فيما تشير الأرقام الرسمية إلى أن نحو 21 في المئة من المصريين (نحو 25 مليون) في قائمة المدخنين، يبدو أن هذه السوق ستشهد خلال الأيام المقبلة كثيراً من الجدل، خصوصاً مع طرح الحكومة المصرية رخصة لشركة جديدة من المتوقع أن تنافس المحتكر الأول في السوق، وهو الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني".
وبالفعل، اشتعلت الأزمة الخاصة بالرخصة الجديدة قبل أيام من إغلاق باب تقديم العروض للحصول على حقوق إنتاج السجائر وتصنيعها في 4 أبريل (نيسان) المقبل، وهي الرخصة التي تطرح للمرة الأولى منذ عقود، وتتيح لشركات أخرى الإنتاج بعدما كان الأمر يقتصر على الشركة الشرقية للدخان.
في الأثناء، قالت مصادر مطلعة إن شركات السجائر الأجنبية التي أعلنت تضررها من شروط الرخصة، اجتمعت خلال الفترة الماضية مع جهات حكومية على رأسها هيئة التنمية الصناعية وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، من أجل توضيح أسباب اعتراضها وتحفظها على كراسة الشروط. وأكدت المصادر أن ممثلي شركات السجائر الأجنبية عرضوا خلال تلك الاجتماعات وجهات نظر الشركات المتضررة، غير أن المصانع لم تتلق أي ردود حتى الآن.
من ناحية أخرى، أفصحت الشركة الشرقية للدخان عن تنفيذ عملية بيع جديدة لنحو 6.3 مليون سهم خزانة في البورصة، في إطار خطة بيع كمية كبيرة تم شراؤها خلال فترة كورونا العام الماضي. ووافق مجلس إدارة الشركة في 3 مارس (آذار) الحالي على بيع كمية من أسهم الخزانة تصل إلى 35.3 مليون سهم بسعر السوق وقت التنفيذ، وذلك حتى 31 مايو (أيار) المقبل. وأشارت الشركة إلى أن رصيد أسهم الخزانة لديها يبلغ 52.3 مليون سهم تعادل 2.33 في المئة من إجمالي الأسهم.
توقعات بتغيير شروط المزايدة
وقبل أيام، توقعت مصادر لـ "اندبندنت عربية"، طلبت عدم الكشف عن هويتها، قيام الحكومة المصرية بتغيير شروط جديدة تنافسية للمزايدة الخاصة بإنشاء ثاني أكبر شركة مصنعة للسجائر في مصر، وذلك بعدما تقدم عدد من شركات السجائر بشكوى رسمية إلى شعبة الدخان والسجائر في اتحاد الصناعات المصرية، تطالب فيها بإلغاء مذكرة الشروط الخاصة بالرخصة الجديدة التي طرحتها هيئة التنمية الصناعية أخيراً.
وأوضحت شعبة الدخان والسجائر، في بيان حديث، أن شركات السجائر طالبت أيضاً بتشكيل لجنة من الجهات المعنية لوضع الإطار العام لكراسة جديدة، على أن تضم ممثلين من وزارتى المالية وقطاع الأعمال وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وهيئة التنمية الصناعية وشعبة الدخان.
ووفق نشرة "إنتربرايز"، فقد جاءت هذه الشكوى عقب أخرى منفصلة تقدم بها عدد من الشركات العاملة في صناعة السجائر في السوق المحلية إلى جهاز حماية المنافسة الأسبوع الماضي في شأن شروط المزايدة.
وقالت الشركات في شكواها إن قصر صناعة الجيل الجديد من منتجات بدائل التبغ ومن ضمنها السجائر الإلكترونية على اللاعب الجديد، قد يخلق محتكراً جديداً في السوق المصرية في هذا المجال. وأوضحت أن المزايدة غير عادلة لأنها لا تمنحها فرصة المنافسة مع الشرقية للدخان.
كم يبلغ عدد المدخنين في مصر؟
في ما يتعلق بأعداد المدخنين، تشير بيانات مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إلى أن مصر ضمن قائمة أكثر 10 دول يحرص سكانها على التدخين بكل أنواعه، حيث وصل استهلاك المصريين للسجائر يومياً خلال العام المالي 2017 - 2018 إلى 280 مليون سيجارة، كلفتها 73 مليار جنيه (4.66 مليار دولار)، بيما بلغ استهلاك "تبغ المعسل" 50 ألف طن سنوياً بقيمة 3 مليارات جنيه (191 مليون دولار).
وتشير البيانات إلى أن المتوسط العام لإنفاق الأسرة المصرية على الدخان يبلغ نحو 1724.9 جنيه سنوياً (110.2 دولار)، أي ما يمثل 4.7 في المئة من إجمالي الإنفاق السنوي، البالغ 36700 جنيه للأسرة (2345 دولار).
