في مقالات سابقة أشرت إلى أن الضحايا الرئيسيين للأزمة الاقتصادية التي أحدثتها الجائحة كانت الأقليات العرقية، والشباب، والمعوقين مثلي، والنساء.
ونشر موقع "أدزونا" Adzuna الإلكتروني للتوظيف مؤخرا مجموعة من البيانات التي تظهر بوضوح الصعوبات التي تواجهها النساء في سوق العمل الكاسدة حالياً. وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ما كان للتوقيت أن يكون أفضل.
فقد وجد الباحثون في الموقع أن الوظائف الشاغرة المعلن عنها داخل أعلى 20 مهنة توظف تاريخياً النساء في الأغلب، انخفضت بنسبة 40.2 في المئة على أساس سنوي، مع تراجع معدلات التوظيف في 19 مهنة أخرى.
لا شك في أن الوظائف الشاغرة انخفضت في مختلف أنحاء العالم، لكن نشاط التوظيف في أبرز 20 مهنة تشغل تاريخياً رجالاً في الأغلب انخفض بمقدار أقل كثيراً، فقد بلغ 11.8 في المئة فقط.
بل ازدادت فرص العمل بالفعل في ست من أعلى 20 وظيفة للذكور، أي عمال المخازن (بزيادة 37 في المئة)، وناقلي البضائع الكبيرة (76.6 في المئة)، وسائقي الشاحنات (14 في المئة)، والكهربائيين (12.8 في المئة)، والعاملين في النجارة وتركيب المنشآت الخشبية (15.9 في المئة)، والعاملين في البناء والتشييد (26 في المئة).
وفي المهن الأكثر ملاءمة للإناث، كان الانحدار مذهلاً إلى حد كبير. فقد سجل "أدزونا" تراجعاً بلغ 52 في المئة في الوظائف المتاحة لعاملات الاستقبال، وانخفاضاً بنسبة 42.9 في المئة في وظائف الممرضات والمساعدات في الحضانات، وهبوطاً بنسبة 49.3 في المئة في الوظائف المعلن عنها في مجال المساعدات الإداريات وسائر الأدوار السكرتارية، وتقلصاً بنسبة 37.3 في المئة في الوظائف الشاغرة لمصففات الشعر والحلاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسجل الموقع ستة آلاف و370 وظيفة شاغرة فقط في مجال المبيعات والمساعدات في قطاع البيع بالتجزئة في فبراير (شباط)، وهو المجال الأبرز لتوظيف النساء عام 2020، ما يمثل تراجعاً يفوق 38 في المئة مقارنة بالرقم الخاص بالعام الماضي. ما هي الفئة الوحيدة التي حققت ارتفاعاً؟ عاملات الرعاية والرعاية المنزلية (بزيادة 45.9 في المئة).
ما أدهشني في شأن تلك القائمة هو أنها تجعلني أتساءل عن مدى تغير عالم العمل حقاً عما قد يراه المرء في مسلسل كوميدي خلال خمسينيات القرن العشرين. فعندما يتحدث "أدزونا" عن مهن كانت توظف "تاريخياً" النساء في الأغلب كان ينظر إلى عام 2020.
من الواضح أن هذا يثير التساؤل حول الأسباب التي تجعل النساء كثيراً ما يلجأن إلى هذه الأنواع من الأدوار، وما الذي يتعين علينا أن نقوم به لمعالجة الوضع. ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أن هذه الوظائف تميل بشكل رهيب إلى عدم دفع رواتب جيدة. وفي الواقع، حدد "أدزونا" فجوة تساوي ستة آلاف و700 جنيه استرليني ( أي حوالي تسعة آلاف و273 دولاراً أميركيا) بين الوظائف الأكثر شيوعاً لدى الذكور والإناث.
والجدير بالذكر في هذه المرحلة أن الموقع يورد 800 ألف فرصة عمل، وهذا يعني أن البيانات الجيدة "تصفع" الحسابات المشاغبة اليمينية التي تزعم ألا "حاجة" إلى مناسبات مثل "يوم المرأة العالمي".
