ترتفع معدلات الفائدة العالمية، وأمامها طريق طويلة إضافية تقطعها. والسؤالان الوحيدان المطروحان هما بأي سرعة سترتفع وماذا سيعني ذلك لنا جميعاً حول العالم، أي مدى تأثّر قروض الرهن العقاري الخاصة بنا وضرائبنا ومدخراتنا وما إلى ذلك.
وإذا بدا ذلك مثيراً للجدال، فلنتأمل في هذا الأمر. بداية، في وسع المصارف المركزية في أنحاء العالم السيطرة على معدلات الفائدة القريبة الأجل، مع ملاحظة أنها تبقيها حاضراً قريبة من الصفر. وتجتمع لجنة السياسة النقدية التابعة لـ"بنك إنجلترا" هذا الأسبوع، وستؤكد بقاء المعدل الخاص به عند 0.1 في المئة. كذلك يجتمع "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي هذا الأسبوع وسيحافظ على معدل الفائدة على أمواله عند 0.1 في المئة. وفي الأسبوع الماضي، أبقى المصرف المركزي الأوروبي على معدل إيداعه عند مستوى يساوي ناقص 0.5 في المئة.
في المقابل، يتمثّل ما لا تستطيع المصارف المركزية فعله، في التحكم بمعدلات الفائدة البعيدة الأجل. إذ تستطيع التأثير فيها لكنها لا تسيطر عليها. يوم الجمعة الماضي، وصل معدل الفائدة على السندات البريطانية التي تستحق بعد 10 سنوات إلى 0.825 في المئة، وذلك مستوى منخفض جداً بالمعايير التاريخية لكنه يسجّل ارتفاعاً عن الـ0.2 في المئة المسجل في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2020.
وفي اليوم نفسه، بلغ معدل الفائدة على سندات الخزانة الأميركية [التي تستحق بعد عشر سنوات] 1.625 في المئة، بعدما سجّل 0.92 في المئة نهاية العام الماضي. وبالنسبة إلى السندات الألمانية التي تستحق بعد 10 سنوات، وصل معدل الفائدة الجمعة الماضي إلى ناقص 0.3 في المئة في مقابل ناقص 0.57 في المئة في 31 ديسمبر(كانون الأول) 2020. صحيح أنكم لا زلتم تضطرون إلى دفع المال إلى الحكومة الألمانية في مقابل الاستمتاع بإقراضها، لكن ليس بقدر ما كان عليكم أن تدفعوه قبل بضعة أسابيع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا فكرتم في ذلك الأمر، يبدو من السخف اضطراركم إلى دفع ثمن إقراض الحكومة. في المقابل، يتقبل الجميع ذلك الأمر. وفي الواقع، من العبث تقريباً إقراض حكومة في مقابل فائدة تبلغ 0.8 في المئة أو حتى 1.6 في ضوء هدف المصارف المركزية المتمثل بزيادة التضخم. واستطراداً، كلما ازداد نجاح المصارف المركزية في تحقيق هدفها، تتزايد خسارتنا نحن للأموال [المدفوعة ثمناً لسندات الفائدة الطويلة الأجل]. وعلى الرغم من ذلك، استطاعت المصارف تحقيق ذلك، ويرجع هذا جزئياً إلى أن لديها تفويضاً يمكنها من زيادة التضخم، وهو سلاح تعتقد بأنه سيساعد في تحقيق هذه الغاية، ويرجع جزئياً إلى أنها تريد خفض تكاليف خدمة جبال الديون الضخمة التي تتحملها الحكومات. وفي خضم التحذيرات من ارتفاع معدلات التضخم، كيف نحمي أنفسنا؟
بصورة عامة، تشكل أسواق السندات بالنسبة إلى أغلب الناس مخلوقات غامضة. في المقابل، تشير الزيادات في العوائد على مدى الأيام القليلة الماضية إلى أن قدرة المصارف المركزية على الاحتفاظ بعوائد السندات عند هذه المستويات المنخفضة للغاية، أصبحت ضعيفة. ومع تعافي الاقتصاد العالمي، ستصبح القدرة أضعف.
