من قطر إلى ميناء البصرة، وذلك أفضل من استيراده من روسيا عبر الخط الروسي الذي ينقل الغاز إلى أوروبا".
وقال شيرواني إنه "بدلاً من الاتجاه إلى بناء أنابيب أو نقل الغاز من طريق الناقلات، فالأفضل الاستفادة من الغاز الطبيعي العراقي في باطن الأرض، والذي يُقدر بـ 13 تريليون قدم مكعب، أو الاستفادة من الغاز المصاحب حيث نحرق سنوياً حوالى 17 مليار قدم مكعب، وما يُحرق يتجاوز الحاجة الفعلية، ومن الممكن أن نوفر مليارات الدولارات التي نصرفها على استيراد الغاز الطبيعي، كما سنحل أزمة الكهرباء".
وكان وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار أكد سعي الوزارة إلى "الاستثمار الأمثل للثروة الغازية، وتحويل الغاز الذي يُحرق إلى طاقة مفيدة ترفد محطات الطاقة الكهربائية بكميات جيدة من الوقود، فضلاً عن زيادة الإنتاج من الغاز السائل وغيره من المنتجات".
وقال الوزير خلال افتتاحه محطة كبس الغاز الخامسة في حقل الرميلة الشمال بطاقة مليون قدم مكعب قياسي يومياً، إن "لدينا خططاً في استثمار كل كميات الغاز المصاحب للعمليات النفطية خلال السنوات القليلة المقبلة".