ملخص
لا يزال وضع روسيا في سوريا بعيداً من أن يكون حرجاً، لكنها لا تستطيع تجنب بعض الصعوبات. فهذا البلد العربي لم يصبح فقط نقطة انطلاق آمنة للقوات الروسية، بل إنه يولد أزمات بصورة متزايدة وإن كانت محلية في الوقت الحالي.
فجأة وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه أمام جبهة منسية تفتح في وجهه داخل سوريا من دون سابق إنذار، وشكل اشتعال هذه الجبهة خلال هذا التوقيت بالذات مشكلة أخرى خطرة للغاية بالنسبة إلى روسيا، المنشغلة بكيفية الرد على إجازة الدول الغربية لأوكرانيا ضرب أراضيها بالصواريخ الثقيلة التي زودوها بها.
وعلق متخصصون على احتدام المعارك في سوريا بالقول، إنه "قبل يومين تعطلت جميع خطط فلاديمير بوتين للأشهر المقبلة وبخاصة الخطط العسكرية، بسبب التطورات غير المتوقعة في الشرق الأوسط".
وفي الواقع، تم الآن في الشرق الأوسط وداخل سوريا بالتحديد فتح جبهة ثانية ضد الجيش الروسي. وبينما سارعت موسكو للتفكير برد فعلها المناسب والحازم على هذا الوضع، فإن الجو السائد في العاصمة الروسية يشير إلى أنه لا توجد خيارات جيدة للرد، أو خيارات جيدة بصورة عامة لمزيد من الإجراءات أمام فلاديمير بوتين في هذا الموقف. وكل شيء سيئ للغاية.
حراك دبلوماسي يسابق العسكري
تدهور الوضع في سوريا للمرة الأولى منذ خمسة أعوام واستمرار القتال بين القوات الحكومية بدعم من القوات الجوية الروسية والجماعات المسلحة منذ أيام عدة، دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للاتصال هاتفياً بنظيره التركي هاكان فيدان أمس الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومناقشة الوضع معه في سوريا والإعراب له عن قلقه في شأن التصعيد العسكري داخل حلب وإدلب.
وأوضحت الدائرة الدبلوماسية الروسية أن الأطراف أكدت ضرورة تنسيق الإجراءات المشتركة من أجل استقرار الوضع في الجمهورية العربية السورية، وذلك باستخدام إمكانات "صيغة أستانا" في المقام الأول.
وأفادت وزارة الخارجية الروسية في اليوم نفسه أن الوزير لافروف بحث كذلك الوضع في سوريا مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وأعرب الطرفان عن دعمهما لسيادة الجمهورية العربية السورية. وقالت الوزارة في تقريرها عن المحادثة أمس إن "الجانبين أعربا عن قلقهما البالغ إزاء التصعيد الخطر للوضع في سوريا في ما يتعلق بالتوغل الإرهابي لجماعات مسلحة في محافظتي حلب وإدلب".
وأوضحت الوزارة أن الأطراف أكدت دعمها لسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها، واتفق الوزراء على ضرورة تكثيف الجهود المشتركة الرامية إلى استقرار الوضع في سوريا وإجراء مراجعة شاملة عاجلة له وفق إطار "صيغة أستانا".
ووصف "الكرملين" الهجوم الواسع النطاق الذي شنته الجماعات المسلحة بأنه تعد على سيادة الجمهورية العربية السورية، ولمح في الوقت نفسه إلى مشاركة مسلحين أجانب إلى جانب المهاجمين. إضافة إلى ذلك لفتت موسكو الانتباه إلى حقيقة أن أوكرانيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، تقوم بتدريب المسلحين في سوريا للسيطرة على الطائرات من دون طيار للقتال ضد القوات المسلحة الروسية في ذلك البلد.
شكوك روسية في دور تركي
ترى الأوساط الروسية أن فشل محاولات موسكو تحقيق مصالحة بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الآونة الأخيرة، بسبب تجنب الرئيسين هذا الحوار تحت ذرائع مختلفة في انتظار وصول ترمب إلى البيت الأبيض على ما يبدو، أسهم في اندلاع قتال شرس بعد هدوء استمر قرابة خمسة أعوام، إذ إن أنقرة لا تكتفي فقط بمراقبة مسار الأحداث، لكن من المحتمل أيضاً أن تكون شاركت في أعمال قتالية داخل منطقة إدلب الخاضعة لسيطرتها بموجب "اتفاقيات أستانا".