بل العكس. لقد أظهر الموقع أيضاً أن كلاً من الحكومة وأصحاب العمل يحتاجون إلى التحرك.
فحين تُقرر الحكومة العمل، تستطيع تحقيق نتائج. لقد ازداد عدد المديرات في الشركات المدرجة في مؤشر "فايننشال تايمز 100" في البورصة بنسبة 50 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، مثلاً.
والآن تتولى النساء أكثر من ثلث الأدوار في مجالس إدارة أكبر 350 شركة في بريطانيا، وفق التقرير النهائي الذي صدر عن مراجعة لتمثيل الإناث في المواقع القيادية للأعمال. ومن ثم حققت "مراجعة هامبتون-ألكسندر" المدعومة من الحكومة هدفها، البالغ 33 في المئة.
ورحبت وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية The Department for Business, Energy and Industrial Strategy بهذه الأرقام وتحدثت عن "تغيير للثقافة على مستوى القمة، يمهد الطريق أمام قدر أكبر من المساواة بين الجنسين في مختلف قطاعات الأعمال، مع ارتفاع تمثيل المرأة في القيادات العليا الأوسع نطاقاً أيضاً". حسناً، إلى حد ما. فالرجال ما زالوا يسيطرون على أدوار كبار المسؤولين التنفيذيين، وعلى رغم الترحيب بالتقدم المحرز، تؤكد أرقام "أدزونا" بوضوح أن هذا التقدم لم ينعكس بعد في مختلف أنحاء أمكنة العمل ككل.
وأشارت المؤسسة، مثلاً، إلى أن النساء يشكلن 49.8 في المئة من العاملين المهنيين والفنيين في المملكة المتحدة، لكنهن يشكلن 36.3 في المئة فقط من المشرعين وكبار المسؤولين والمديرين (هذه الأرقام مستمدة من تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي).
وفي مقابلة سابقة أجريتُها مع الأمينة العامة لمؤتمر الاتحادات المهنية البريطانية فرانسيس أوغرايدي، تناولنا مسألة التمثيل الهزيل للنساء في المناصب العليا. لكنها أوضحت أن العمل مطلوب لتحسين وضع المرأة في أمكنة العمل كلها.
وتُظهر هذه الأرقام أنها كانت محقة، وأنها كانت على صواب أيضاً في الانضمام إلى العديد من الجمعيات الخيرية للكتابة إلى لجنة المساواة وحقوق الإنسان، داعية إياها إلى التحقيق في ما إذا كانت الحكومة انتهكت قانون المساواة أثناء انتشار الجائحة.
ومن بين المسائل التي سلط الخطاب الضوء عليها: عدم تنفيذ تقييمات أثر المساواة في القرارات الرئيسية على صعيد السياسات – مثل عدم تمتع النساء اللاتي يحصلن على إجازة أمومة بأهلية الحصول إلا على دفعات مخفضة من خلال برنامج دعم مداخيل العاملين لحسابهم – والأثر المالي غير المتناسب الناتج من العزلة الذاتية للعاملات. ونحو 70 في المئة من العاملين، البالغ عددهم مليوني عامل، غير المؤهلين للحصول على أجر قانوني خلال المرض، هم من النساء.
وأثارت الرسالة أيضاً عدم مراعاة مسؤوليات الرعاية الإضافية التي فُرِضت على المرأة نتيجة للقيود والسياسات الصحية التي تؤثر في المدارس ومؤسسات رعاية الأطفال.
وتبين من استطلاع أجراه مؤتمر الاتحادات المهنية أيضاً أن ثلاثة أرباع الأمهات العاملات اللاتي تقدمن بطلبات للحصول على إجازة في أعقاب إغلاق المدارس في الآونة الأخيرة رُفِضت طلباتهن.
تسلط أرقام "أدزونا"، وأرقام مؤتمر الاتحادات المهنية، الضوء على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات من جانب أصحاب العمل، وبشكل خاص من جانب الحكومة. وهذا مجال آخر يتبين فيه أن عملية وضع السياسات خلال الجائحة كانت منقوصة إلى حد خطير.
© The Independent