للحظة وجيزة في شهر يوليو (تموز) المنصرم، فقدت منصة "تويتر" السيطرة على مقدار لا يمكن تحديده من قدرتها، وذلك عندما قام ثلاثة شبان بقرصنة حسابات باراك أوباما وجو بايدن وإيلون ماسك وبيل غايتس وكانيي ويست ومايكل بلومبيرغ وشركة "آبل".
لحسن الحظ لم يستخدم المقرصنون تلك الحسابات إلا لمحاولة تنفيذ عملية احتيال بالعملة الرقمية وسحب مبالغ منها. على أن ما كان يمكن أن يفعله أولئك الشبان، يتجاوز هذا بكثير. فحسابا رئيس أميركي سابق ونائب للرئيس الأسبق (صار رئيساً) كان يمكن لهما بسهولة أن يتسببا بأزمة دولية. كما كان يمكن لبضع تغريدات من حسابَي بيل غايتس وشركة "آبل" أن تقلب سوق الأسهم وفق أهواء المقرصنين.
والأحكام المستحقة التي توجّه اتهامات بالاحتيال الرقمي والتآمر لأولئك الأفراد، تأتي متزامنة هذه الأيام مع احتفال "تويتر" بالذكرى السنوية الـ 15 لإطلاقها. ولو قمنا في الإطار بمراجعة تاريخ المنصة، يمكننا في الحقيقة أن نكوّن فكرة عن مدى سوء الحال الذي كان يمكن بلوغه. كما يمكننا تكوين فكرة عن مقدار السلطة التي تتمتّع بها فعلياً منصة "تويتر".
والعالم سبق له أن أُجبر على تحمّل التغريدات الحربية التي كان يطلقها الرئيس دونالد ترمب إبان ولايته، إذ رفضت المنصة في حينها إقفال حسابه، وهي لم تفعل ذلك إلا قبل 11 ساعة من مغادرته السلطة. في المقابل، جرى مراراً وتكراراً انتقاد إيلون ماسك لتلاعبه بسوق الأسهم عبر حوالى 280 حرفاً [عدد أحرف التغريدة على "تويتر"]. لذا يمكن القول إن الحظ فقط، وليس القرارات المدروسة، هو من حمى "تويتر" من تكبّد عواقب التقاعس وعدم الاضطلاع بالمسؤوليات.
قال أرسطو مرة، "أعطوني رافعة ونقطة ارتكاز وسوف أحرك لكم كوكب الأرض". في كل يوم، تبدو تلك الرافعة، أكثر وأكثر، أقرب إلى رمز العصفور الأزرق الصغير، إذ إن هذه المنصة انتقلت من أصولها المتواضعة، كفضاءٍ اجتماعي للتبادل العشوائي في الأفكار والصور غير المؤذية، إلى وضعيتها أو مكانتها الراهنة اليوم التي لا يمكن تجاهل أهميتها. وعلى الرغم من المرونة الظاهرة تجاه مسألة إزالة "السموم الرقمية" (digital detox)، أو الفهم المفارق البادي من أغزر ملصقات "تويتر"، المشيرة إلى أن أفضل فعلٍ قد يُقدم عليه المرء يتمثّل في عدم التغريد أبداً، فإن ما يمكن استنتاجه هو أن الابتعاد من الآلة ممكن، لكن ليس مما يُحاك عليها. لأن تاريخ "تويتر" هو تاريخ ثقافة تتحرّك.
فكرة استخدام وسائط التواصل الاجتماعي لغايات ثورية لم تكن عام 2011 منتشرة على نطاق واسع بعد، إلى أن امتدت أمواج الربيع العربي في أنحاء العالم. وقد كتب أحد الناشطين آنذاك على "تويتر"، مغرداً: "نحن نستخدم فيسبوك لبرمجة التظاهرات، وتويتر لتنسيقها، ويوتيوب لإبلاغ العالم [بتحرّكاتنا]".
منذ ذلك التاريخ نشأت حركات مثل "أنا أيضاً#" #MeToo و"حياة السود مهمّة" Black Lives Matter بالاعتماد على وسائط التواصل الاجتماعي، إذ تتضافر قصص الأفراد كي تكشف عما يسود من ممارسات جائرة. وقد شكّلت منصة "تويتر" في هذا الإطار، مرة تلو الأخرى، أداة تعتمدها الشرائح الاجتماعية الصغيرة للتضامن وإيصال صوتها إلى المؤسسات التي تفشل في تمثيلها والتعبير عنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن على الرغم من هذا، وإن كانت ثمة رسالة ينبغي فهمها بغضّ النظر عن التأثير الكبير لمنصة "تويتر" في المجتمع طوال الـسنوات الـ15 الماضية، فهي هذه: نحن لم نكن مستعدين لـ"تويتر". وما زلنا إلى الآن غير مستعدين لها، كما أننا لم نُعدّ العدّة لما سيأتي.
ومنصة "تويتر" في تجربتها راكمت 315 مليون مستخدم حول العالم، ما يشكّل عدداً أقل بكثير من الـ 700 مليون شخص الذين يستخدمون "تيك توك"، وعدداً ضئيلاً جدّاً مقارنة بالملياري شخص الذين يستعملون "يوتيوب"، والثلاثة مليارات شخص الذين يستخدمون "فيسبوك". إلا أن "تويتر" في الأشهر القليلة الماضية، غدت آخر تطبيق يتبنّى القرار الابتكاري المستحدث، والقاضي باستنساخ منشورات وقصص "سنابتشات" Snapchat، كما أعلنت عن إمكانية الاشتراك في خدمتها، وأطلقت غرف محادثات صوتية لمواجهة [منافسة] "كلوبهاوس" Clubhouse. لذا، يمكن القول إن لـ"تويتر" قدرة على النمو والتقدم، خصوصاً إذا ما اعتمدت الشركة مزايا جديدة مألوفة بالنسبة إلى مستخدميها الراهنين.
لكن أمام تنامي القدرة والإمكانات، تتعاظم المسؤولية. وهكذا تغدو قدرة منصة "تويتر" باعتبارها مصدراً أوّلاً للأخبار والسياسة والثقافة، معرّضة أكثر للشوائب عبر الخوارزميات المفصلة على [هوى] الحسابات والاستخدامات الشخصية وعبر إخفاقات آليات النظراء في التدقيق بالحقائق، وهاتان ميزتان إضافيتان تطمح المنصة إلى اعتمادهما. فالأمر لا يقتصر فقط على انتشار الأخبار الزائفة بتسارع أكبر من انتشار الحقيقة، بل هو يتعلق بحال "تويتر" كأداة للمؤثرين الطامحين لتغيير العالم، والمفتقرة في الوقت عينه إلى طريقة حسّية يُحسب حسابها من خلالها، على أن التعامل مع هذا الأمر يزداد صعوبة كلما تعاظم حجم المنصة.
جاك دورسي قال مرة "ها أنا أنشئ حساباً على تويتر"، مفتتحاً صفحة جديدة في [تاريخ] وسائط التواصل الاجتماعي. اليوم بعد خمسة عشر عاماً، التغريدة هذه لا تزال نضرة [سارية المفعول] ومنصة "تويتر" ما زالت قيد الإعداد والإنشاء.
© The Independent