كشفت برلمانية في حزب "المحافظين" البريطاني كانت وراء إعداد تقريرٍ صادم عن العنف الجنسي في المدارس قبل نحو خمس سنوات، عن تعرضها لاعتداء جنسي خلال فترة دراستها. وقالت ماريا ميلر الرئيسة السابقة لـ"اللجنة المعنية بشؤون النساء والمساواة" Women and Equalities Select Committee في البرلمان البريطاني، إن ما حصل معها كان "جزءاً من الروتين اليومي"، وإن معظم الفتيات الأخريات في مدرستها مررن بتجارب مماثلة.
المرأة، البالغة من العمر 57 عاماً، والتي طالبت "مكتب معايير التربية وخدمات الأطفال ومهاراتهم" Ofsted بإجراء تحقيق فوري في العنف الجنسي في المدارس، ترى أن الحكومة البريطانية أخفقت في اتخاذ الإجراءات المناسبة للتصدي لحالات الاغتصاب والتحرش الجنسي في مؤسسات التعليم. ونبهت إلى أن المعلمين يغضون النظر في كثير من الأحيان عن قضايا الاعتداء الجنسي لأنها منتشرة على نطاق واسع.
تعليقات البرلمانية البريطانية تأتي بعد ورود أكثر من 10 آلاف مشاركة على موقع إلكتروني يُعنى بتسجيل شهادات عن تعرض أصحابها لاعتداء جنسي. وأكدت السيدة ميلر التي كانت قد ارتادت مدرسة "براينتغ كومبريهانسيف" Brynteg Comprehensive وهي إحدى أكبر المدارس الثانوية في إقليم ويلز، لصحيفة "اندبندنت"، أنه "سيكون هناك المزيد من الأمهات اللاتي يشعرن بقلق لأن بناتهن يعانين من الأمر نفسه في المدارس".
وأضافت ميلر "لقد تعرضتُ بنفسي لاعتداء جنسي في المدرسة، كما معظم الفتيات الأخريات. كنت أرتاد مدرسة شاملة مختلطة. وما كان يحصل هناك كان جزءاً من الروتين اليومي. وما يدعو إلى الأسف هو النتيجة التي توصلت إليها مجموعة الأبحاث حول أوضاع المدارس اليوم، والتي أثبتت أن شيئاً لم يتغير".
وقالت "في عام 2016، عندما توليتُ رئاسة ’اللجنة المعنية بشؤون المرأة والمساواة‘، سلط تحقيقنا الضوء على حقيقة مشكلة التحرش الجنسي. ونتيجة لذلك اتخذت الحكومة عدداً من الخطوات لمعالجة هذه القضية. لكن بدا واضحاً أن تلك الخطوات لم تحقق أي تقدم أو نتيجة".
البرلمانية "المحافظة" التي تمثل في مجلس العموم دائرة "بيزينغستوك" (مدينة في مقاطعة هامبشير الإنجليزية)، نبهت إلى هيمنة الثقافة المنهجية التي تقوم على التنكر للنساء اللاتي يبلغن عن تعرضهن لعنف جنسي، و"تقبل" الاعتداء الجنسي على أنه مجرد "جزء من حياة المرأة"، محذرة من ترسخ هذه الثقافة في أذهان المعلمين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف السيدة ميلر "إننا في حاجة إلى توخي الحذر في المواقف التي نتخذها تجاه النساء. فهناك مقدار كبير من التناقضات. وبينما القانون واضح جداً ويصنف الاعتداء الجنسي على أنه جريمة، إلا أنه من الناحية العملية يتم تقبل هذه الممارسات ببساطة كأنها جزء من حياة المرأة، ولا يتم دائماً تصديق الضحايا والتعامل بجدية مع إفاداتهن".
وفي المقابل، تُعد الملاحقات القضائية والإدانات بالاعتداء الجنسي والاغتصاب تاريخياً منخفضة في المملكة المتحدة. وتظهر بيانات حكومية عن عام 2020 حتى مارس (آذار)، أن نسبة 1.4 في المئة فقط من مجموع 55,130 حالة اغتصاب سُجلت لدى الشرطة، قد سلكت طريقها إلى الملاحقة القضائية.
