ظهور أحياء بحرية نافقة مغطاة بالسائل الأسود السميك قبالة شاطئ غزّة، كان دليلاً كافياً على أنّ التسرب النفطي الذي جرى وسط البحر الأبيض المتوسط وصل إلى شواطئ القطاع. الأمر الذي ينذر بكارثة بيئية جديدة تمتد فترات طويلة، وتصعب معالجتها في المنطقة التي تفتقر إلى المعدات التكنولوجية الخاصة بتنظيف البحر.
بدأت القصة، في فبراير (شباط) المنصرم، عندما رصدت طائرات إسرائيلية مواد غريبة على طول الشاطئ. وقالت وزير حماية البيئة غيلا غاملئيل إنّه عبارة عن رواسب سوداء تسربت من ناقلة نفط مقرصنة متوجهة إلى إيران كانت تبعد حوالى 50 كيلو متراً عن شواطئ تل أبيب، تسببت في تلوث الساحل في إسرائيل، كما وصل إلى لبنان شمالاً وغزّة جنوباً. ووصفت الحدث بالإرهاب البيئي.
غير قادرة على تحديد الكميات
وبعد استلام الإشارة الأولى، أجرت طواقم سلطة المياه وجودة البيئة في غزّة، مسحاً متواصلاً لشواطئ القطاع. وأثناء عملية التتبع، تبيّن وجود أجزاء من مواد غريبة. ويؤكّد المدير العام للتخطيط والتوعية في سلطة المياه منذر سالم أنّ نتائج تحليل عيّنة من هذه المواد أظهر أنّها مواد بترولية.
وبحسب تقديرات سلطة البيئة في غزّة، فإنّه وفقاً لنوع القطران وملمسه فإنّ التسرب عبارة عن زيت أو نفط خام. وقد أكدت سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية المعلومات نفسها.
وفي الواقع، لم تتمكن سلطة المياه في غزّة من تقدير كمية التسرب الذي وصل إلى شواطئ القطاع. ويعزو سالم ذلك إلى الافتقاد لإمكانات التكنولوجية للتعامل مع هذه الحالة التي تحدث للمرة الأولى في القطاع.
لكن تقديرات وزارة حماية البيئة الإسرائيلية تشير إلى أنّ التسريب الذي وصل إلى السواحل يزيد على 200 طن ويمتد على طول 170 كيلومتراً. وبالعادة يتنقل ويتفشى في المياه من طريق تقلب الأمواج والرياح.
لا إمكانات لمعالجة المشكلة
في حين تتوقع سلطة المياه أنّ يكون التسرب وتأثيره أقل في القطاع، يقول سالم إنّ التيارات البحرية في غزّة بالعادة تكون جنوبية شمالية، وهي اتجاه الرياح، وهذا مؤشر قد يجعل القطاع الأقل عرضة للكارثة البيئية نتيجة الرواسب النفطية. وعلى الرغم من ذلك وصلت إلى الشواطئ مواد بترولية.
وتعاني السلطات في غزّة من ضعف في الإمكانات والمعدات للتعامل مع التلوث البيئي أو التسرب النفطي. ويشير سالم إلى أنّها ستعمل على تنظيف البحر بالأيدي العاملة والفصل الفيزيائي، لأنّ السلطات لا تملك طرقاً لمعالجة التسرب.
ويقول سالم، "على الرغم من أنّ الرواسب التي رصدتها سلطة البيئة قليلة، إلا أنّ التخوف من توسع الانتشار خلال الفترة المقبلة، لذا على الأمم المتحدة أخذ دورها في هذا الشأن وتنفيذ الاتفاقات الدولية المتعلقة بحماية البيئة البحرية والساحلية للبحر الأبيض المتوسط، وإزالة هذا التلوث قبل انتشاره وتأثيره الكبير".
إغلاق البحر خيار
تنظف إسرائيل الشواطئ التابعة لها، لكن ذلك لا يعني إزالة جميع مخاطر التسرب، ولا تمنع هذه الخطوة وصول الرواسب إلى شاطئ قطاع غزّة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعتقد متخصّصون في علوم البيئة أنّه يتوجب على السلطات في القطاع وقف عملية الصيد حتى إزالة جميع الرواسب، لكن ذلك لم يحدث من الجهات المختصة بذريعة أنّ الكميات قليلة ويستطيع البحر معالجتها، حتى تتدخل الجهات الدولية وتجري مسحاً كاملاً للشاطئ.
ويكمن التخوّف الحقيقي، في أنّ بحر غزّة يعدّ المتنفس الوحيد لسكان القطاع، وإغلاقه أمامهم قد يزيد من صعوبات الحياة، كما يشكل مصدر دخل لحوالي ألفَي صياد، ويطمئن سالم بأنّ الحياة البحرية قد لا تتأثر كون الرواسب التي دخلت غزّة قليلة، وأنّهم يتابعون جميع الأسماك التي يتمّ صيدها.
مشكلة المياه قد تجعل غزة غير صالحة للحياة
وفي العام 2017، توقعت الأمم المتحدة أنّ يصبح قطاع غزّة مطلع العام 2021 منطقة منكوبة وغير صالحة للحياة، استناداً إلى مجموعة مؤشرات أبرزها أن الشريط الساحلي بات ضيقاً، وأنّ أكثر من 95 في المئة من المياه غير صالحة للشرب، إضافة إلى أنّ إمدادات الكهرباء انخفضت بشكل غير مسبوق.
في الحقيقة، الأزمة ليست مقتصرة على التسرب النفطي، فقطاع غزّة يعاني أساساً من نقص في المياه، إذ يحتاج القطاع إلى قرابة 291 مليون متر مكعب سنوياً من الماء، يتوفر منها 236 مليون متر مكعب، بينما يبلغ العجز أكثر من 55 مليوناً سنوياً، وفقاً لنائب رئيس سلطة المياه في القطاع مازن البنا.
وعلى الرغم من وجود هذه الكميات من المياه، فإن غزّة تعاني من الملوحة الشديدة، ويوضح البنا أن نسبة النترات في المياه تبلغ 1000 في الليتر الواحد، بينما يبلغ معدلها الطبيعي 250، وفقاً لما حددته منظمة الصحة العالمية لمناطق الشرق الأوسط.
ويؤكّد رئيس سلطة المياه مازن غنيم أنّ 97 في المئة من مياه الخزان غير صالحة للاستخدام الآدمي، وبالتالي ستكون هناك أبعاد إقليمية، إذا لم تُتخذ الإجراءات والانتهاء من محطة التحلية المركزية في غزة، باعتبارها الخيار الاستراتيجي لتوفير استدامة مائية بالقطاع.