في الأسبوع الأول من فصل الربيع من كل عام، تنطلق الفعالية البيئية في منطقة جازان، جنوب السعودية، إلا أن أبرز ما تتضمنه الفعالية هو ذلك المكان الذي يجتمع فيه مزارعو البن من كل جبال جازان ليعرضوا محصولهم في "مهرجان البن الخولاني"، إذ تفوح رائحة القهوة من بين مناكب جبال السروات في جنوبه الأقصى، بالتزامن مع موسم الحصاد السنوي، وترتفع أصوات المطاحن اليدوية النحاسية، وتشعل أفران المحامص المحلية في منازل جازان، وحافظاتها الجبلية.
الذهب الأخضر
يستمد البن الخولاني اسمه من نسب القبائل التي تسكن على التراب الوحيد القادر على إنبات البن في السعودية، إذ تشترك معظم قبائل جبال تلك المناطق في نسب واحد، يعود بها إلى خولان بن عامر، وهو ما تتشاركه مع عدد من قبائل اليمن، التي امتهنت زراعة البن هي الأخرى.
وتنظم محافظة بني مالك نسخ المهرجان، لكونها الأكثر غزارة في الإنتاج، حيث أسهم المهرجان عبر نسخه السابقة في التعريف بالمزارع المحلية والتوسع في زراعته واستثمار محصوله ذي الجودة العالية.
وقدم المهرجان هذا العام "124" مزارعاً، كان من ضمنهم يحيى المالكي، الذي وصف منتجه الذي يزرعه بـ"الذهب الأخضر". ويضيف "إن كان النفط هو الذهب الأسود، فالبن الخولاني هو الذهب الأخضر، هذا البن هو من أجود الأنواع في العالم، وبخاصة بعد أن بدأنا نستخدم تقنيات الزراعة المختصة للقهوة في وقت البذر والحصاد وأسلوب التجفيف".
وتنظر سلطات المنطقة إلى المنتج الزراعي الجبلي نظرة خاصة في الآونة الأخيرة، إذ قدمت هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان "أكثر من 344.000 شتلة بن للمزارعين، من محطة الأبحاث الزراعية بالهيئة وتوزيعها منذ عام 2016، وحتى نهاية العام الماضي"، ضمن مبادرة "أرامكو" لتأهيل المدرجات الزراعية ومبادرة الهيئة لتوصيل الشتلات للمزارعين، بحسب أمارة منطقة جازان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلق يحيى الفيفي، مشارك في تطوير المدرجات الزراعية، أن "مشروع التأهيل قدم للمزارعين شتلات وخزانات لحفظ مياه الأمطار في موسم الشتاء، بالإضافة إلى إرشادات حول أساليب الزراعة السليمة"، إلا أنه واجه مقاومة من قبل المزارعين الذين رفضوا تلقي الإرشاد في بادئ الأمر قبل أن يقبلوا به مع الوقت.
معضلة التسويق
ووفقاً لإحصاءات هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية، فإن عدد مزارعي البن وصل وفق آخر إحصاء في 2020 إلى 1060 مزارعاً، منهم 657 مزارعاً في محافظة الداير يشكلون نحو 62 في المئة من مزارعي البن في المحافظات الجبلية، التي تشمل إلى جانب الدائر في بني مالك، محافظات فيفا والريث والعيدابي والعارضة وهروب، فيما بلغ عدد أشجار البن 171.384 شجرة، منها 122.455 شجرة في محافظة الداير بنسبة 71 في المئة، في حين بلغ متوسط الإنتاج السنوي 369.752 كيلوغرام، إلا أن هذا الإنتاج على الرغم من محدوديته مقارنة بحزام البن العالمي ما زال يواجه أزمة تسويقية، وهو ما تسعى الغرفة التجارية بالمنطقة لمعالجته من خلال تسليط الضوء على مكامن الثروة النباتية التي تعد قهوتها كنزها الأثمن، من خلال إرسال الدعوات لعدد من المستثمرين ورجال الأعمال في السعودية للاطلاع على الفرص الزراعية في المنطقة الخصبة، إذ قال جبران الريثي، وهو أحد مزارعي البن المشاركين في المهرجان، إن "مزارع البن المحلية في جازان تعاني مشكلة رئيسة، وهي نقص التسويق للمنتج الذي نزرعه، إذ يسد السكان المحليون ثغرة الأيدي العاملة، في حين يوفر المناخ الماطر في منطقة جازان ما يكفي من المياه للري، إلا أن عملية التسويق التي لا يجيدها ملاك المزارع هي المشكلة الرئيسة".
وأضاف "يشكل هذا المهرجان والمبادرات المشابهة فرصة تسد جزءاً من الثغرة التسويقية، إلا أننا نطمح بعمل أكثر لإيصال منتجاتنا إلى أسواق المدن الكبيرة، أسوةً بالمنتج المستورد من أفريقيا وأميركا اللاتينية".
ويأتي هذا المهرجان ضمن هذه المساعي، لاستثمار التربة الوحيدة القادرة على إنتاج البن في السعودية، والاستثمار في تطويرها بكميات تجارية.