بإحدى وعشرين طلقة مدفعية واستعراض بالطائرات العسكرية، استقبلت السعودية يوم الأربعاء 31 مارس (آذار)، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في أول زيارة له إلى الرياض منذ تولّيه منصبه في مايو (أيار) 2020.
وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقدمة مستقبليه فور وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي، إذ حظي بمراسم استقبال رفيعة اختتمها حرس الشرف قبل انتقاله إلى قصر اليمامة لإتمام جدول الزيارة.
اتفاقيات واستثمار متبادل
وأجرى المسؤولان العربيان جولة في منطقة الدرعية التاريخية، وسط العاصمة السعودية، قبل أن يباشرا اجتماعاً موسعاً للوفدين ناقشا فيه ملفات "الاقتصاد والنفط، وخطوات استكمال مشروع الربط الكهربائي، إضافة إلى الاستثمار والملف الزراعي الذي يتصدر مجالات الاستثمار السعودي في العراق"، بحسب المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.
كما أفاد التلفزيون الرسمي السعودي أن البلدين وقعا خمسة اتفاقات الأربعاء، تغطي الاتفاقات المجالات المالية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإعلام.
من ناحية أخرى، قالت وكالة الأنباء السعودية إنه من المتوقع ارتفاع استثمارات المملكة في العراق إلى عشرة مليارات ريال (2.67 مليار دولار) من ما يزيد قليلاً على ملياري ريال حالياً.
وذكرت الوكالة السعودية الرسمية أنه "يوجد عدد من الشركات السعودية المستثمرة في العراق، كما توجد رغبة حقيقية لعدد آخر للتوسع باستثماراتها هناك". وأضافت أن الجانب السعودي يتطلع إلى "استثمارات إضافية من المتوقع أن تصل إلى عشرة مليارات ريال تقريباً في قطاعات مختلفة".
وتابعت أن الرياض "تنظر بإيجابية" إلى الدعوات العراقية لزيادة الاستثمارات السعودية، لاسيما في مجالات مثل الطاقة وتحلية المياه والصناعات الغذائية.
الجانب الأمني
كما شدد الجانبان على ضرورة مكافحة الإرهاب بوصفه خطراً مشتركاً، كما أكدا على أهمية التعاون المشترك في تأمين سلامة الحدود بين البلدين.
وعلى المستوى الإقليمي، قال الكاظمي إن بلاده تدعم المبادرة السعودية للحل في اليمن. كما أكد رئيس الوزراء العراقي أن بلاده لن تصبح نقطة انطلاق لأي هجوم على المملكة. وفي أعقاب اجتماع استمرّ، وفقاً لعدد من مساعدي رئيس الوزراء العراقي، لساعات عدّة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال الكاظمي للصحافيين "لن نسمح بأيّ اعتداء على المملكة". وأضاف "أما الحديث عن اعتداءات من العراق فلم تكن هناك أي اعتداءات"، معتبراً أن "هناك محاولات من البعض لتوجيه الاتهامات لضرب العلاقات".
وقالت السعودية إن من المتوقع ارتفاع استثماراها في العراق إلى عشرة مليارات ريال (2.67 مليار دولار). وأضافت عبر بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (واس)، "يوجد عدد من الشركات السعودية المستثمرة في العراق، كما توجد رغبة حقيقية لعدد آخر في التوسع باستثماراتها هناك".
وأكدت أن الجانب السعودي يتطلع إلى "استثمارات إضافية من المتوقع أن تصل إلى عشرة مليارات ريال تقريباً في قطاعات مختلفة".
وتابعت أن الرياض "تنظر بإيجابية" إلى الدعوات العراقية لزيادة الاستثمارات السعودية، لا سيما في مجالات مثل الطاقة وتحلية المياه والصناعات الغذائية.
يذكر أن الكاظمي كان بصدد زيارة المملكة في يوليو (تموز) الماضي، قبل أن يتفق الطرفان على تأجيلها، بسبب عارض صحي أصاب العاهل السعودي.
المجلس التنسيقي
ويقود المجلس التنسيقي السعودي - العراقي الذي دشن أعماله في عام 2017، خطوات تهدف إلى رفع مستوى العلاقة بين البلدين، إذ توالت الزيارات منذ ذلك الحين بعدما عقدا ضمن برامج المجلس، 4 دورات بين الرياض وبغداد، كانت الأخيرة عبر دائرة إلكترونية مرئية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، برئاسة ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء العراقي لمناقشة مخرجات الدورة الرابعة.