ويعتقد المتخصصون الروس أن المسلحين ليس لديهم الآن ما يكفي من القوات والمعدات للاحتفاظ بحلب إذا تم الاستيلاء عليها، إلا بمساعدة مباشرة وفعلية من القوات التركية وتلك الموالية لها أو التي تستطيع تجنيدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المحلل العسكري الروسي أندريه سيميونوف إن الأمر كان غير متوقع بالنسبة إلى المسلحين، وهم لا يعرفون في أي اتجاه يتحركون لأن الجبهة انهارت، وانفتحت أمامهم مساحة للمناورة العملياتية. موضحاً أنهم لم يتوقعوا أن تنهار الجبهة وأن يكون هناك مثل هذا النجاح.
وأضاف أن من غير المرجح أن الهجوم بدأ على الفور تقريباً بعد أن قررت إسرائيل و"حزب الله" إعلان الهدنة. ولم يستبعد أن يكون الثوار فعلوا ذلك حتى لا "يتهمون لاحقاً بفتح جبهة ثانية لدعم إسرائيل".
وتابع "إذا نظرت إلى الأمر في سياق أوسع، فليس من قبيل الصدفة أن تتزامن زعزعة الاستقرار في سوريا مع اتفاق السلام بين إسرائيل ولبنان. وبالمناسبة أثارت إسرائيل ذات مرة مسألة التحكم في توريد الأسلحة والموارد عبر سوريا إلى ’حزب الله‘ في لبنان. وإذا كان الوضع في سوريا غير مستقر فبالطبع سيتم إنهاء هذه الفرص. أي إن هناك أيضاً لاعبين خارجيين هنا. من ثم تظهر نقطة خطرة ومثيرة للقلق في الاتجاه السوري".
كيف يمكن أن تتأثر روسيا؟
يقول سيميونوف إنه "إذا اتبعنا في الوضع الحالي روح ونص تحالف أستانا فقط (الذي يضم روسيا وتركيا وإيران)، فيجب على موسكو أن تتفق مع أنقرة على مزيد من الإجراءات بما في ذلك العسكرية، واتخاذ قرار في شأن مشاركتها في هذا الأمر".
ويشير إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن الكيفية التي سيغير بها هجوم المسلحين ميزان القوى في المنطقة، بما في ذلك بين روسيا وتركيا داخل سوريا.
ويعد أنه "لا يوجد مستوى من التصعيد بحيث يصبح من الممكن الآن استخلاص مثل هذه الاستنتاجات. وهناك عديد من سيناريوهات تطور الأوضاع وعديد من الأمور المجهولة. إذا استولوا على حلب فسيكون ذلك بالطبع بمثابة ضربة خطرة، وإذا تم تطبيع كل شيء بسرعة فسيكون هذا سيناريو مختلفاً".
وبحسب المحلل العسكري سيرغي تاراسوف فقد أصبح من المستحيل الآن التنبؤ بتصرفات أنقرة، مشيراً إلى أن الوضع في سوريا هو ما ناقشه رئيسا روسيا وتركيا خلال الـ24 من نوفمبر الماضي خلال محادثات هاتفية، أي قبل أيام معدودة من اندلاع المواجهات، والأهم من ذلك كله بطبيعة الحال أن الأتراك يشعرون بالقلق. وذكر أردوغان أنه بعد لبنان يمكن أن يؤثر التشرذم على سوريا ويمتد إلى تركيا عبر العامل الكردي، وبدأت ملامح هذا السيناريو في الظهور، لكن من الصعب أن نقول كيف ستتصرف تركيا في هذا الوضع الآن.
أميركا وتركيا
يردد جنرالات روس خدموا في سوريا أن الأميركيين حاولوا في سوريا لبعض الوقت العثور على متمردين جيدين وموالين لهم من أجل إشاعة "ديمقراطيتهم وحقوق إنسانهم" هناك وما إلى ذلك، لكن لم يعثر على أي منهم هناك لأن أولئك الذين كانوا يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا هربوا منذ فترة طويلة إلى ألمانيا ونسوا سوريا، مثل حلم مزعج. وبصورة عامة بدأت لعبة "الغريب في مواجهة المفترس" داخل سوريا.
ويضيف هؤلاء الجنرالات "هناك عديد من الفصائل السنية المتحالفة في إطار ما يعرف بـ’هيئة تحرير الشام‘ وهم مدعومون من تركيا، وما زالوا مدعومين من كثير من الدول العربية وعديد من الدول الأخرى. وبدأ هؤلاء مجدداً في سحق قوات الأسد والقوات الحكومية، بعدما أنقذ فلاديمير بوتين نظام الأسد عام 2015 وأرسل القوات والطيران وكثيراً من المال إلى سوريا. وبفضل مساعدة الجانب الروسي تمكنت القوات الحكومية من إبعاد المسلحين من دمشق وطردتهم من المدن الواقعة بين دمشق وحلب وقصفت هذه المدن بواسطة الطيران الروسي، وبحلول عام 2020 طُرد المتمردون من المراكز السكانية الرئيسة وسُحقوا تقريباً، لكن تركيا أنقذتهم بعد ذلك.
