يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذه الأيام قد وضعت على نار حامية، بخاصة بعد مبادرة بعض الشخصيات المحافظة، وتحديداً تلك الآتية من المؤسسة العسكرية، الإعلان عن ترشحها لهذا السباق، مثل مستشار المرشد الأعلى ووزير الدفاع السابق الجنرال حسين دهقان، وأمين سر مجمع تشخيص مصلحة النظام، والقائد الأسبق لحرس الثورة محسن رضائي، خصوصاً بعد إعلان مسؤول "مقر خاتم الأنبياء" الذراع الاقتصادية لحرس الثورة الجنرال سعيد محمد استقالته من منصبه استعداداً لخوض السباق الرئاسي.
هذه الترشيحات والأسماء التي تخرج من المعسكر المحافظ لا تضع في حساباتها حتى الآن إمكانية طرح اسم رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، الذي أسقطته من حساباتها، منذ أن كان على رأس السلطة التشريعية، ووقوفه نسبياً إلى جانب حكومة رئيس السلطة التنفيذية حسن روحاني، وكبحه جماح المواقف المتطرفة داخل البرلمان في التصويت ضد الحكومة ورئيسها، خصوصاً في الموضوع الاقتصادي، وانتهى به إلى إعلان انسحابه من الانتخابات البرلمانية في الدورة الأخيرة بعد أن واجه هجوماً واسعاً وشرساً من هذا التيار وصل إلى حد النيل من مصداقيته السياسية والإدارية، واستبعاده عن أي اقتراحات اللوائح الانتخابية لهذا التيار عن مدينة قم، وسط إيران، قبل انطلاق السباق الانتخابي وغربلة مرشحيه.
خيار مؤجل
وإذا ما كان لاريجاني يشكل خياراً لدى بعض أحزاب وقوى المعسكر الإصلاحي، وكإمكانية لاستكمال النهج المعتدل الذي بدأه روحاني وفريقه إذا ما تعذر عليهم إيصال مرشحهم الإصلاحي، إلا أنه يبقى خياراً مؤجلاً بانتظار ما ستسفر عنه المشاورات داخل المعسكر الإصلاحي لتحديد مرشحهم الإجماعي وتجاوز عقبة مقصلة لجنة دراسة الأهلية في مجلس صيانة الدستور التي بدأت بوادر مواقفها المتشددة في الظهور، والتي لن تقتصر على الإصلاحيين والمعتدلين، بل ستطال أيضاً بعض شخصيات المعسكر المحافظ بذريعة أنهم لا يعتبرون من "رجال السياسة"، بحسب التوصيف الدستوري لهذا المصطلح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن القوى الإصلاحية تتجه إلى وضع خلافاتها جانباً، أو على الأقل التقليل منها قدر المستطاع، والذهاب إلى توافق بالحد الأدنى، بعد استشعارهم مفصلية المرحلة وتأثير الانتخابات المقبلة على استمرارهم في الحياة السياسية بشكل فاعل ومؤثر، وما يقتضيه ذلك من ضرورة الوصول إلى اتفاق وموقف إجماعي حول مرشح واحد يضمن لهم فرضه على النظام، كما يضمن العبور من مقصلة مجلس صيانة الدستور، ويعقد عملية إزاحته أو رفض مشاركته في السباق الرئاسي، لما لذلك من تأثير سلبي يفقد المعركة الانتخابية تعدديتها وتنوعها السياسي الذي يطمح له، ويؤكد عليه المرشد الأعلى للنظام، وبالتالي، فإنه قد يفرض على التيار المحافظ اللجوء إلى دفع شخصيات من خارج التصنيف الإصلاحي، ولا يعتبرون مقربين من التيار المحافظ، وإقناعهم بالمشاركة في السباق على حساب حصة التيار الإصلاحي، بهدف إحداث خلل في الكتلة البشرية الناخبة وتوزيعها على أكثر من مرشح، ما يحرمهم من حشد هذه الأصوات والشارع الشعبي وراء مرشحهم الوحيد رسمياً، خصوصاً وأن المحافظين يواجهون حتى الآن صعوبة في الاتفاق على مرشح واحد في ظل تصدي أقطاب منهم لدخول هذا السباق، وصعوبة إقناع أي منهم بالانسحاب لصالح الآخر.
