تلقّى الاقتصاد الإيراني ضربة موجعة قد تكون الأقوى، بعد إعلان الولايات المتحدة إلغاء الإعفاءات الممنوحة لـ8 دول تتلقى صادرات النفط، مما يفاقم الأوضاع التجارية والاجتماعية بالبلاد.
وتحلّ إيران في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، والمرتبة الرابعة من حيث احتياطيات النفط الخام المثبتة، ويسهم قطاع النفط بنسبة 80% من الاقتصاد المحلي، وينذر حظر الصادرات بدخول طهران في مرحلة كساد كبيرة تهدد بقاء النظام الإيراني.
وطالبت الولايات المتحدة الأميركية هذا الأسبوع أن يوقف مشترو النفط الإيراني وارداتهم بحلول أول مايو (أيار) أو يواجهوا عقوبات، في مسعى للوصول بصادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وحرمان النظام الإيراني من مصدر دخله الرئيس.
وحسب توقعات رصدتها "اندبندنت عربية"، يقترب الاقتصاد الإيراني من انهيار وشيك، إذ نجحت القرارات الأميركية في حظر النفط وتضييق الخناق على التدفقات الأجنبية، وهو ما يزيد معدلات التضخم والبطالة، ويؤدي إلى مزيد من نزيف العملة المحلية.
وشهد الاقتصاد الإيراني ضربات متوالية طالت قطاعات النفط والقطاعات المصرفية والمالية، الأمر الذي أعاد الاقتصاد إلى حالة من الركود لم تُجدِ السياسات الحكومية في الحد منه، مما دفع الاقتصاد الإيراني إلى الانكماش خلال عام 2018 بنسبة 3.9%، مقارنة بتوقعات نسبتها 1.5%.
انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة كبيرة في 2019
وفي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أبريل (نيسان) الحالي، توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة كبيرة بلغت 6% عام 2019، في أسوأ أداء له منذ تقلصه 7.7% عام 2012 بسبب الحظر الأميركي للنفط الإيراني وانخفاض عائدات النفط، وخفّض النقد الدولي بشدة تقديراته السابقة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول انكماش الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بشدة على النفط.
ويتأثر الاقتصاد الإيراني سلبيا من الخلافات الأميركية منذ الثورة حتى الآن، مما يعيق نمو الاقتصاد الإيراني، ولكن العقوبات الأخيرة قد تشكّل أكبر تهديد للاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بالبلاد، وتؤدي إلى انهيار محتوم للاقتصاد إذا طال أمد الأزمة.
ومنذ إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، فرضت حزما من العقوبات الاقتصادية على إيران، كان آخرها حظر بيع النفط الإيراني اعتبارا من الشهر المقبل.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرر عدم تمديد الإعفاءات التي تتيح لبعض مستوردي النفط الإيراني مواصلة الشراء دون مواجهة عقوبات أميركية عندما يحل أجلها في مايو.
وأضاف البيت الأبيض، في بيان الاثنين، أن الولايات المتحدة والسعودية والإمارات اتفقوا على التحرك في الوقت المناسب بما يكفل تلبية الطلب العالمي مع حجب النفط الإيراني عن السوق بشكل كامل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويريد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنهاء الإعفاءات الاستثنائية من العقوبات النفطية لوضع "الحد الأقصى من الضغوط الاقتصادية" على إيران من خلال وقف صادراتها وتقليص المصدر الرئيس لعائدات البلاد.
وقال ترمب في تغريدة على "تويتر"، الاثنين، إن أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) "سيعززون توازن السوق بعد الفرض التام للعقوبات ضد إيران".