فماذا سيحدث إذاً؟ لا أحد يستطيع معرفة السرعة التي قد ترتفع بها معدلات الفائدة أو إلى أي مدى قد ترتفع. من ناحية أخرى، من السهل توقع ارتفاع تكاليف خدمة الدين الوطني. ففي المملكة المتحدة، أشار "مكتب مسؤولية الميزانية" قبل 10 أيام إلى أن الأوضاع المالية الحكومية أصبحت شديدة الحساسية للتغيرات في معدلات الفائدة، بسبب القفزات في حجم الدين وتقصير فترة استحقاقه. وفي الأرقام التقريبية، تضيف كل نقطة مئوية على معدلات الفائدة 20 مليار جنيه إسترليني (28 مليار دولار أميركي) أخرى إلى تكاليف خدمة الدين. ويعادل ذلك تقريباً عوائد الرسوم على التبغ والكحول مجتمعة.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، ثمة مبالغ هائلة على نحو مذهل إلى حد يجعل أفضل طريقة للتفكير في تكاليف الفائدة يتلخص ببساطة في الإشارة إلى أن الحكومة الفيدرالية تنفق حوالي ثمانية في المئة من ميزانيتها على فائدة الدين. ومن الصعوبة بمكان تحمّل التفكير في الأثر الذي قد تخلفه عودة معدلات الفائدة إلى مستوياتها الطبيعية. وربما لهذا السبب، يبدو الناس كأنهم لا يفكرون كثيراً في تكاليف حزمة التحفيز التي بلغت 1.9 تريليون دولار أميركي وأقرها الكونغرس أخيراً.
وتذكيراً، يؤدي ارتفاع معدلات الفائدة إلى زيادة تكاليف خدمة الدين الوطني، لكنه يؤدي أيضاً إلى زيادة تكاليف خدمة الدين الشخصي. إذاً، ما الذي سيفعله ذلك بالنسبة إلى معدلات قروض الرهن العقاري، وبالتالي أسعار البيوت؟ لقد عمدت أخيراً شركة "هابيتو" التي تعمل في توفير القروض للمستهلكين، إلى إطلاق قروض عن الرهون العقارية، مدتها 40 سنة ونسبة الفائدة عليها 2.99 في المئة. لا أعرف أبداً إذا كان تثبيت معدل الفائدة فترة طويلة كهذه فكرة جيدة، لكنها تبين فعلاً كيف أن هذه الأموال المتدفقة كلها تمكن المُقرضين من تقديم قروض بآجال استحقاق بعيدة للغاية.
إذا نظرنا إلى المستقبل، نرى أن المصارف المركزية ستكافح من أجل خفض معدلات الفائدة. وسيعتمد مدى نجاحها على أمر واحد هو مستقبل التضخم. لم يكن لدى عديد من العاملين الآن خبرة عملية بالتضخم المكوّن من رقمين في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. وفي الولايات المتحدة، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك 15 في المئة قبل أن يعود "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" إلى السيطرة عليه. وفي المملكة المتحدة، لامس ارتفاع مؤشر أسعار التجزئة 25 في المئة في واقع الأمر.
وفي نهاية المطاف، سحقت معدلات الفائدة التي بلغت 10 في المئة تلك الزيادات. لا أقترح أننا سنعود إلى هناك. في المقابل، حتى التضخم "العادي" يخلف أثراً هائلاً على مر السنين. ولدى "بنك إنجلترا" آلة حاسبة مفيدة لقياس التضخم. لقد تحققتُ من القيمة التي ستساويها 10 جنيهات 1997، السنة التي أصبح فيها توني بلير رئيساً للوزراء، في العام 2020. وجاءت النتيجة 18.61 جنيه. واستناداً إلى ذلك، فقد تضاعفت الأسعار تقريباً في أقل من 25 سنة. وكم بلغ معدل الفائدة في "بنك إنجلترا" نهاية عام 1997؟ لقد بلغ 7.25 في المئة.
ترقبوا ارتفاع معدلات الفائدة.
© The Independent