ها هو كينيث براناغ بوجهه المطلي بطبقات من المكياج وباروكة شعر أشقر وأشعث. إنه بوريس جونسون. يا له من حدث ممل. فقد تم يوم الخميس الماضي نشر أول صورة للممثل بهيئة رئيس الوزراء البريطاني الذي يجسده في عمل دارمي تبثه قناة "سكاي" بعنوان "هذه الجزيرة الصولجانية" This Sceptred Isle. يدور المسلسل حول بدايات وباء فيروس كورونا، والمفروض أنه يتناول تلك الفترة من وجهة نظر الزعيم المحتار وغير المستعد. ومن المحتمل أنكم ما زلتم تتذكرون تلك الحقبة، لأننا عشناها فقط قبل سنة تقريباً.
براناغ هو آخر المنضمين إلى قائمة الفنانين الذين يقومون إلى حد ما، بتحويل الصدمة الجماعية التي نعيشها في الوقت الحاضر إلى شخصيات درامية تسعى إلى حصد الجوائز.
في العام الماضي، وضع بريندان غليسون أسناناً اصطناعية وطلى وجهه بسائل زيتي للعب دور دونالد ترمب في سلسلة أميركية محدودة. وقبل ذلك بسنة، ارتدى بنديكت كومبرباتش صلعة مصطنعة وقميصاً مجعداً في فيلم عرضته "القناة الرابعة" البريطانية Channel 4 عن دومينيك كامينغز (كبير مستشاري رئيس الحكومة البريطانية المثير للجدل). كان كلا الدورين إلى حد كبير استعراضاً، على شكل تباهي بالقدرات التمثيلية، وصُنعت الشخصيتان من أجل الجماهير التي حددت بالفعل موقفها من الشخصين المقصودين في الحياة الواقعية. وقد نُسي الدوران تقريباً بنفس السرعة التي تم دفعهما بها نحو الإنتاج.
لن يعرض مسلسل "هذه الجزيرة الصولجانية" حتى عام 2022، حيث لم يبدأ التصوير إلا أخيراً. لكن يمكن معرفة الغرض الكامل من هذا الإنتاج، من خلال تلك الصورة الأولى التي نُشرت لـ براناغ. إنها من نوع الصور التي تؤدي إلى انتشار النار في الهشيم، حيث تقدم ذلك التحول في الهيئة الشبيه بحرباء عظيمة. ومن المفترض أن ينال إعجابنا. بينما كل الأمور الأخرى عرضية. ما زال وضعنا سيئاً حتى يتم إنتاج مثل هذا العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبدو أنه لم يكن هناك مبرر أساساً لوجود هذه الدراما الوثائقية. فتحويل الواقع إلى دراما مثيرة يحتاج أن يتم إعطاء الوقت حيزاً أكبر كي تكون الصورة كاملة. على سبيل المثال، كان الموسم الأخير من مسلسل "التاج" The Crown الذي يقدم شخصية الأميرة ديانا من خلال الممثلة إيما كورين، قوياً للغاية لأننا نعرف كيف انتهت قصة ديانا. كان من المستحيل بالنسبة لنا ألا نربط بين المراهِقة الشابة الساذجة التي نراها وتلك المرأة التي لقيت حتفها بعد عقد من الزمن إثر حادث سيارة في باريس، والتي "نجت" بعد ذلك من العائلة الحاكمة والفضائح والعار الذي كان يمكن أن يلحق بها. لقد أعطى ذلك ثقلاً إضافياً لكل أداء قدمته كورين.
استخدم عدد من المسلسلات التلفزيونية الحديثة، بدءاً بـ "الناس مقابل أو جيه سيمبسون" The People vs OJ Simpson إلى "إنها خطيئة" It’s a Sin، فواصل زمنية لتحدي الأحداث التي نحن أقرب إلى تذكرها. كما أنها تبدو في تناقض حاد مع أعمال مثل "بريكست: الحرب غير الأهلية" Brexit: The Uncivil War الذي ظهر فيه كامبرباتش في دور كامينغز. وهناك ميل لدى تلك الأعمال إلى تقديم نسخ دارمية من الأخبار القديمة، والتي تحاول بلا جدوى أن تعكس أحداث لا يزال صخبها مسموعاً بعد فترة طويلة من بثها.
لغاية اليوم، نكون قد عشنا في ظروف مروعة حوالى سنة، حيث فقد الكثير منا أحباءهم ووظائفهم وأموالهم. وإضافة إلى ذلك، كانت هناك حكومة غير واضحة حيال "رسائلها الخاصة"، والتي تضم أشخاصاً بددوا الأموال وألقوا بالمسؤولية على الأصدقاء والمتبرعين، وأهدروا فرصاً لا حصر لها لمكافحة الفيروس الذي جعل العالم يستسلم. إن فكرة تحويل جزء من المرحلة الأولى للأزمة إلى دراما - كما لو أن "الموجة الأولى" من الفيروس التاجي كانت بطريقة ما، أكثر إثارة للقلق أو غارقة في الفساد والعبثية أكثر من كل ما تلاها - لا تبدو فكرة عبثية فحسب، لكنها غير ممتعة أبداً.
سيتم إنجاز مسلسل "هذه الجزيرة الصولجانية" في وقت ما من خريف العام المقبل، وهو الموعد الذي يبدو أن قناة "سكاي" تعتمده، كموقف احترازي ضد أي اعتراضات على كونه من "المبكر جداً" صناعة دارما حول فيروس كورونا. إنه موقف يعتمد على أن هذه التجربة برمتها ستصل إلى نهايتها، أو أن وباء كورونا سينتهي في تاريخ محدد.
بغض النظر عن وجود اللقاحات، سيكون من الصعب التعامل مع الضرر النفسي الذي سيخلفه فيروس كورونا. كان المر ض في كل مكان، حيث طغى على كل شيء السنة الماضية. ويشبه ذلك، إلى حد ما، الهيمنة الإعلامية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قبل وبعد التصويت على بريكست. إضافة إلى ذلك، كان هناك شبح ترامب اللامتناهي الذي جعل السنوات الأربع الماضية مليئة بالقلق. وهناك كذلك مخلفات كورونا التي طغت على كل شيء خلال العام الماضي، حيث لم نشهد أي "هدنة" في ما يخص الخسائر المؤلمة لفقدان الوظائف، والفعاليات الملغاة، وعدم كفاءة الحكومة، وتنبيهات الأخبار العاجلة، والآمال المحطمة.
بعيداً من براناغ وذلك الرف الفارغ الذي يتطلع إلى ملئه في خزانة جوائزه الخاصة، من منا يريد أن يلقي نظرة على ما حدث في الماضي القريب ويعيشه مرة أخرى؟ سيكون ذلك (بمثابة) وباء كورونا مع فواصل إعلانية. ألا تعتقدون أننا نستحق أفضل من ذلك؟
© The Independent