ماذا حدث في الآونة الأخيرة؟
بعد سحب الروس معظم قواتهم وطيرانهم وكل شيء تقريباً من سوريا إلى الحرب في أوكرانيا، مع الإبقاء على وجود رمزي في قاعدة "حميميم"، لم يعد هذا الوجود الرمزي يكفي للحفاظ على الجبهة بطبيعة الحال. وتعرض "حزب الله" للضرب والتشويه وفقد بنيته ونزف حتى الموت خلال الحرب الأخيرة ضد إسرائيل. وبناء على ذلك فإن الحليفين الرئيسين للجيش السوري لم يعودا موجودين، أو بقيا في صورة رمزية إلى حد كبير.
لقد ترك جيش الأسد بمفرده. وليس لدى هذا الجيش روح قتالية ولا أسلحة ولا ذخيرة، كل شيء سيئ بالنسبة إليه. وفي المقابل يتمتع المسلحون بالقوة ويحصلون على تغذية جيدة ومجهزون. إنهم متحمسون يريدون الانتقام من الجيش السوري لهزيمة 2020.
وفي غضون ثلاثة أيام قطعوا عشرات الكيلومترات من إدلب إلى حلب واقتحموا ضواحي المدينة، وبدأ القتال يدور بالفعل داخلها ثم شقوا طريقهم إلى المركز. وفي غرب المدينة يتم الترحيب بهؤلاء المسلحين كأبطال وتتزايد صفوفهم.
وجد الأسد نفسه مرة أخرى على وشك خسارة المدينة الرئيسة في البلاد. وهو يصعد على متن الطائرة ويسافر على الفور إلى موسكو لأنه لا يمكن أن يجد خلاصه سوى عند فلاديمير بوتين لتزويده بالقليل من القوات، أو في الأقل بالقليل من الأسلحة.
ويعتقد كثر في موسكو أن الأسد لم يسافر إلى هناك لإجراء مفاوضات مع بوتين فحسب، بل أحضر أيضاً عائلته إلى العاصمة الروسية تحسباً لتطور الوضع في سوريا بطريقة مفاجئة وغير متوقعة.
ولم يعلق "الكرملين" على زيارة الأسد إلى موسكو وسط تصاعد نشاط الجماعات المتمردة في محافظتي إدلب وحلب السوريتين. وقبل ذلك بيوم أفاد عدد من وسائل الإعلام وقنوات الـ"تيليغرام" أن الأسد وصل إلى موسكو في زيارة، لكن السكرتير الصحافي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف أعلن أنه ليس لديه ما يقوله عن هذا الأمر. وفي الوقت نفسه، أكد "الكرملين" أنه يعد هجوم المسلحين الإسلاميين تعدياً على سيادة سوريا، ودعا دمشق إلى استعادة النظام الدستوري.
وفي وقت سابق، أفاد عدد من قنوات "تيليغرام" أن الأسد وصل إلى روسيا في زيارة. وذكر المراقب السياسي في صحيفة "كوميرسانت" ديمتري دريز معلومات حول هذا الأمر قائلاً "يبدو أن بشار الأسد سافر إلى موسكو ووافق حتى على انتظار عودة فلاديمير بوتين من كازاخستان". وأفادت الخدمة الصحافية في "الكرملين" أن زيارة الرئيس الروسي إلى كازاخستان انتهت خلال الـ28 من نوفمبر الماضي.
اليد الأميركية الخفية
منذ أعوام عدة كانت روسيا جنباً إلى جنب مع إيران، تضع على عاتقها مهمة إخراج الولايات المتحدة من سوريا ومن الشرق الأوسط بأكمله في الحال المثالية. ومع ذلك، فإن الهجوم الروسي على أوكرانيا والتقارب الناتج بين موسكو وطهران يؤديان إلى نتيجة معاكسة، فالوجود الأميركي في المنطقة على العكس من ذلك آخذ في التزايد.
علاوة على ذلك فإنه في حال سوريا، أصبح لدى واشنطن أخيراً سبب منطقي واضح لمواصلة حملتها هناك. فكلما تورطت روسيا في الشرق الأوسط أصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إليها في أوكرانيا.