ويراهن الأستاذ خليفة المسعود، الباحث السعودي في التاريخ السياسي، على الجانب الاقتصادي لإثراء العلاقة بين البلدين، إذ يقول "العلاقة في الفترة الحالية ليس لها مسار واضح يمكن من خلاله تحديد النسق الذي ستسير فيه، إلا أن الحكم عن طريق الماضي يقودنا إلى التاريخ القديم، إذ إن أقوى علاقة جمعت البلدين كانت في فترة الملك فيصل الأول في العراق والملك سعود في السعودية، والتي كانت ترتكز على جوانب اقتصادية وأخرى ثقافية".
ويضيف المسعود "كانت هناك فترة جيدة أيضاً للعلاقة بين 1979 وحتى 1988، فترة الحرب العراقية - الإيرانية، إلا أنها ارتكزت على جوانب عسكرية بالدرجة الأولى، مما جعلها قابلة للانهيار"، معتبراً أن العلاقة الحالية يجب أن تتجه إلى شكل العلاقة في الفترة الأولى. وقال "العلاقة اليوم هي سياسية بدرجة رئيسة، لكنها تحاول تعميق الجانب الاقتصادي وهو ما يجب أن يعمل عليه الجانبان حتى تحقق ثباتاً كافياً لا يمكن تفكيكه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمر الذي يؤكده الباحث العراقي، الدكتور رعد هاشم، الذي يقول إن "هناك زيارات كثيرة حصلت بين البلدين خلال السنوات الماضية، واتفق الطرفان على أمور مشتركة عدة، إلا أن التغيير السياسي المستمر عطّل إكمالها"، مما يهدد تطوير التقارب نظراً إلى غموض مستقبل الكاظمي، "مصطفى الكاظمي لديه نية جيدة في تطوير العلاقة، لكن حجم الصراعات التي يواجهها تجعل إمكانية استمراره بعد الانتخابات مطلع 2022 أمراً فيه نظر، لذلك يجب أن يعمل على تأسيس علاقة عميقة وملزمة تتجاوز حالة التفاهمات".
ماذا يريد البلدان من بعضهما؟
البلدان الجاران والكبيران في محيطهما، عصفت بهما الأزمات السياسية منذ غزو صدام حسين للكويت الذي قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما حتى عام 2015، ما أدى إلى عزلة للعراق في محيطه العربي.
في المقابل، خسرت السعودية حضورها السياسي في جارتها المهمة التي تحتلّ موقعاً حساساً بينها وبين إيران، الأمر الذي مكّن الأخيرة، خصمها اللدود في المنطقة، من تعميق حضورها في "البوابة الشمالية".
وحول ما يحتاج الطرفان إليه، يقول المسعود "السعودية بحاجة إلى إعادة بناء خط دفاعها الأول من الجهة الشمالية، فبالنظر إلى تجربة اليمن ومدى تأثير غياب الاستقرار فيه بالمدن السعودية، ترى الرياض استقرار جارها الكبير على أنه استقرار لها، واستقلاله السياسي يعني ابتعاد إيران خطوة عن حدودها"، وهو ما يقابَل بمقاومة وضغوط سياسية إيرانية على بغداد، بحسب الباحث السعودي.
في المقابل، يواجه الكاظمي تحديات داخلية، تتمثل في تهديد الميليشيات لسلطة الدولة، لم يكن أولها ما شهدته بغداد الأسبوع الماضي عندما قام فصيل يدعى "ربع الله" باستعراض عسكري في شوارع العاصمة، موجهاً رسائل إلى الحكومة التي تحاول التصدي لخطر القوى المسلحة.
ويعلّق رعد هاشم على ذلك، قائلاً "ما يحتاج إليه الكاظمي من القوى الدولية، هو تقوية موقفه ضد القوى الداخلية المتمثلة في الميليشيات، وهو شرط نجاح الدولة في مواجهة اللادولة"، بخاصة أن تحدي الميليشيات يهدد الدولتين بالنظر إلى تقارير صحافية نُشرت قبل أيام معلومات عن حشد مسلح بصواريخ باليستية على حدود البلاد مع السعودية.
ويضيف هاشم تحدّياً آخر بهذا الصدد، قائلاً إن "العراق بحاجة إلى الخروج من ضغط الحسابات الدولية، فالمتغيّر بين واشنطن وطهران يلعب دوراً في حالة العراق وتعامله مع إقليمه، كما هي الحال في عودة الصراع النووي اليوم الذي تحاول إيران إقحام جارتها العربية فيه بوصفها ورقة ضغط على الأميركيين"، وهو ما يتطلب دعماً دولياً لتجاوزه.
ولا يبدو أن الجانب الاقتصادي قائم بذاته من دون تداخل مع وضعه السياسي والأمني، كما يقول الباحث العراقي إذ أن "هناك أيضاً المشكلات الاقتصادية التي يفترض بالعراقيين إعطاؤها أولوية، بدلاً من تصفية الحسابات والصراعات السياسية لمصالح خارجية لا تعالج المشكلات التي زاد وتيرتها وباء كورونا وتبعاته".