على قدر ما تبدو فكرة الروح غامضة تماماً ومشوقة أيضاً، تأتي السينما لتضع الأفكار الخيالية عن هذا العالم محل تنفيذ فوراً، إذ يشغل عالم الأشباح والكائنات المخفية صناع الفن، ويحاولون من خلال سحر السينما جعل تلك الخيالات مجسدة في أشكال وصور متباينة.
في حين أن الأعمال الفنية العربية لا تقترب كثيراً من هذا العالم، ولا تسعى إلى تفسيره أو تناوله إلا في ما ندر، مثل فيلم "التعويذة" (1987)، ومسلسل "ما وراء الطبيعة" الذي بثته "نتفليكس" العام الماضي، إذ يقتصر دوماً التناول على وصف هذا العالم اختصاراً بالسحر والشعوذة والدجل، لكن لا يتم التعمق فيه فنياً، على عكس أفلام ومسلسلات عالمية تغوص في هذه الخيالات وتصنع منها كوناً موازياً تماماً.
القوة الشريرة تنتصر في عالم الأرواح أيضاً!
ما بين الجد والهزل والرعب والرومانسي والاجتماعي، قدمت الدراما فانتازيا جلسات تحضير الأرواح، وعالم الأشباح الشريرة والطيبة مراراً، وهي "ثيمات" متنوعة، لكن جميعها تستند إلى عالم غيبي، ومنها ما هو أسطوري بالكامل، وبعضها قد يكون مستوحى من حكايات رواها أشخاص، إذ يجد هذا اللون جمهوره، وبالتالي لا يمر عام إلا وهناك مجموعة من تلك الأعمال، ومعظمها تستند إلى أفكار يصاحبها كثير من الجدل والتشكيك ومن هنا تستمد شعبيتها، مثل فكرة السقوط النجمي التي بنى عليها المسلسل الإنجليزي "Behind Her Eyes"، الذي كان في أول قائمة مشاهدي "نتفليكس" على مدى الأسابيع الماضية.
وتدور قصته حول الاعتقاد في قوة ما تُسمى بالسقوط النجمي، وبحسب المسلسل فإنه يمكن لمن يدخل في تلك الحال الذهاب بشكل ما إلى أماكن بعيدة، وأن يفعل ما يريد فيها، بينما هو جسدياً مستلق في مكانه وغائب عن الوعي، بل يمكن أن يتطور الأمر وأن تحل روحه وشخصيته في جسد آخر.
قدّم المسلسل بشكل مشوق، وتم فك ألغازه ببطء شديد، إذ يحمل لمحات من الرعب ويحتفي بعالم الأشرار، وعلى الرغم من خيالية فكرته، إلا أنه يحاكي الواقع في ما يتعلق بالمؤامرات وتحكم الأقوى في الأكثر سذاجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما عرض أخيراً فيلم إنجليزي آخر عن عالم تحضير الأرواح، وتظهر فيه الزوجة المتوفاة لزوجها الذي يعيش مع غيرها، وتحاول العبث بحياته.
عنوان الفيلم "Blithe Spirit"، وقصته مأخوذة عن مسرحية منذ أربعينيات القرن الماضي بالاسم نفسه، وقدمت مراراً على الشاشات وفي المسرح أيضاً، وفؤاد المهندس أشهر من قام بتقديم نسخة عربية بصحبة شويكار في مسرحية "حواء الساعة 12" في نهاية ستينيات القرن الماضي، ولا تقتصر تلك القصص على القتامة فقط، بل تغلفها الطرافة في أحيان كثيرة.
رومانسية الأشباح
لكن الطابع الغالب هو "ثيمة الرعب"، كما يقول الناقد السينمائي أندرو محسن، مشيراً إلى أن أفلام الرعب والخيال العلمي وجبة أساسية لقطاع ضخم من محبي السينما في العالم، لافتاً إلى أن الفيلم المتواضع فنياً "The Meg" حقق في مصر فقط نحو 30 مليون جنيه (1.9 مليون دولار) في شباك التذاكر قبل عامين.
وأوضح محسن أن نوعية الخيال والرعب دوماً تلعب على نفسية المشاهد، والأعمال التي تتناول عالم الأشباح والقوى الغريبة الغيبية تكون "ثيمة" مفضلة في أفلام الرعب ذات الجماهيرية الكبيرة عالمياً.
ويعود أندرو محسن بالذاكرة إلى العام 1973 ضارباً المثل بفيلم "The Exorcist" الذي تناول فكرة طرد الأرواح الشريرة، مؤكداً أنه فيلم أيقوني، إذ إنه مأخوذ أساساً عن قصة لطرد الأرواح قيل إنها وقعت العام 1949.
وترشح الفيلم لعشر جوائز أوسكار فاز منها بجائزتين، ومن بين أبرز الأفلام التي تنتمي إلى هذه الأجواء "The Exorcism Of Emily Rose" وinsidious"" وunfriended"".
إذاً، أفلام الأرواح والأشباح والكائنات القادمة من عالم آخر ليست طوال الوقت خفيفة ومصنوعة للاستهلاك السريع، بل هي تقدّم بطريقة فنية عالية الجودة، كما أنها في أحيان كثيرة تحمل أبعاداً رومانسية حين يقع القادم الغريب في حب طرف آخر ينتمى كلية لعالم البشر الطبيعيين، وبينها فيلم "Meet Joe Black " لبراد بيت وأنتوني هوبكنز وكلير فورلاني و"City of Angels " لنيكولاس كيج وميغ رايان، و"Ghost Town " لريكي جيرفيه وغريغ كينير، وكريستين ويغ.
كسر حاجز الخوف
في المقابل، يرى أندرو أن العوالم الخفية في الأفلام تعتبر رائجة جداً ومتنوعة، وأفكارها الخيالية تتماشى مع أعمال كثيرة بينها سلسلة هاري بوتر، و"The Woman in Black" و"Lord of the Rings"، لافتاً أن فكرة الأرواح والأشباح والحديث إليها وتجسيدها أمر قد يكون منتشراً في الثقافة الأوروبية، ولكن الثقافة الأميركية استقدمتها وأنتجت من خلالها أعمالاً فنية كبرى، إذ أصبحت "ثيمة" الأماكن المهجورة المسكونة والكائنات الغامضة، أمراً راسخاً في خريطتها السينمائية.
ويشير إلى أن هناك أفكاراً شبيهة تم التطرق إليها من قبل في الأعمال العربية، وكلها تتعلّق بالمس الشيطاني، لكنها تقدم إطاراً ضيقاً مقارنة بالإنتاج العالمي.
ومن أبرز الأعمال التي قدمت خلال السنوات الأخيرة في هذا الإطار فيلم "الفيل الأزرق" ومسلسلات مثل "ساحرة الجنوب" و"زودياك" و"عندما يكتمل القمر" و"جن"، وفي ما يتعلق بالجماهيرية الكبيرة التي تحظى بها الأعمال الفنية الخيالية حول عالم الأرواح والغيبيات والأساطير، يؤكد الناقد الفني أن المشاهد يرغب في متابعة تلك النوعية من القصص، لأنها تكسر لديه حاجز الخوف من هذا العالم الغامض.