ويضاف إلى المواجهة الروسية - الأميركية تفاقم الوضع في سوريا نفسها ومشكلات دمج وحدات "فاغنر" المتبقية في القوات المسلحة الروسية. والصعوبات المتزايدة تحول الدولة العربية إلى صداع لموسكو وتحطم الآمال في أن سوريا لن تصرف انتباه القيادة الروسية عن الحرب مع أوكرانيا.
الجبهة الإيرانية - الروسية
منذ ربيع هذا العام أصبحت روسيا أكثر نشاطاً في الأجواء السورية، فإضافة إلى الضربات ضد المسلحين تُوجه عمليات الاستطلاع الجوية ضد القوات الأميركية الموجودة على الأراضي السورية. وتحلق طائرات وطائرات مسيرة روسية فوق أهداف أميركية خلافاً لاتفاقات الجانبين في شأن تحديد مناطق النشاط. وأبلغ الجيش الأميركي مراراً وتكراراً عن مناورات خطرة قام بها طيارو القوات الجوية الروسية ضد طائرات من دون طيار وطائرات مقاتلة أميركية. ومع ذلك، يدعي الجيش الروسي أن الأميركيين ينتهكون بروتوكولات منع التصادم مما يتسبب في حوادث طيران.
وكان احتواء الولايات المتحدة جزءاً من مهمة القوات الروسية في سوريا من قبل، لكن التركيز كان على الأسطول الروسي. واليوم، تضطر موسكو إلى الاعتماد على الطيران إذ لم يتبق أية سفن روسية تقريباً في البحر الأبيض المتوسط. وأصبح تناوب القوات البحرية مشكلة كبيرة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، عندما أغلقت تركيا مضيق البحر الأبيض المتوسط أمام السفن العسكرية. ونتيجة لذلك تم قطع أقرب أسطول للبحر الأسود عن سوريا، ولا يمكن تعويض ضعف التشكيل العملياتي للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط إلا من خلال الطيران.
وتزامنت الزيادة في عدد الحوادث بين الطائرات الروسية والأميركية مع تصاعد الاشتباكات بين الأميركيين والقوات الموالية لإيران في سوريا. وانطلاقاً من التسريبات الاستخباراتية في وسائل الإعلام فإننا نتحدث عن تنسيق تصرفات طهران وموسكو اللتين تحاولان بجبهة موحدة إخراج واشنطن من المنطقة. وكجزء من هذه الاستراتيجية تطلق القوات الموالية لإيران صواريخ على أهداف أميركية، وتقوم الطائرات الروسية بالضغط على الولايات المتحدة في الجو.
وتعد موسكو واشنطن خصماً استراتيجياً في أي مكان في العالم تقريباً. علاوة على ذلك، في سوريا، إذ يظل الأميركيون قوة حقيقية ويتابعون سياساتهم الخاصة. إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة ليست بنفسها في دولة عربية فحسب، بل اكتسبت أيضاً حلفاء محليين هناك كالأكراد في شمال البلاد، والهياكل العربية القبلية في الشرق.
وبطبيعة الحال تلعب تركيا أيضاً لعبتها الخاصة في سوريا، ولكن تم إجراء حوار معها في إطار "صيغة أستانا"، إضافة إلى ذلك تنظر أنقرة بتعاطف إلى الجهود المناهضة للولايات المتحدة التي تبذلها موسكو وطهران، لأنها تعد الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة تهديداً إرهابياً.
رد فعل الولايات المتحدة
المشكلة أن الجهود التي تبذلها روسيا وإيران لإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط تؤدي إلى نتائج عكسية تماماً، إذ إن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة آخذ في التزايد.
ففي يوليو (تموز) الماضي أرسلت الولايات المتحدة المدمرة "يو أس أس توماس هودنر" مع طائرات مقاتلة من طراز "أف 35" و"أف16 " إلى الخليج لمساندة القوات الموجودة هناك. وبعد أيام قليلة فحسب أضيفت سفينتان أخريان بهجوم برمائي بحجة حماية السفن المدنية من الهجمات الإيرانية. ونتيجة لذلك وصل عدد القوات الأميركية في الخليج إلى أعلى مستوى له خلال الأعوام الأخيرة.
وأُرسلت مقاتلات إضافية من الجيل الخامس من طراز "أف 22 رابتور" مباشرة إلى سوريا لمواجهة "السلوك غير المهني" للطيارين الروس. وفي الوقت نفسه تشارك مقاتلات "أف 35" المذكورة أعلاه والمتمركزة في الخليج العربي أيضاً في الطلعات الجوية السورية. ويقول الجيش الأميركي إن الطائرات الإضافية تساعد في الحد من الضغط الذي تمارسه القوات الجوية الروسية.
ولا تقتصر الإجراءات الأميركية على نقل وحدات جديدة. وفي نهاية الصيف حاول الأميركيون توحيد القوات المتحالفة في سوريا ضمن تحالف واحد. ونحن نتحدث عن اندماج الهياكل العشائرية العربية حول القاعدة الأميركية في التنف و"قوات سوريا الديمقراطية" التي يشكل الأكراد عمودها الفقري.
وإذا حكمنا من خلال الاشتباكات بين الجماعات الموالية لأميركا والتي بدأت خلال الأسابيع الأخيرة، فإن إنشاء جبهة موحدة تحت رعاية الولايات المتحدة لا يزال متعثراً. ومع ذلك فإن حقيقة الجهود الأميركية في هذا الاتجاه تشير إلى أن واشنطن لا تنوي الخضوع للضغوط الروسية الإيرانية في سوريا. علاوة على ذلك فإن وجود مصدر إضافي للتوتر في سوريا يصرف انتباه موسكو عن أوكرانيا.
ومن عجيب المفارقات أن الهجوم الروسي على أوكرانيا أعطى الجيش الأميركي مبرراً واضحاً للحفاظ على وجوده في سوريا. لقد تم التشكيك في جدوى الحملة السورية أكثر من مرة داخل الولايات المتحدة، وكان ترمب خلال وقت من الأوقات على بعد خطوة واحدة من سحب القوات من هناك. لكن الآن كل شيء يقع في مكانه، ولا تخفي القيادة الأميركية أنها تزيد من وجودها في سوريا لاحتواء روسيا. وخلال الـ14 من يوليو الماضي أعلنت أنه تم نشر طائرات مقاتلة من طراز "أف 22" في المنطقة "وسط سلوك غير آمن وغير احترافي بصورة متزايدة من قبل الطائرات الروسية في المنطقة".
وعلى رغم هزيمة تنظيم "داعش" في نظر الناخب الأميركي (وهذا ليس صحيحاً تماماً) فإن هناك الآن مواجهة مع روسيا، وكلما تعمقت موسكو في التورط داخل سوريا أصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إليها في أوكرانيا. وتعطي موسكو نفسها الأسباب لذلك إذ تناور باستمرار بصورة خطرة بجوار الطائرات الأميركية.
وبطبيعة الحال، لا الولايات المتحدة ولا روسيا تسعى إلى صدام مباشر في سوريا، لكن الأحداث تتطور بحيث يتزايد التوتر هناك باستمرار، وتتزايد عدد المناورات الخطرة.
نقطة مضطربة
إن رغبة روسيا الأولية في الحفاظ على سوريا كمنطقة هادئة للوجود الروسي لا تتطلب كثيراً من المال ولا تصرف الانتباه عن الجبهات الأوكرانية تواجه صعوبات متزايدة. وتتحمل موسكو نفسها المسؤولية جزئياً عن ذلك إذ تؤدي تكتيكاتها إلى حوادث خطرة مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك هناك مشكلات أخرى لا تتعلق مباشرة بروسيا، إذ استعادت حكومة بشار الأسد السيطرة على معظم أنحاء سوريا لكنها لم تتمكن بعد من إقامة حياة طبيعية في هذه المناطق. وأصبح الجوع والفساد جزءاً لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي والاقتصادي المحلي.
نتيجة لذلك، وبحلول نهاية الصيف اندلعت أكبر احتجاجات خلال الأعوام الأخيرة في عديد من المناطق التي تسيطر عليها دمشق، وكانت مصحوبة أحياناً باشتباكات واسعة النطاق، وأصبح الوضع خطراً لدرجة أن السلطات فقدت السيطرة جزئياً على محافظة السويداء.
ومن المرجح أن تتفاقم حال عدم الاستقرار ولا توجد حلول للمشكلات الاقتصادية. لدرجة أن عادت في الآونة الأخيرة مجموعات تنظيم "داعش" المتبقية إلى النشاط مرة أخرى في البلاد، سعياً إلى الاستفادة من موجة السخط الجديدة.
ولا يزال وضع روسيا في سوريا بعيداً من أن يكون حرجاً، لكنها لا تستطيع تجنب بعض الصعوبات. فالجمهورية العربية لم تصبح فقط نقطة انطلاق آمنة للقوات الروسية، بل إنها تولد أزمات بصورة متزايدة وإن كانت محلية خلال الوقت الحالي.
وموسكو غير قادرة على عزل الصراع السوري وهو صراع معقد وإشكالي في حد ذاته عن بقية السياسة الخارجية والسياق العسكري. والحرب في أوكرانيا تعقد مناورة القوات المسلحة وتفاقم المواجهة مع الولايات المتحدة.