وتقول السيدة ميلر التي ترأست "اللجنة المعنية بشؤون المرأة والمساواة" في الفترة الممتدة ما بين عامي 2015 و2020 "إن التحقيق الذي أجريته في عام 2016 يوضح أن المدارس لا تريد التعامل مع هذه المسائل، بحجة أنه يصعب عليها التعامل معها في ظل الانتشار واسع النطاق لها.
وتضيف "إذا لم يُبلغ عن بعض السلوكيات المتكررة كمحاولات العبث مع الفتيات والتمادي في لمس ملابسهن الخاصة في المدارس، فمن شأن ذلك أن يولد شعوراً بأن هذا الأمر مقبول ولا بأس به. وسرعان ما نجد أن هذه الممارسات تتواصل في أماكن العمل".
ولفتت ميلر إلى أن المجتمع قد تجاهل "كماً هائلاً من الأدلة" التي تشير إلى أن التحرش الجنسي عادةً ما يبدأ في سن مبكرة من حياة النساء والفتيات اليافعات. وحذرت من أن ذلك "يساهم في تقويض الثقة بالنفس لديهن ويلحق بهن الأذى خلال فترة نشأتهن".
وتشير العضو في البرلمان البريطاني إلى أن "الأهم من ذلك، هو أن الفتيات والفتيان يعتقدون أن العلاقات المسيئة تجاه الفتيات هو أمر روتيني. من هنا، تترتب على المدارس مسؤولية واضحة في تأمين الحماية للأطفال".
وترى ماريا ميلر أن المسؤولية تقع على الآباء والمعلمين والمجتمع الأوسع، في رفع مستوى الوعي لدى الأطفال للتمييز بين السلوكيات المقبولة وغير المقبولة. وشددت على ضرورة إصلاح المفهوم الثقافي الذي يسمح باستمرار العنف الجنسي في المدارس.
تجدر الإشارة إلى تواتر معلومات من مصادر وزارة التعليم البريطانية، تفيد بأن المدارس التي لا تفي بمعايير حماية الأطفال قد يصار إلى إغلاقها. أما الموقع الإلكتروني المستحدث "الجميع مدعوون" Everyone’s Invited، الذي يتيح لضحايا العنف الجنسي أن يقدموا شهاداتهم بسرية تامة من دون الحاجة إلى التعريف بأنفسهم، فبات يتضمن الآن رابطاً يمكنهم من خلاله إبلاغ أجهزة الشرطة مباشرة عن تلك الجرائم.
هذا الموقع الإلكتروني الذي أُنشئ العام الماضي يشكل منصةً آمنة للفتيات الناجيات من تلك الممارسات، بحيث يتيح لهن مشاركة حوادث تعرضهن لاعتداءات جنسية، من دون الكشف عن هويتهن. وتحذر مؤسسة الموقع سوما سارة من أن "ثقافة الاغتصاب" باتت قضية متفشية في جميع المدارس.
أما وزير التعليم البريطاني غافين ويليامسون، فوصف المزاعم المسجلة على الموقع بأنها "مروعة ومنفرة". ونبه إلى أن المدارس يجب ألا تكون أماكن تشعر جيل الشباب "بفقدان الثقة وعدم الأمان"، وتعهد باعتماد إجراءاتٍ لمواجهة هذه المشكلة.
وقد قررت بعض المؤسسات التعليمية الخاصة المرموقة منها "مدرسة هاي غيت" Highgate School في لندن، و"كلية داليتش" Dulwich College، اتخاذ تدابير للتصدي للمشكلة بعد تدفق الشهادات عن العنف الجنسي على الموقع.
إشارة، أخيراً، إلى أنه اتُصل بمتحدث باسم مدرسة "براينتغ كومبريهانسيف" للتعليق على الموضوع.
© The Independent