يبدو أنه سيكون هناك نصب تذكاري في "وايتهول" لتخليد تاريخ 23 مارس (آذار) باعتباره "ذكرى كوفيد". إنه تاريخ غريب لإحياء ذكرى المرض، بالنظر إلى أنه يمثل اللحظة التي قرر فيها بوريس جونسون أخيراً التعامل مع فيروس كورونا بجدية، من خلال فرض إغلاق وطني بعد فوات الأوان.
لكن لماذا نطلق عليه اسم "يوم ذكرى كوفيد"؟ لم لا يُطلَق عليه اسم "يوم بوريس جونسون"؟ إن ذلك سيسهل على الأقل الحياة على المؤرخين في المستقبل. وعلى الرغم من أنه يصادف اليوم مع مرور عام على اعتراف بوريس جونسون أخيراً بوجود مشكلة تستدعي اهتمامه، فإن هناك ذكريات سنوية أخرى.
إن كل شخص لديه تاريخه الخاص الذي قرر فيه أخذ فيروس كورونا على محمل الجد (حسناً، الجميع تقريباً، باستثناء عدد من كتاب الأعمدة في صحيفة ديلي تلغراف).
قبل أسبوعين، كان هناك "يوم روري ستيوارت"، الذي يصادف مرور عام على إعلان النائب السابق عن حزب المحافظين بوضوح، أن الحكومة كانت تقلل من أهمية تأثير المرض، وأنه يتعين عليها إغلاق المدارس والبلاد على الفور.
ولو فكّر أعضاء حزب المحافظين بطريقة مختلفة في عام 2019، لكان من الممكن إحياء "ذكرى كوفيد" في وقت مبكر للغاية، والجانب السلبي الوحيد لذلك، هو أننا لن نحتفي بكثير من الذكريات السنوية. لا، لا إنه "يوم بوريس جونسون"، وبهذه المناسبة بالذات، سيكون حقاً الأفضل عالمياً.
ثم هناك "يوم كابريس بوريت"، الذي كان سيكون قبل أسبوع. ويصادف تاريخ 16 مارس مرور عام على قيام عارضة الأزياء السابقة في مجلة FHM بتصفح جريدة على التلفزيون مباشرة، مقترحةً أنه ربما يتعين علينا أن نحذو حذو البلدان الأخرى حول العالم، مثل سنغافورة وتايوان، في ارتداء الكمامات وحجر الركاب عند وصولهم إلى المطارات وفرض الإغلاق لمنع انتشار المرض.
وبطبيعة الحال، تمّت السخرية منها، وقيل عنها: ماذا تعرف؟ إنها ليست "خبيرة".
لقد قيل إنها مجرد شخصية تافهة على شاشة التلفزيون، تقرأ نصيحة منظمة الصحة العالمية التي يعرف بوريس جونسون أفضل منها، على الأقل لمدة أحد عشر يوماً آخر (مع أنه سيعود لاحقاً بعد أكثر من عام ليقول إنه يعرف أكثر منهم، وتسبب بذلك في عواقب أكثر فتكاً).
أو يمكن الاحتفاء في 12 مارس بـ "يوم مايك رايان"، رئيس برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، الذي قال في ذلك اليوم "تصرف بسرعة، ولن تندم".
لقد حدث هذا عندما أوضح بما لا يترك مجالاً للشك أنه في كل الجوائح التي تعامل معها في السابق، وهي ليست كثيرة، كان التأخير هو أكبر خطأ يمكن ارتكابه. لذا، تصرف بسرعة، وإذا أخطأت، فلن يكون الأمر سيئاً مثلما قد يكون في حال لم تتصرف. كانت تلك رسالته. أو في اليوم التالي، أي 13 مارس، يمكن الاحتفاء بيوم الرجل الذي كان يحمل كومة من ورق المراحيض في متجر "كوستكو واتفورد". وعلى الرغم من أن اسمه غير معروف في التاريخ، فإن صورته انتشرت على نطاق واسع. لقد أدرك تماماً قبل 10 أيام من رئيس الوزراء على أنه سيعلق في بيته لفترة طويلة قادمة، وأن عليه اتخاذ الاحتياطات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن الانتظار حتى "يوم ستيوارت رامساي" في 19 مارس، وهو اليوم الذي أرسل فيه كبير مراسلي "سكاي نيوز" تقريراً فظيعاً من مستشفى في شمال إيطاليا يظهر الخدمة الصحية هناك في حالة منهكة.
وعلى الرغم من أن "سكاي نيوز" تُعد مؤسسة كبيرة، فإنها ليست كبيرة على قدر وزارة الخارجية؛ وليست كبيرة مثل شبكة السفارات والقنصليات، والموظفون الدبلوماسيون المموَّلون كلهم من القطاع العام، ومهمتهم هي إرسال تقارير منتظمة إلى الحكومة المركزية حول ما يحدث في أماكن وجودهم، وتحديد ما إذا كانت المعلومات التي يرسلونها مفيدة للأشخاص الذين يتخذون القرارات داخل الوطن .
هناك بالطبع أيام أخرى يُحتفى بها لبوريس جونسون، تتخلل ذكريات سنوية أخرى. على سبيل المثال، هناك يوم 3 فبراير (شباط)، عندما ألقى خطاباً قصيراً تعهد فيه بأن المملكة المتحدة لن تخاطر بإلحاق الضرر باقتصادها في رد فعل مبالغ فيه تجاه "أمراض جديدة مثل فيروس كورونا". وهناك يوم آخر، بعد نحو شهر من ذلك التاريخ، عندما قيل إنه أخبر كبار موظفيه أن "أفضل شيء يمكن فعله هو تجاهل الأمر".
وبعد ذلك ببضعة أيام، هناك يوم ثالث عندما تجاهل عمداً الإفادة التي قُدمت له، وخرج إلى مؤتمر صحافي، حيث حرص عمداً على إبلاغ الشعب - الذي تزايد قلقه - بأن التوقف عن مصافحة الناس سيكون رد فعل مبالغاً فيه، وهو ما قام به طيلة ذلك اليوم في مستشفى لفيروس كورونا.
وباختصار، كان من الممكن أن تختلف الأمور بطرق عدة. لقد أصبح الأمر على ما هو عليه، لا لسبب أكبر من وجود أسوأ رجل في أسوأ مكان في أسوأ وقت، والذي كانت تدفعه غرائزه دائماً إلى تجاهل الفيروس والأمل بأن يختفي، وعدم فرض قيود عندما كانت هناك حاجة ماسة وواضحة لها.
ربما يكون يوم بوريس جونسون في المستقبل هو الوقت المناسب للنظر في توجيه تهم جنائية له بالإهمال.
يكاد يكون من المستحيل تخيل أي زعيم، في التاريخ البريطاني بالتأكيد، خذل شعبه بهذا القدر، لا لسبب أكثر من غطرسته المذهلة والصريحة، والتي تتجلى في قناعته المتجاهِلة للأدلة، مع قليل من التفاؤل، بأن كل هذا سيختفي وحده.
إن التاريخ دائماً ينسى الأوبئة، إذ لا يكاد أحد يعرف الكثير عن الإنفلونزا الإسبانية، على الأقل حتى الآن. وبالنسبة لأولئك الذين لم يعايشوا الجوائح، فإنها ببساطة غير مثيرة للاهتمام كثيراً، وهي كذلك أيضاً بالنسبة لمَن عايشوها في الغالب.
في (المسلسل الفكاهى البريطانى) "فقط الحمقى والخيول" يسخر ديل ورودني بشكل روتيني من العم ألبرت في كل مرة يحاول فيها أن يروي قصصه المملة عن الحرب العالمية الثانية حول تفاهات مذهلة مثل تعرضه للقصف من قبل غواصة في جنوب المحيط الهادي.
بصورة مماثلة، من غير المرجح أن تنشغل الأجيال المقبلة بتفاصيل العام الذي بقي فيه الجميع في منازلهم خوفاً من الإصابة أو انتشار مرض خفيف بشكل أساسي، لكن مميت للمرضى للضعفاء. لذا، نعم، سنكون نحن فقط، في كل 23 مارس مَن سيتوقف عند الظهيرة وينظر إلى الأسفل ويتأمل بأن الأمور لم يكن لها أن تأخذ هذا النحو على الإطلاق. لم يكن لها أن تصبح بهذا السوء. لم يكن علينا أن نعاني كثيراً كما عانينا.
ستأتي هناك سنوات يتوقف فيها الإنسان في الشارع عند الظهيرة ويخمن كيف كانت الأمور ستختلف ربما. كيف أن دولاً أخرى مشابهة في العالم لن تحصي الموتى بالقدر الذي سنفعل.
© The Independent