سيظل 10 مارس (آذار) يوماً محفوراً لسنوات طويلة في ذاكرة الليبيين، عقب نجاحهم في تشكيل حكومة موحدة بعد سنوات من الحروب والنزاعات التي كادت تقسم البلاد فعلياً، في خطوة مفصلية لنجاح خريطة الطريق، التي أنجزها الفرقاء المحليون برعاية دولية، للخروج من نفق الأزمة المعقدة، التي امتدت على مدار العقد الماضي.
واستقبل الليبيون موافقة البرلمان على الحكومة بترحيب كبير، آملين أن تنجح خلال فترة ولايتها القصيرة في توحيد المؤسسات وتنظيم الانتخابات العامة، لتمهد الطريق للحل النهائي لأزماتهم، التي حاصرتهم طيلة السنوات الماضية.
وفي الوقت الذي تؤدي فيه الحكومة اليمين الدستورية، في مدينة بنغازي، الإثنين المقبل، بدأت النقاشات في ليبيا حول أهم الملفات التي يجب أن تبدأ منها ممارسة مهامها، والتحديات التي عليها الاستعداد لمواجهتها.
تغييرات حاسمة في اللحظات الأخيرة
تكشفت في الساعات الماضية كواليس اللحظات الأخيرة، والعوامل التي سهلت عملية منح الثقة لحكومة عبد الحميد دبيبة، التي كانت سلسة وسريعة في اليوم الثالث من جلسات البرلمان لمناقشة التشكيلة الحكومية، بعد أن قبل رئيس الحكومة إدخال تغييرات على ثلاث وزارات كانت محل اعتراض من مجلس النواب.
وأظهرت التشكيلة النهائية التي صادق عليها البرلمان، التغييرات التي قام بها دبيبة استجابة لطلب النواب، بتعيين فاخر بوفرنة وزيراً للتخطيط بدلاً من كامل الحاسي، ونجلاء المنقوش وزيرة للخارجية بديلة عن لمياء أبو سدرة، ومحمد احويج على رأس وزارة الاقتصاد عوضاً عن النائب عمر تنتوش.
وتعتبر المنقوش أول امرأة في تاريخ ليبيا تشغل هذا المنصب، وجنّب اختيارها لهذه الحقيبة دبيبة التعرض لحملة انتقادات واسعة، لضعف تمثيل المرأة في حكومته، وتخصيص وزارات هامشية لها، علماً أنه منح أربع حقائب فقط لنساء، على الرغم من مطالبة بعثة الأمم المتحدة بتخصيص حصة لهن لا تقل عن 30 في المئة.
واعتبر وزير الخارجية السابق محمد الدايري، تولي نجلاء المنقوش حقيبة الخارجية "علامةً فارقة" في تاريخ الدبلوماسية الليبية، بخاصة أنها "تعتبر من النخبة النسوية المشهود لها بالكفاءة".
انتقال سلس للسلطة
وفي بيانين منفصلين لهما، رحبت حكومتا "الوفاق" في طرابلس، و"المؤقتة" في بنغازي بمنح مجلس النواب الثقة لحكومة الوحدة، وتعهدتا بتسليم السلطة لها بشكل سلس.
وقالت حكومة بنغازي، برئاسة عبد الله الثني، إنها "على استعداد تام لتسليم المهام وكافة وزاراتها وهيئاتها ومصالحها ومؤسساتها لحكومة الوحدة الوطنية، متى شكلت اللجان المختصة".
من جانبها، أبدت حكومة الوفاق استعدادها لتسليم السلطة ترسيخاً لمبدأ التداول السلمي لها.
وقال رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، في بيان، "أبارك لحكومة الوحدة الوطنية نيلها الثقة من مجلس النواب، وأتمنى للسلطة التنفيذية التوفيق والسداد، في إنجاز مهامها والسير نحو الانتخابات".
ووصف منح الثقة لحكومة الوحدة بأنه "خطوة مهمة لإنهاء الاقتتال والانقسام في البلاد".
وكان دبيبة صرح بعد نيل حكومته الثقة بأن "إجراءات التسليم والاستلام مع حكومة الوفاق ستتم فور الانتهاء من أداء اليمين الدستورية، في بنغازي، الإثنين المقبل".
وتابع "هناك إجراءات ستجري بالتنسيق مع المجلس الرئاسي الجديد برئاسة محمد المنفي، وهناك متابعة من بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا والجهات ذات العلاقة".
ترحيب من الفرقاء الدوليين
وعزز ترحيب الفرقاء الدوليين، الذين لعبوا دوراً بارزاً في النزاع الليبي خلال السنوات الماضية، التفاؤل بنجاح الحكومة الجديدة في مهامها المحددة لها، وعلى رأسها إنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي وتنظيم الانتخابات العامة، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
واعتبرت روسيا أن مصادقة مجلس النواب على الحكومة "خطوة مهمة نحو تجاوز الأزمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن "ليبيا كانت وستظل شريكاً مهماً لروسيا في شمال أفريقيا"، مشيرةً إلى أنها "ستعمد إلى زيادة تطوير الاتصالات السياسية بين البلدين، واستعادة مستوى عال من التعاون الثنائي بسرعة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والفنية والإنسانية".
ومن واشنطن، رحب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بمنح الثقة للحكومة، وقال "يعد الأمر علامة فارقة نحو تحقيق خريطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي، ونشجع القيادة الجديدة، عند توليها السلطة، على اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان انتخابات وطنية حرة ونزيهة، كخطوة رئيسة لإنهاء عقد من الصراع".
وأضاف أن "النقل السلس والمنظم للسلطة في هذه الانتخابات أمر بالغ الأهمية لتعزيز العملية الديمقراطية".
وحث بلينكن حكومة الوحدة على "تحمل مسؤولية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتوفير الخدمات العامة الأساسية، وبدء برنامج وطني للمصالحة ومعالجة الأزمة الاقتصادية".
تحديات في طريق صعب
ويتفق أغلب المراقبين للساحة الليبية، أن حكومة الوحدة ستواجه خلال ولايتها القصيرة تحديات صعبة، للنجاح في مهامها المحددة لها بموجب الاتفاق السياسي الليبي، الموقع في جنيف خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.
ويرى مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي أنه "على الحكومة أن تبدأ بالعمل على إجراءات لتخفيض النفقات وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، من خلال مراجعة جدول المرتبات والمعاشات التقاعدية، بما يضمن العدالة بين العاملين في الدولة، وحصر الفروق في العلاوات المهنية، ورفع الدعم عن السلع الاستهلاكية والوقود والكهرباء، وتضمينه في المرتبات والمعاشات في صورة علاوة عائلة، حتى يتوقف التهريب للخارج واستنزاف الموارد الوطنية".
وطالب الدباشي الحكومة بوضع خطة واضحة ومدروسة لتحسين الوضع الاقتصادي والأمني، من خلال "مكافحة البطالة ووضع أولويات التنمية المكانية، وتوزيع ميزانية التنمية على البلديات وفقاً لعدد السكان الفعلي وليس على أساس السجل المدني، ووضع رقابة صارمة على طريقة صرفها، إلى جانب اتخاذ خطوات عملية لتشجيع الشباب على ترك السلاح، وتوحيد القوات المسلحة وإعادة هيكلتها وفقاً للقانون، وتأكيد السيادة الوطنية وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد".