أعلنت هيئة قناة السويس، الخميس 25 مارس (آذار)، أنها أوقفت حركة الملاحة في القناة مؤقتاً، بينما قالت الشركة المشغلة لسفينة الحاويات العملاقة التي جنحت في القناة إنه ستكون هناك محاولة أخرى لتعويم السفينة في وقت لاحق اليوم بعد أن باءت محاولة سابقة بالفشل.
وتستمر منذ ثلاثة أيام جهود تعويم سفينة "إيفر غيفن" التي يبلغ طولها 400 متر، وتعمل ثمانية زوارق قطر على تعديل وضعها. وتعوق السفينة الآن حركة الملاحة في كلا الاتجاهين، في واحد من أكثر ممرات شحن السلع والنفط والحبوب والمنتجات الأخرى ازدحاماً في العالم، والذي يربط بين آسيا وأوروبا.
وأوضحت شركة "برنارد شولت شيب مانجمنت" (بي أس أم) المشغلة للسفينة، في بيان، أن عمليات تجريف الرمال للمساعدة في التعويم مستمرة.
وأضافت، "باءت محاولة أخرى لتعويم السفينة في حوالى الساعة 08:00 بالتوقيت المحلي هذا الصباح بالفشل، وستكون هناك محاولة أخرى في وقت لاحق اليوم". وتابعت، "بمجرّد تعويمها، ستخضع السفينة لفحص كامل وستتعاون الشركة بشكل كامل مع السلطات المختصة في إعداد التقارير عن الحادث".
فريقان محترفان يشاركان في الإنقاذ
شركة "إيفر غرين" التايوانية المستأجرة لسفينة الحاويات الجانحة، قالت بدورها الخميس، إن الشركة المالكة للسفينة كلّفت فريقي إنقاذ محترفين، هما "سميت سالفدج" من هولندا و"نيبون سالفدج" من اليابان، بالعمل جنباً إلى جنب مع قبطان السفينة وهيئة قناة السويس لوضع خطة أكثر فاعلية لإعادة تعويم السفينة.
وقالت الشركة في بيان، "إيفر غرين لاين ستواصل التنسيق مع الشركة المالكة للسفينة وهيئة قناة السويس للتعامل مع الموقف بأقصى درجة من السرعة لضمان استئناف الرحلة في أسرع وقت ممكن وللتخفيف من وطأة تبعات الواقعة".
وتابعت، "ولأن السفينة مؤجّرة، فإن المسؤولية عن النفقات التي تتمّ خلال عملية استعادتها وحقوق الأطراف الثالثة وأي تكلفة لإصلاحات (إن وجدت) تقع على عاتق المالك".
وأوضحت هيئة قناة السويس أنها درست خيار الحفر حول السفينة الجانحة خلال اجتماع مع فريق إنقاذ هولندي.
توقيف الملاحة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي قت سابق الخميس، أوضحت الهيئة، في بيان، أنها أوقفت حركة الملاحة في القناة مؤقتاً، وأن السفينة "إيفر غيفن" جنحت، صباح الثلاثاء، وهو ما "يعود بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظراً لمرور البلاد بعاصفة ترابية... مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها".
وقالت الهيئة، "تتم عمليات الإنقاذ الحالية من خلال إدارة التحركات بالهيئة وبواسطة ثماني قاطرات أبرزها القاطرة (بركة 1) بقوة شد 160 طناً، حيث يتم الدفع من جانبي السفينة وتخفيف حمولة مياه الاتزان لتعويم السفينة واستئناف حركة الملاحة بالقناة".
وأضافت، "حركة الملاحة بالقناة شهدت، أمس الأربعاء، عبور 13 سفينة من بورسعيد ضمن قافلة الشمال كان من المستهدف إكمال مسيرتها في القناة... إلا أنه مع تواصل أعمال تعويم السفينة كان لا بد من التحرك وفق السيناريو البديل بالانتظار بمنطقة البحيرات الكبرى لحين استئناف حركة الملاحة بشكل كامل بعد تعويم السفينة".
"المسألة قد تستغرق أسابيع"
وأبطأ انخفاض المد أثناء الليل جهود تعويم السفينة. وذكر بيتر بيردوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة "بوسكاليس" الهولندية التي تحاول تعويم السفينة، أنه من السابق لأوانه تحديد المدة التي قد تستغرقها المهمة. ووقال لبرنامج يبثه التلفزيون الهولندي، "لا يمكننا استبعاد أن المسألة قد تستغرق أسابيع... بحسب الوضع".
وأضاف بيردوفسكي أنه رُفعت مقدمة السفينة ومؤخرتها على جانبي القناة. ومضى قائلاً، "الأمر يشبه جنوح حوت ضخم على الشاطئ. إنه وزن هائل على الرمال. قد نضطر إلى الجمع (في مهمتنا) بين تقليل الوزن عن طريق نقل الحاويات والزيت والمياه من السفينة، إضافة إلى زوارق القطر وجرف الرمال".
وقالت شركة "ليث إيجنسيز"، مزوّد الخدمات في القناة، إن 156 سفينة وناقلة وحاوية تتجمّع عند طرفي القناة، ومنها حاويات كبيرة أخرى وناقلات نفط وغاز وسفن نقل حبوب، مما خلق واحدة من أسوأ وقائع اختناق حركة الشحن في سنوات. وأضافت أن ثلاث سفن جرى إخراجها من القناة.
الرياح وحجم السفينة
وقالت شركة "برنارد شولت شيب مانجمنت" (بي أس أم)، التي تتولى الإدارة الفنية للسفينة "إيفر غيفن"، إن الجرافات تعمل على إزالة الرمال والطين من حول السفينة لتعويمها، بينما تعمل زوارق القطر مع الرافعات الموجودة على السفينة لتحريكها.
وأصدرت شركة "وكالة الخليج مصر المحدودة للملاحة" (جي أيه سي)، مذكرةً لعملائها، الأربعاء، قالت فيها إن جهود تعويم السفينة باستخدام زوارق قطر مستمرة، لكن ظروف الرياح وحجم السفينة الكبير "يعرقلان العملية".
واعتذرت شركة "شوي كيسن كايشا" اليابانية، التي تملك سفينة الحاويات العالقة في قناة السويس، الخميس، وقالت إنها تواجه "صعوبة قصوى" في تعويمها.
وأوضحت الشركة على موقعها الإلكتروني، "بالتعاون مع السلطات المحلية وشركة (برنارد شولت شيب مانجمنت) نحاول تعويم السفينة لكننا نواجه صعوبة قصوى". وأضافت، "نتقدم بأصدق الاعتذارات للقلق اللاحق بالسفن في قناة السويس وتلك التي تخطط للإبحار فيها".
ويظهر نظام تحديد المواقع "جي بي أس" الخاص بالسفينة، أنه لم يطرأ سوى تغيرات طفيفة على وضع "إيفر غيفن" في الساعات الـ24 الماضية.
أهمية القناة
ويمر نحو 30 في المئة من حاويات الشحن في العالم يومياً عبر قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومتراً، ونحو 12 في المئة من إجمالي التجارة العالمية لجميع السلع.
ويقول خبراء شحن، إنه إذا لم يحل الاختناق في حركة الملاحة بالقناة خلال 24 إلى 48 ساعة، فقد تضطر بعض شركات الشحن إلى جعل سفنها تسلك طريق رأس الرجاء الصالح عبر حافة أفريقيا الجنوبية، وهو ما يطيل مدة الرحلة أسبوعاً تقريباً.
وقالت شركة الاستشارات "وود ماكينزي"، إن الأثر الأكبر يقع على نقل الحاويات لكن هناك أيضاً 16 ناقلة تحمل النفط الخام والمنتجات البترولية من المقرر أن تمر عبر القناة وتعطلت بسبب الحادث.
وقالت الشركة، إن حمولة السفينة تبلغ 870 ألف طن من الخام، و670 ألف طن من منتجات النفط مثل البنزين والنافتا والديزل.
وقال أونغ يي كونغ، وزير النقل في سنغافورة، أكبر مركز لإعادة الشحن في العالم، إن تعطّل الملاحة بقناة السويس قد يعرقل مؤقتاً الإمدادات إلى المنطقة.
وأضاف الوزير في منشور على "فيسبوك"، "إذا حدث ذلك، ستصبح بعض عمليات السحب من المخزونات أمراً ضرورياً". وأضاف أن "بي إس إيه"، المشغلة للموانئ في سنغافورة، قد تشهد ارتباكاً في الجداول عندما تغيّر شركات الشحن مسارات الرحلات. وقال، "سيتعيّن عليها التخطيط مسبقاً وضمان استمرار مضي العمليات بسلاسة".
كما قالت شركة "مارسك" العملاقة للشحن، في مذكرة إرشادية لعملائها، إن لديها سبع سفن متأثرة بتعطل الملاحة في قناة السويس.
أزمة الحاويات العالمية تتفاقم
ويواجه قطاع الشحن تحدياً يتمثل في أن أكثر من 30 سفينة حاويات تعجز عن الإبحار بعد جنوح السفينة "إيفر غيفن".
وقالت مصادر في قطاع الشحن لـ "رويترز"، إن توقف حركة المرور بقناة السويس يؤدي إلى تفاقم مشكلات خطوط النقل البحري التي تواجه اضطراباً وتأخيرات في توريد السلع للمستهلكين.
