وزع مهرجان برلين السينمائي الحادي والسبعين، جوائزه، ظهر أمس الجمعة، إلا أن العروض لم تنته بعد. فهي مستمرة يومين إضافيين على موقع الـ"برليناله" كي يتسنى للصحافة والعاملين في الصناعة السينمائية مشاهدة الأفلام الفائزة في حال فاتتهم. عند الساعة الثانية عشرة بتوقيت ألمانيا، أطل المدير الفني كارلو شاتريان ليقدم أعضاء لجنتي التحكيم (المسابقة واللقاءات) الذين أعلنوا بدورهم لائحة الأعمال الفائزة. المشهد بدا كئيباً، مؤسفاً، يحرك مشاعر الحنين إلى الماضي القريب عندما كان في إمكان البشر أن يجتمعوا في حفل توزيع الجوائز للمصافحة وتبادل القبل. أما اليوم، فبات مدير ثالث أكبر تظاهرة سينمائية في العالم يجلس أمام الكاميرا في غرفة لوحده ليعلن أسماء الفائزين، من دون أي بهجة أو مظاهر فرح على وجهه.
هذه أول مرة منذ بداية جائحة كورونا يلجأ فيها مهرجان كبير كبرلين إلى العروض الرقمية لأفلامه. "برلين 2020" كان آخر حدث سينمائي كبير يعقد قبل تفشي الوباء دولياً في مارس (آذار) العام الماضي. بعد ذلك، كرت سبحة طويلة من الإلغاءات، أبرزها إلغاء مهرجان "كان" دورته، أما "موسترا البندقية" فأقيم في ظروف خاصة للغاية. والآن بعد مرور عام، لم يبقَ أي خيار أمام منظمي برلين سوى دورة افتراضية. ولكن، في الواقع، ماذا يعني أن نتابع تشكيلة عروض من الأفلام الحديثة ونحن في مدينة أخرى غير تلك التي يحمل المهرجان اسمها، وهل يصح أصلاً إطلاق تسمية "مهرجان" على حدث يقتصر على عرض مجموعة أفلام يشاهدها أشخاص وهم في بيوتهم؟
أخيراً، هل يجوز إطلاق اسم مدينة (برلين في هذه الحالة) على مهرجان يقام في فضاء افتراضي، أي في اللامكان؟ هذه بعض الهواجس المتعلقة بالمسائل المبدئية، أما في ما يخص الجانب النفسي، فالناقدة علا الشيخ التي اعتادت تغطية برلين منذ سنوات عدة، افتقدت في هذه الدورة "الخطوات المتسارعة للصحافيين والنقاد اللحاق بالعروض الخاصة بهم في ساعات الصباح الأولى، المقاهي التي تدعم ذلك الصباح، والتي تضج بالطوابير (…)، البرد الشديد الذي لا يخففه سوى الجلوس على مقعدك الذي اعتدت عليه من سنوات واعتاد عليك، الوجوه الآتية من كل أنحاء العالم، الذين تلتقيهم كل عام حتى باتوا وجوهاً مألوفة تلقي عليهم تحية الصباح، اللغات المتنوعة التي تُترجم بشارة تظهر على الشاشة الكبيرة قبيل عرض الأفلام ترحب بالمشاهدين".
أفلام جديدة
إذاً، حتى بعد إعلان النتائج، استمرت عروض الأفلام على الموقع الإلكتروني للمهرجان، وكانت متاحة للمحترفين من النقاد والصحافيين والعاملين في صناعة السينما. وعلينا ربما إعطاء فكرة عن النحو الذي كان يتنسى لنا فيه المشاهدة، وماذا يعني، عملياً، مهرجان "أونلاين"، علماً أن هناك طرقاً مختلفة، لكن البرليناله اختار هذه الطريقة، كل يوم، كانت ترفع على موقع www.berlinale.de حزمة جديدة من الأفلام في الأقسام كافة، ولدى المشتركين بناءً على كلمة مرور، 24 ساعة لمشاهدة تلك الحزمة، قبل أن تختفي فور مرور تلك الفترة. الجوانب الإيجابية في العروض الرقمية موجودة، مثل أن تكتفي بالنقر على رابط للولوج إلى الفيلم، وهذا يعني كسب الوقت الذي كان مهدوراً في ساعات الانتظار الطويلة داخل الطوابير. الميزة الأخرى التي توفرها العروض الرقمية هي أن يكون الفيلم في تصرفك حالما تصلك أصداء طيبة عنه. ولكن هذا كله يأتي على حساب فقدان شيء أساسي "الروح". فبعد أول اختبار جدي، وعلى نطاق دولي واسع النطاق لما قد يمكن أن يكوِّنه مهرجان رقمي، يسعنا القول إن فكرة استبدال مهرجان كهذا بمهرجان حضوري ضرب من العبث.
