إذا كانت مهمة إخراج القمامة في المنزل تقع على كاهل الرجل - وفقاً لتيريزا ماي، فمن يتحمل مسؤولية معرفة النفايات التي يمكننا أو لا يمكننا إعادة تكريرها؟ يبدو أن الإجابة هي: لا أحد، أو على الأقل هذا ما تشير إليه البيانات. فالمملكة المتحدة تعاني من مشكلة نفايات ضخمة.
في كل عام، تتخلّص المنازل في بريطانيا من أكثر من 25 مليون طن من القمامة، يُعاد تكرير أقل من نصفها. أما نسبة الـ55 في المئة المتبقية، فإما تصل إلى مكب النفايات في نهاية المطاف أو يتم التخلص منها بشكل متزايد في المحارق لتوليد الطاقة. حلقة برنامج "ديسباتشس" التي بُثت عبر قناة "تشانل 4" ليلة أمس كشفت حقيقة أن 11.6 مليون طن من النفايات حُرقت خلال عام 2019، بينما أرسل 10.9 مليون طن فقط إلى إعادة التكرير.
يوصف هذا الإجراء بأنه حل رفيق بالبيئة للتعامل مع نفاياتنا. ما هو الجانب الذي لا يعجبكم فيه بالضبط؟ لدينا جبال من القمامة يجب التخلص منها كل عام، فلماذا لا نحصل على منفعة بسيطة منها بدلاً من دفنها في حفرة في الأرض، ما قد يؤدي إلى تسرب مواد كيماوية سامة إلى أنهارنا وانبعاث غاز الميثان منها - وهو غاز دفيء أسهم في رفع درجة حرارة الأرض على مدى 100 عام بفاعلية تفوق غاز ثاني أكسيد الكربون بـ 28 مرة.
يقول مشغّلو محارق النفايات إن نحو نصف القمامة التي يحرقونها مكونة من بقايا طعام وأوراق ومواد عضوية أخرى، لذلك يجب اعتبار نصف الطاقة التي يولدونها طاقة متجددة. توافق الحكومة على ذلك وقدّمت تمويلاً بنحو 60 مليون جنيه استرليني لدعم الطاقة المتجددة الناجمة عن النفايات، ومن المقرر أن تحصل على 600 مليون جنيه استرليني أخرى من الأموال العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن من المهم أيضاً النظر في مكونات بقية القمامة التي يحرقونها. من البديهي أن هذا يعتمد على مصدر القمامة. بعض المحارق تأخذ النفايات مباشرة من الشركات، لكن الغالبية العظمى منها تحرق ما نرميه في حاوياتنا المنزلية، الذي يشكل البلاستيك نحو 12 في المئة منه.
يُصنع البلاستيك من الوقود الأحفوري، بالتالي لا يحتاج الأمر إلى عالم في الغلاف الجوي لمعرفة أنه سينجم عن إحراقه غاز ثاني أكسيد الكربون. في الواقع، تشير البيانات التي ينشرها مشغلو المحارق في تقارير الأداء السنوية إلى أن ثاني أكسيد الكربون المنبعث من إنتاج كيلوواط ساعي واحد من الكهرباء في محطاتها يتم إرساله إلى الشبكة يساوي كمية الكربون الصادرة عن أي محطة طاقة تعمل بالفحم.
لن توفر محطات الطاقة الناجمة عن النفايات وسيلة للدفاع عن هذه النقطة، قائلة إنها تقلّل الكربون المنبعث من خلال حرق النفايات التي كانت ستذهب إلى مكب النفايات خلاف ذلك. وستنادي: "فكروا في غاز الميثان".
على كل حال، تزداد صعوبة دعم الحجج القائلة إن إنتاج الطاقة من القمامة هو طريقة تتسبب في انبعاثات كربون أقل بكثير من التعامل مع النفايات في المكبات. نحن نرسل كميات أقل من الطعام والورق والأخشاب إلى مكبات النفاية، وهي العناصر التي تتحلل وتسبب انبعاث غاز الميثان، كما أن احتواء غاز الميثان المتسرب في مكبات النفاية في المملكة المتحدة يتحسن، ويتم إحراقه أيضاً لتوليد الطاقة.
عند النظر إلى العملية برمّتها - من نقل النفايات، والتعامل معها (إما عن طريق الحرق أو دفنها في المكبات)، وتوليد الطاقة منها - وجد العلماء أن إرسال طن واحد من القمامة لتوليد الطاقة في المحارق في اسكتلندا أدى إلى انبعاثات كربون أقل بـ 15 في المئة فقط من إرساله إلى مكب النفايات. وأظهروا أن زيادة طفيفة في كمية البلاستيك التي تحتويها النفايات من شأنها في الواقع أن تقلب المعادلة لصالح المكبات.