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 21 في المئة من إجمالي عدد سكان مصر مدخنون، أي ما يعادل أكثر من 25 مليون مدخن، يضاف إليهم 23 في المئة من السكان مدخن سلبي، بينما يموت سنوياً نحو 171 ألف شخص لإصابتهم بأمراض تتعلق بالتدخين.
زيادة كبيرة في الضرائب
يعتقد محمد سعيد، أحد العاملين في قطاع التبغ في مصر، أن ارتفاع أسعار السجائر بشكل عام قلص عدد المدخنين خلال الفترة الماضية، إذ ارتفعت أسعار جميع أنواع السجائر والمعسل بنسب تجاوزت 100 في المئة في بعض الأنواع، وهو ما يرجع إلى سببين، الأول رفع الحكومة المصرية الضرائب على السجائر، وارتفاع أسعار التبغ عالمياً.
ويوضح سعيد أن سوق التدخين في مصر تعاني من شبه احتكار، خصوصاً مع سيطرة الشركة الشرقية للدخان على السوق، إضافة إلى عدم منح أية تراخيص لشركات أو مصانع جديدة.
وتوجه الحكومة نحو منح رخصة جديدة يشير إلى اتجاهها نحو مواجهة هذا الاحتكار، على الرغم من أن الشركة المحتكرة حكومية وتتبع وزارة قطاع الأعمال العام.
ويشير إلى أن تدخل الحكومة المصرية في هذه السوق أمر منطقي في ظل اتجاه الدولة إلى دعم القطاع الخاص وتعزيز استثماراته، لكن تبقى المشكلة الأساسية في شروط المزايدة، إضافة إلى موقف الشركة الشرقية للدخان من الرخصة الجديدة، على الرغم من اشتراط الحكومة أن تمتلك الشرقية للدخان حصة في الشركة الجديدة.
الشركات تواصل رفع الأسعار
وشهدت الفترة الماضية زيادة جديدة بأسعار السجائر، إذ أعلنت أكبر الشركات المُصنعة للسجائر الأجنبية "فيليب موريس مصر"، زيادة على ثلاثة أصناف من منتجاتها بواقع جنيه على كل علبة سجائر من "مريت" و"مارلبورو" و "إل أم". وأكدت في بيان أن قرارها زيادة أسعار المنتجات الثلاثة يأتي في إطار الإسهام في دعم جهود الأجهزة الرقابية لضبط الأسواق ومنع أي استغلال للمدخنين البالغين.
وأوضحت أن السجائر من صنف "مارلبورو" بجميع أنواعها ارتفعت من 43 إلى 44 جنيهاً (2.8 دولار) للعلبة الواحدة، بينما ارتفعت السجائر صنف "مريت" بجميع أنواعها من 47 إلى 48 جنيه (3 دولارات)، وأخيراً السجائر صنف "إل أم" بجميع أنواعها ارتفعت من 32 إلى 33 جنيه (2.1 دولار) للعلبة الواحدة.
واستثنت في بيانها أصناف "مارلبورو كرفتد" و"إل أم موشن" من الزيادة لتبقى على أسعارها عند 36 جنيهاً (2.2 دولار) و28 جنيهاً (1.7 دولار) على التوالي، مطالبة تجار التجزئة والباعة الالتزام بالأسعار الجديدة، وعدم مخالفتها حفاظاً على حقوق المستهلك. وأكدت الشركة لجميع عملائها وصول منتجاتها في المواعيد المقررة.
وفي ما رفضت الشركة الشرقية للدخان رفع أسعار منتجاتها من السجائر، قالت في بيان إن قرار زيادة الأسعار يخص كل شركة، وأحد حقوقها أن ترفع أسعارها في الوقت الذي تراه مناسباً لها وفق حسابات الكلفة والعائد. وذكرت أنها تدرس موقف أسعار منتجاتها في الأسواق لاتخاذ القرار المناسب، سواء بتثبيت الأسعار أو زيادتها على بعض الأصناف التي لا تحقق العائد المطلوب، لتغطية نفقات الكلفة والتشغيل وغيرها.
تحرك لإنهاء الاحتكار
وكانت هيئة التنمية الصناعية في مصر طرحت منذ أسبوعين مزايدة على الرخصة الجديدة التي من المتوقع أن تنهي احتكار الشركة الشرقية لصناعة التبغ في مصر. ودعت الهيئة عدداً من الشركات المحلية والعالمية إلى المشاركة في المزايدة التي ستقيّم العروض المقدمة لها من خلال نظام النقاط.
وتنص شروط المزايدة على أن تستحوذ الشركة الشرقية للدخان على 24 في المئة من رأسمال الشركة الجديدة، التي ستلتزم ببيع السجائر بسعر أعلى 50 في المئة من سعر الشرقية للدخان، وحتى الآن أبدت شركة إماراتية اهتمامها بالمنافسة على الرخصة التي تتيح إنتاج السجائر التقليدية والإلكترونية. وتسعى الشركات الأجنبية إلى تمديد فترة التقدم بالعروض التي تنتهي في الرابع من أبريل المقبل لشهرين آخرين للقيام بالدراسات الفنية ودراسات الجدوى، وتنتظر الشركات حدوث تغيرات في شروط المزايدة.