والعبث هو في أي حال عنوان عريض للفيلم الفائز بجائزة "الدب الذهبي"، "مضاجعة فاشلة أو بورنو مجنون" للروماني رادو جود. هذا ثاني فيلم روماني ينال الجائزة المهيبة في السنوات الأخيرة. الفيلم عن معلمة بمدرسة تواجه غضب أهالي الطلاب بعد تسريب مقطع مصور إلى الإنترنت رأوها فيه وهي تمارس الحب مع زوجها. هذه الفضيحة يصورها الفيلم على مستوى البلاد بأكملها، وهي بلاد ذات تقاليد أرثوذكسية صارمة تدعي الحفاظ على الأخلاق الحميدة. صور الفيلم خلال الجائحة ويعتبر من أوائل الأعمال السينمائية التي نرى فيها الممثلين وهم يرتدون الكمامات على وجوههم. يضع المخرج الشاب (43 عاماً) هنا كل ما يزعجه في الواقع الروماني المعاصر من مفاهيم رجعية.
"الدب الفضي" (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) ذهبت إلى الفيلم الياباني "دولاب الحظ والفانتازيا" لريوسوكه هاماغوتشي. كما هي الحال في أعماله السابقة، نجد هنا تكراراً للشخصيات النسائية. العمل الجديد هو مجموعة من القصص القصيرة، فإيقاع الفيلم المتكرر يضخم هذا الإحساس. الفصول الثلاثة التي يدور كل منها على امرأة، تنقسم بدورها إلى ثلاث حركات على غرار مقطوعة موسيقية، محورها مثلث حب غير متوقع، وفخ إغواء فاشل، ولقاء ناتج عن سوء فهم. على الرغم من أن معظم الأحداث يجري في مساحة واحدة وتضم ممثلين اثنين فقط، إلا أننا لا نشعر ولو لمرة واحدة أننا نشاهد مسرحاً مصوراً.
"الدب الفضي" (جائزة لجنة التحكيم) كانت من نصيب الفيلم الوثائقي "السيد باخمان وصفه الدراسي" للألمانية ماريا سبيث. الفيلم يطرح سؤال "أين يشعر الإنسان بأنه في وطنه؟". في ستادتالندورف، وهي مدينة ألمانية تنام على تاريخ معقد من استبعاد الأجانب والسعي إلى دمجهم في الحين نفسه، يقدم المعلم اللطيف ديتر باخمان لتلاميذه المفتاح للشعور كما لو كانوا في وطنهم. هؤلاء المراهقون يتحدرون من 12 دولة مختلفة وبعضهم لا يتحدث الألمانية. لكن باخمان الذي أصبح على وشك التقاعد، يحرص على إلهام هؤلاء المواطنين في طور التكوين ليصنع لديهم الفضول تجاه مجموعة واسعة من المواضيع والثقافات والآراء. ماريا سبيث ومصورها رينهولد فورشنايدر، أنجزا فيلماً يؤمن بأهمية التربية والتعليم وتبرزهما بشكل لائق، وكما يذكرنا ملخص الفيلم المنشور على موقع المهرجان "لو كان لجميع الأطفال في العالم أستاذ مثل باخمان، لأصبحت أغنية تخيل لجون لينون حقيقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الدب الفضي" (أفضل إخراج) استحقها الفيلم المجري "ضوء طبيعي" لدينيس ناغي. تجري الأحداث في عام 1943، أي خلال الحرب العالمية الثانية؛ شتاء طويل على وشك أن يبدأ في الأراضي التي لا نهاية لها في الاتحاد السوفياتي المحتل. إيشتفان هو جزء من وحدة مجرية خاصة مكلفة التنقل من قرية إلى أخرى بحثاً عن مجموعات حزبية، والسيناريو يكشف ما سيتعرض له وكيف سيصبح مسؤولاً عن وحدته في مواجهة العدو. "ضوء طبيعي" أكثر من فيلم حرب آخر. إنه نزول إلى المجهول، يُطرح خلاله سؤال "ما الذي يمكن أن يفعله المرء من أجل البقاء؟".
جائزة "الدب الفضي" لأفضل تمثيل ذهبت إلى الألمانية مارن إيغيرت عن دورها في "أنا رجلك" لماريا شرايدر، الفيلم الغريب الذي يحكي عن عالمة تعيش ثلاثة أسابيع مع رجل آلي لغرض بحثي، لكن سرعان ما تتعلق به عاطفياً، لكن المشكلة أن الرجل الوسيم هذا مبرمج كي يسعدها، أي أنه لا يترك لها أي خيار. الجائزة نفسها، لكن في فئة أفضل دور ثانوي (أو مساند)، توجت بها الصبية المجرية ليلا كيزلينغر عن دورها في "غابة - أراك في كل مكان" للمجري بنس فليوغوف. بيد أن الجائزة التي بدت كنكتة سمجة هي جائزة السيناريو التي حصل عليها المخرج الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو عن عمله الضعيف جداً "مقدمة"، خصوصاً أن سانغ سو معروف بعدم كتابته أي سيناريو قبل البدء في التصوير. اللجنة قالت إنها أعطت الجائزة لهذا السبب "أكثر من سرد قصة، أو تقديم السرد بكفاءة، فإن هذا النص يختلق تلك الفترات الزمنية بين فعل وآخر، حيث، للحظة، تنكشف فجأةً حقيقة خفية للحياة البشرية". أخيراً، نال الفيلم المكسيكي "فيلم شرطة" لألونزو رويزبالاسيوس جائزة أعظم مساهمة فنية التي أسندت لمونتير الفيلم عن شغله الممتاز في إسقاط الحدود بين الروائي والوثائقي.