ويرى مسؤولون في إدارة ترمب أن العقوبات الاقتصادية قد تفضي إلى حالة من الاحتقان يتحرك بموجبها الشارع الإيراني للضغط لتغيير سلوك النظام الذي لا تقول إدارة ترمب إنها بصدد السعي إلى تغييره، ولكن لتعديل سلوكه بالكفّ عن تدخلاته الإقليمية، ووقف البرنامج الصاروخي لطهران.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي منحت إدارة ترمب إعفاءات لإيران باستثناء 8 دول من قرار حظر تصدير النفط الإيراني، والتي جاء أبرزها إعفاء الصين بحد أقصى 360 ألف برميل يوميا، والهند بنحو 300 ألف برميل يوميا، وكوريا الجنوبية 200 ألف برميل يوميا، أما اليابان أكثر من 100 ألف برميل، وتتضمن القائمة أيضا إيطاليا وتركيا وتايوان واليونان.
والاستثناء المعمول به حالياً والمقرر وقف تنفيذه في 2 مايو (أيار) المقبل- بعد عام من انسحاب الولايات المتحددة من الاتفاق النووي- يسمح بالاستمرار في استيراد الخام من إيران دون التعرض للعقوبات الأميركية، ولكن مع نهاية تلك الاستثناءات فإن تلك الدول الـ8 قد يواجهون عزلهم عن النظام المالي الأميركي حال الاستمرار في عمليات الشراء.
وحسب بيانات منظمة البلدان المصدرة البترول "أوبك"، بقي إنتاج إيران النفطي عند أدنى مستوياته المسجلة مطلع 2015، البالغة 2.74 مليون برميل يومياً، مدفوعاً بالعقوبات الأميركية، وفي مارس(آذار) الماضي، بلغ إنتاج إيران النفطي 2.69 مليون برميل يومياً، منخفضاً من 2.743 مليون برميل يومياً فبراير (شباط) الماضي.
وتقود السعودية– أكبر مصدر للنفط بالعالم- تحالفاً يضم الإمارات للتنسيق مع الولايات المتحدة، للحفاظ على توازن الأسواق النفطية بعد التطبيق الكامل للعقوبات الأميركية ضد إيران.
وقبل الثورة الخمينية عام 1979، كانت إيران تنتج أكثر من 6 ملايين برميل يوميا، لكن الآن وبعد مرور 40 عاما تنتج إيران 2.69 مليون برميل، وسط رفض الشركات الدولية الاستثمار بالبلد الغني بالنفط في العقوبات الأميركية، إلا أن الشواهد تشير إلى انخفاض الإنتاج لمستويات أكبر.
تأثير جلي على تدهور العملة
وكان للعقوبات الأميركية تأثير جليّ على تدهور العملة الإيرانية (الريال)، وشهد العام الماضي اضطرابا في سوق الصرف، مما دفع الحكومة إلى توحيد سعري الصرف الرسمي والموازي في أبريل (نيسان) 2018، لكنها لم تفلح في تحقيق أهدافها بتهدئة الأسواق.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت إيران عزمها دراسة حذف 4 أصفار من عملتها المحلية "التومان" أو "الريال"، التي سجَّلت مستويات هبوط تاريخية خلال العام الماضي، بعد أن تراجعت بنحو حاد بعد أن وصل الدولار إلى سعر 193 ألف ريال بنهاية العام الماضي بالسوق السوداء، مقابل 42.9 ألف ريال في البنك المركزي.
وارتفع سعر السوق الموازية تحسبا لاستمرار النقص في الدولار الأميركي مع انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو (أيار) 2018. وبحلول أغسطس (آب) 2018، كان الريال الإيراني قد فقد 172% من قيمته على مدار 12 شهرا الأخيرة، حيث ارتفع سعر الصرف إلى أكثر من 100 ألف ريال مقابل الدولار. وقد أسهم ذلك في عودة معدل التضخم المحسوب إلى 24% في أغسطس 2018، وهو معدل لم تشهده البلاد منذ 2013.
وانخفض حجم التبادل التجاري الشهري بين إيران وأميركا إلى أدنى مستوى له منذ عام 2000، مع عدم تمكُّن طهران من تصدير أي شيء في يناير (كانون الثاني) 2019، بينما انخفضت واردات إيران من الولايات المتحدة إلى 4.5 مليون دولار.