مزايدة لإنتاج السجائر التقليدية والإلكترونية
وقبل أيام، أعلنت الحكومة المصرية أنها تناقش شروط طرح مزايدة على رخصة لإنتاج السجائر التقليدية والإلكترونية، مما قد ينهي الاحتكار الطويل الذي تمتعت به الشركة الشرقية للدخان على مدى عقود طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت مصادر رسمية إنه يحق للشركات العاملة وغير العاملة في السوق المصرية أن تتقدم من أجل المنافسة على الرخصة، لكن كبار بائعي السجائر في السوق المصرية لم يوافقوا على عدد من بنود كراسة الشروط، ومنها أن الشرقية للدخان ستمتلك حصة تصل إلى 24 في المئة من رأسمال الشركة التي سيؤسسها الفائز بالمزايدة، وطالبوا الحكومة المصرية بإعادة النظر في البنود.
وعما يمكن أن يثير قلق الشركة الشرقية للدخان، وهي الشركة المحتكرة لسوق السجائر في مصر، فبجانب امتلاكها نسبة 24 في المئة من رأسمال المنافس المحتمل، فمن غير المرجح أن تتأثر سوق الشرقية للدخان لأن كراسة الشروط تدفع المنافس الجديد إلى التركيز على منتجات الفئة الأعلى بعيداً من سوق المنتجات الشعبية التي تستحوذ عليها الشركة المنتجة لسجائر "كليوباترا"، وتنص الشروط أن على اللاعب الجديد بيع أي منتج عالي الجودة ينتجه بسعر أعلى بنسبة 50 في المئة من سعر الشرقية للدخان.
ومن بين الشروط التي حددتها الحكومة في المزايدة الجديدة، أن ينتج المنافس الجديد نحو 15 مليار سيجارة على الأقل سنوياً، وأن يبدأ الإنتاج في غضون ثلاث سنوات من الحصول على الرخصة، وأن تصل الطاقة الإنتاجية السنوية إلى 50 مليار سيجارة.
لكن الشركة الشرقية للدخان قالت في بيان للبورصة المصرية إنه ليس لديها أية معلومات رسمية بخصوص هذا القرار، وأنها ستدرس الأمر وتعرضه على مجلس الإدارة وتعلن عنه عبر القنوات الرسمية فور توافر مزيد من المعلومات. ورحبت الشركة في بيانها بالمنافسة وأعلنت نيتها الدخول في المنتجات الجديدة عبر عدد من المشاريع الاستثمارية التي ستعزز مكانتها في مجال التدخين وبدائل التبغ.
ما موقف الشركات الأخرى؟
لكن الشركات الأربع الكبرى في السوق ليست سعيدة بشروط المزايدة، إذ تقدمت كل من "أدخنة النخلة" و"بريتيش أميركان توباكو" و"إمبريال توباكو" و"المنصور الدولية للتوزيع" بخطاب رسمي إلى رئيس الوزراء المصري أكدت فيه أن المزايدة غير عادلة ومخالفة للقوانين، مطالبة الحكومة المصرية بإيقاف العرض حتى مراجعة الشروط.
واحدة من أهم الاعتراضات التي أبدتها الشركات الكبرى هي اقتصار صناعة الجيل الجديد من منتجات بدائل التبغ ومن ضمنها السجائر الإلكترونية على اللاعب الجديد، مما يسهم في خلق محتكر جديد في السوق المصرية في هذا المجال.
وأعلنت الحكومة المصرية مهلة حتى الرابع من أبريل المقبل، من أجل تقديم العروض ودفع مقدم تأميني يبلغ 30 مليون جنيه (1.916 مليون دولار) ويرتفع إلى 100 مليون جنيه (6.389 مليون دولار) للمتنافس الفائز بالرخصة. وتبدأ الحكومة في درس العروض المقدمة في الثاني من يونيو (حزيران) المقبل. وفي حال المضي قدماً في تلك الخطوة، فلن تصدر أية رخص جديدة لتصنيع السجائر لمدة عشر سنوات.
وشركات السجائر العاملة في مصر، باستثناء الشرقية للدخان التي تأسست العام 1920 والمملوكة في الوقت الحالي بنسبة 50.5 في المئة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، تعمل في استيراد السجائر وبيعها وحسب. واستمرت الشركة على هذه الحال منذ تأميمها العام 1952.
وتبلغ الحصة السوقية للشرقية للدخان نحو 70 في المئة، تشمل المنتجات الأصلية للشركة والمنتجات التي تصنعها لحساب الشركات العالمية مثل "فيليب موريس" و"التبغ اليابانية الدولية"، وهي المصنّع الوحيد المرخص له إنتاج السجائر في السوق المصرية، في حين تستطيع شركات أخرى إنتاج المعسل ومنتجات الشيشة.