وتعاني شركات شحن الحاويات التي تنقل شتى بضائع متاجر التجزئة من الهواتف المحمولة والملابس إلى الموز، منذ شهور بسبب جائحة فيروس كورونا وزيادة الطلب، مما زاد نقاط الاختناق في قطاع الخدمات اللوجستية في أنحاء العالم.
وقالت كبيرة الاقتصاديين في "آي.إن.جي"، جوانا كونينجز، "في الوقت الذي تتعرض فيه سلاسل الإمداد لضغوط، تغلق سفينة حاويات ضخمة واحداً من المسارات الرئيسة للتجارة العالمية، ومع عكوف هيئة قناة السويس على تحرير القناة يزداد التكدس، ومدخلات الإنتاج العالقة ستؤثر في سلاسل الإمداد".
وأعلنت "إم.إس.سي" السويسرية، ثاني أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم، أن جميع سفن الحاويات الرئيسة تأثرت بالتوقف في قناة السويس.
وكشفت في بيان عن أنها "كمستخدم منتظم للقناة، تتابع الموقف عن كثب لمعرفة التطورات في حال الحاجة إلى أي خطط طوارئ للأسطول أو شبكة الخدمات، ولمعرفة مدى تأثر دورة الحاويات في سوق تواجه صعوبات".
وأضافت، "على زبائن إم.إس.سي الذين ينتظرون شحنات عبر القناة في الأيام المقبلة الاستعداد لتغييرات محتملة في الخطط".
وقالت مصادر تجارية في قطاع الشحن إن التأثير في نقل البضائع من المصنعين في آسيا إلى المشترين في أوروبا قد يزيد، وذلك اعتماداً على مدى استمرار التأخيرات في قناة السويس.
ولفت المتحدث باسم ميناء روتردام، أكبر منافذ أوروبا، ليون ويلمز، إلى أن الطلب على الخدمات اللوجستية كان يفوق القدرة من قبل واقعة قناة السويس.
وتابع، "جميع موانئ غرب أوروبا ستتأثر. مضت الآن 48 ساعة ونأمل من أجل جميع الشركات والمستهلكين انتهاء ذلك قريباً، وعندما تصل هذه السفن إلى أوروبا ستكون هناك حتماً أوقات انتظار. لدينا مساحات كبيرة لكن عدد أحواض السفن والرافعات لتفريغ هذه البضائع محدود".
أما أنتويرب، وهو ميناء رئيس آخر في أوروبا، فيواجه بالفعل منذ شهور زيادة في الوقت اللازم لتقديم الخدمات اللوجستية للحاويات، بحسب ما قال رئيسه التنفيذي جاك فاندرمايرن لـ "رويترز".
وقال، "يعاني الجميع عندما تواجه اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية".
اكتظاظ أميركي
وفي الأثناء، فإن أي تأخيرات عالمية أخرى ستسبب مزيداً من الضغوط على الموانئ الأميركية التي تعاني بالفعل تأخراً في مناولة أكثر من 90 سفينة، وفق مصادر في قطاع الشحن.
وخلال الأسابيع الماضية، أفادت بيانات من "ستاندرد أند بورز جلوبال بلاتس كونتينرز" أن كلفة شحن البضائع من آسيا إلى الساحل الشرقي الأميركي ارتفعت إلى أكثر من 5 آلاف دولار لكل وحدة مكافئة طول 40 قدماً، مقارنة مع ألفين و775 دولاراً في مارس من العام الماضي. وارتفعت أيضاً أسعار الشحن إلى الساحل الغربي.
وخلص تحليل أجرته منصة الخدمات اللوجستية "بروجكت-44" إلى أن سفن الحاويات تواجه أوقات انتظار وتفريغ أطول في موانئ الساحل الغربي، مقارنة مع أي مكان في الولايات المتحدة أو في أنحاء العالم.
ويقول المحللون إن موانئ الساحل الشرقي الأميركي أكثر انكشافاً على أي اضطرابات في قناة السويس من موانئ الساحل الغربي.
وأعلنت متحدثة باسم ميناء نيويورك ونيوجيرزي على الساحل الشرقي أنه ليس هناك تأثير حتى الآن، لكن تجري متابعة الوضع عن كثب.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "سي- إنتليجنس" للتحليلات، آلن ميرفي، إن "استمرار الإغلاق في قناة السويس سيتسبب في تفاقم العجز العالمي الحالي في خدمات الحاويات، إذ من غير الممكن إعادة الحاويات العالقة مع السفن إلى آسيا لاستخدامها في شحنات جديدة، وبالتالي قد يؤدي هذا إلى مزيد من الارتفاع في أسعار الشحن التي تبلغ بالفعل مستويات غير مسبوق، إذ يتسابق المصدرون للحصول على القليل المتبقي من الحاويات الفارغة".