تشعر لجنة التغير المناخي في المملكة المتحدة بقلق متزايد جراء الانبعاثات الناجمة عن الطاقة المولدة من حرق النفايات. رحبت اللجنة في حصة البلاد الأخيرة من الانبعاثات بحقيقة أن الغازات الناجمة عن قطاع النفايات قد انخفضت بشكل كبير على مدار العقدين الماضيين، حين توقفنا عن الاعتماد على مكب النفايات. لكن اللجنة تشير إلى أن الانبعاثات "لم تتحسن في السنوات القليلة الماضية بسبب حدوث ركود في إعادة التكرير في المملكة المتحدة والنمو الكبير في الانبعاثات الأحفورية المنتجة في محطات النفايات".
على الرغم من ذلك، أعفيت المحارق من برامج تداول الانبعاثات، التي تفرض رسوماً على الجهات التي تسبب تلوثاً نتيجة حرق الوقود الأحفوري. وفّر هذا الإعفاء على المشغلين أكثر من 80 مليون جنيه إسترليني عام 2019، وقد يمكّنهم من تجنب أكثر من 15 مليار جنيه من المدفوعات للحكومة إذا استمروا في حرق النفايات بالمعدل ذاته على مدار سنوات تشغيل المحارق البالغة 25 سنة.
ومع ذلك، فإن تقدير ما إذا كانت الطاقة الناتجة من حرق النفايات أو مكباتها أسوأ للبيئة هو أمر يغفل الحقيقة المهمة وهي أن كليهما مدمّر جداً. والأهم من هذا، هو تقليل كمية النفايات التي نرسلها سواء إلى المحارق أو مكب النفايات من خلال تحسين إعادة التكرير وتغيير الأنظمة كي لا ننتج النفايات في المقام الأول.
مع حصول المجالس المحلية (وعدد كبير منها يحصل للتو) على المزيد من دعم الحكومة المركزية، تستطيع بلوغ معدلات إعادة تكرير تصل إلى نحو 50 في المئة. علاوة على ذلك، يقول تيم ووكر، الذي كان يدير خدمات نفايات وإعادة تكرير في بلفاست، إن الحكومة بحاجة إلى إدخال تغييرات على السياسة. قد يعني هذا إدخال برامج لحفظ الزجاجات وجعل الشركات المصنعة مسؤولة عن استعادة البلاستيك الذي تنتجه وإعادة تكريره.
ستكون هناك دائماً نسبة من النفايات التي لا يمكن إعادة استخدامها أو إعادة تكريرها، لكننا نمتلك بالفعل مرافق كافية للتعامل معها. هناك 48 محطة طاقة من محارق النفايات ناشطة في المملكة المتحدة، ويقول الوزراء إننا لن نحتاج إلى المزيد إذا وصلنا إلى أهداف إعادة التكرير.
على الرغم من ذلك، تواصل المجالس البلدية الموافقة على طلبات التخطيط ولم تتوقف وكالة البيئة عن إصدار تصاريح جديدة لإنتاج الطاقة من محارق النفايات، التي ستفرز ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون على مدار الأعوام الـ25 المقبلة - وهو تماماً الوقت الذي يتعيّن على الحكومة خلاله أخذ إجراءات تزداد صرامة لتحقيق هدفها الملزم قانونياً بالوصول إلى انبعاثات صافية بنسبة صفر بحلول عام 2050.َ
سيصل هذا النقاش قريباً إلى المحاكم. في العام الماضي، قضت محكمة الاستئناف بعدم قانونية خطط لإنشاء مدرج ثالث في مطار هيثرو لأن الوزراء لم يأخذوا في الاعتبار التزامات الحكومة معالجة أزمة المناخ. وسيقوم الفريق القانوني ذاته الشهر المقبل بالتصدي لقرار الحكومة بإعفاء المحارق من برنامج تداول الانبعاثات.
بينما تستعد المملكة المتحدة لاستضافة محادثات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي المهمة في غلاسكو في وقت لاحق من هذا العام، يجب على الحكومة ألا توافق فقط على هذه النقطة، بل ينبغي عليها أيضاً أن تطالب بوقف بناء أي محارق جديدة. في هذه المرحلة، سيكون الفشل في تحقيق ذلك بمثابة تسجيل الحكومة هدفاً مذهلاً في مرماها.
© The Independent