نسج تفاهمات
حتى الآن، استطاع المعسكر الإصلاحي الظهور بأنه أكثر قدرة على نسج تفاهمات بين أحزابه وأقطابه تتعلق برؤيته حول المرحلة المقبلة، خصوصاً الانتخابات الرئاسية، وأنه استطاع تجاوز الخلافات الداخلية من خلال الاتفاق على الشكل النهائي للجنة العليا لتنسيق المواقف، إضافة إلى تشكيل اللجان المختصة التي ستتولى مهمة قيادة العملية الانتخابية ومخاطبة الجمهور في كل إيران، إلى جانب انتقاله لبحث الأسماء التي يمكن أن تكون ممثلة له في السباق الرئاسي، وحصرها حتى هذه المرحلة الزمنية، ومع اقتراب موعد فتح باب الترشيح الرسمي بأربعة أسماء أساسية وقادرة على حشد الشارع وحتى على تحريك "الأصوات الرمادية" التي تمتنع عن المشاركة في عملية الاقتراع ليس بسبب اقتناعها بالمقاطعة، بل من منطلق إحباطها مع العملية الانتخابية وعجز الأشخاص المنتخبين من الإصلاحيين عن تحقيق إنجازات تلبي ما يطمحون له على مختلف المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية.
ويبدو أن القوى الإصلاحية واللجنة العليا لتنسيق العملية الانتخابية قد توصلت إلى تفاهمات حول أربعة أسماء رئيسة، هي: حفيد مؤسس النظام والثورة حسن الخميني، والنائب الأول لرئيس الجمهورية الحالي إسحاق جهانغيري، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، ونجل الرئيس الأسبق محسن هاشمي رفسنجاني.
ومن المرجح أن تقوم هذه اللجنة بتقييم حظوظ هذه الشخصيات، وتقدير الأوفر حظاً بينها لتقديمه كمرشح إجماع في السباق الرئاسي، وتذهب التقديرات إلى إمكانية أن تشهد مرحلة التقييم الأولى استبعاد محسن هاشمي بسبب الأزمة التي أثارتها شقيقته فائزة قبل أشهر حول موقف النظام من الانتخابات الأميركية، وعودة ترمب إلى البيت الأبيض، إضافة إلى صعوبة عبوره في مجلس صيانة الدستور لجهة ما يشكله من إعادة إحياء للرفسنجانية السياسية التي يجب أن تنتهي من الحياة السياسية نتيجة المواجهة التي دخل فيها رفسنجاني مع المرشد الأعلى على خلفية أحداث عام 2009 والثورة الخضراء، وأيضاً، هناك إمكانية أن تقوم هذه اللجنة بإخراج حسن الخميني من مربع الأسماء لمعرفتها بوجود نوايا لدى صيانة الدستور لاستبعاده من السباق من باب عدم أهليته لتولي السلطة التنفيذية، وعدم كونه من رجالات السياسة، فضلاً عما يشكله من إعادة إحياء للخمينية، وما تثيره من أسئلة حول ما وصلت إليه الأمور بعد المؤسس.
حالة خوف
من هنا، فان أكثر الترجيحات داخل المعسكر الإصلاحي تتحدث عن تراجع الخيارات في هذه المرحلة بين الوزير ظريف ونائب الرئيس جهانغيري ليكونا أو يكون أحدهما، مرشح القوى الإصلاحية في السباق الرئاسي، الذي قد يدفع التيار المحافظ إلى إعادة ترتيب أولوياته، والدفع بخيار ترشيح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي وترجيحه على سائر مرشحي المعسكر الإصلاحي، بخاصة مع وجود مخاوف من عدم قدرة أي مرشح يأتي من المؤسسة العسكرية على إقناع الشارع والناخبين، مع وجود حالة خوف من عسكرة النظام والدولة وما يمكن أن تؤدي إليه.