بعد انتظار دام أكثر من شهر، قام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بتكليف أحمد الخفاجي كمحافظ جديد لمحافظة ذي قار، في محاولة لتهدئة الأجواء، حيث لم تتوقف فيها الاحتجاجات منذ اندلاع انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019.
ويأتي تكليف الخفاجي بعد أن قدم المحافظ السابق ناظم الوائلي استقالته، في 26 فبراير (شباط)، على إثر احتجاجات دامية في مدينة الناصرية مركز المحافظة أسفرت عن سقوط نحو 8 قتلى وأكثر من 140 جريحاً، الأمر الذي دفع الكاظمي في حينها إلى تكليف رئيس جهاز الأمن الوطني، عبد الغني الأسدي بمنصب المحافظ بشكل مؤقت لحين اختيار محافظ جديد.
هل يمثل المحافظ الجديد حلاً للأزمة؟
وتتباين الآراء بشأن إمكانية أن يقود المحافظ الجديد حقبة أفضل مما سبق، حيث أثار ترشح الخفاجي الذي يعمل طبيب قلب ومسؤولاً سابقاً في دوائر المحافظة الصحية، موجة من الجدل بين أوساط الناشطين، على الرغم من ورود اسمه ضمن قائمة مرشحين من ساحة الاحتجاج تشمل أربعة أسماء أخرى إلى رئيس الوزراء.
ومن جملة اعتراضات الناشطين التي واجهت ترشيح الخفاجي للمنصب هي وجود تحقيقات بشأنه في قضايا فساد، إلا أن الخفاجي رد على تلك الاتهامات من خلال منشور على "فيسبوك" قال فيه إن القضاء رد تلك الدعاوى.
خطة من ثلاثة مستويات
وبعد يوم واحد من تعيينه، أعلن الخفاجي عن خطة لإدارة المحافظة بمشاركة متخصصين وعلى ثلاثة مستويات، قائلاً في مؤتمر صحافي، في 8 أبريل (نيسان)، إن المستوى الأول، وهو "العاجل والطارئ لمعالجة الأزمات الطارئة، هناك مشكلة في المياه وشحها في بعض مدن الناصرية وستكون لها الأولوية، وكذلك الارتقاء بالخدمات البلدية من حيث تنظيف المدن، إضافة إلى تأسيس غرفة عمليات للكهرباء سيتم تشكيلها اليوم من خبراء ومختصين، ومنعقدة على مدار 24 ساعة لمعالجة واقع الكهرباء على وجه السرعة".
أما المستوى الثاني، فأشار إلى أنه يتمثل في "حزمة من المشاريع سترى النور قريباً، إضافة إلى الخطة الاستراتيجية بعيدة المدى، وهذه في المستوى الثالث، فالمحافظة رصدت لها أموالاً كبيرة للعام الجاري، وستتم ترجمة هذه الأموال على شكل مشاريع تغطي حاجة المواطن في جميع مدن المحافظة".
وفي شأن قضايا المختطفين في المحافظة، أكد أن "هذا الملف له أولوية كبرى، وسنعيد التحقيق ودراسة الملفات المتعلقة بهم ونعيد دراسة ما تم التوصل إليه في الفترة السابقة".
وعن دور المجلس الاستشاري، بين المحافظ أنها "هيئة تم تشكيلها من قبل رئاسة الوزراء، واجبها الإشراف على عمل المحافظ ومراقبة أدائه وتقديم الاستشارة له لمعالجة المشاكل العالقة وتقديم مقترحات للمشاريع"، لافتاً إلى أن "اختيار الأشخاص كان عن طريق الفريق الوزاري". وأشار إلى أن "المحافظة ستبدأ بصفحة جديدة من تاريخها يسودها الأمن والسلم المجتمعي، فضلاً عن البدء في حملة إعمار كبرى ستصل لجميع مدن وقرى المحافظة".
وكان رئيس الوزراء العراقي ظهر في تسجيل مصور، في 7 أبريل، يتحدث إلى الخفاجي بالقول إن "ذي قار تستحق خدمات من نوع آخر، نريد تقديم خدمة تحفظ كرامة أهالي المحافظة (...) لديك كل الدعم، الحكومة الاتحادية لديها برنامج خاص يتمثل في صندوق لإعمار محافظة ذي قار".
إعلان نتائج التحقيقات في أحداث فبراير
وكان الكاظمي قد وجه في فبراير الماضي، بتشكيل مجلس تحقيق بخصوص الأحداث الأخيرة، فضلاً عن تشكيل مجلس استشاري من الشخصيات المرموقة في ذي قار يرتبط برئيس الوزراء بشكل مباشر لمتابعة ملف الإعمار في المحافظة.
وبالتزامن مع إعلان المحافظ الجديد، أوصت لجنة التحقيق في أحداث تظاهرات الناصرية الأخيرة، بإحالة عدد من الضباط وعناصر الأمن إلى القضاء، بتهم إطلاق الرصاص الحي على المحتجين المطالبين بإقالة المحافظ السابق.
وذكرت قيادة العمليات المشتركة، في بيان، أنه "تم إيداع ضابط ومراتب من شرطة محافظة ذي قار التوقيف في مديرية أمن الأفراد لوزارة الداخلية، مع ضبط بندقيتين نوع كلاشنيكوف ومسدسين، لاستكمال الإجراءات الأصولية بصدد إحالتهم على جهة القضاء وبحسب الاختصاص المكاني لثبوت قيامهم بإطلاق العيارات النارية باتجاه المتظاهرين".
وأشارت إلى أن تلك الإجراءات تمت "بناءً على ما تبين خلال التحقيق واعترافاتهم وإفادات الشهود والمقاطع الفيديوية التي تم الحصول عليها ومحضر التشخيص بإطلاق النار". وتابع البيان أن "التقرير تضمن عدة توصيات صدق عليها رئيس الوزراء بالتوجيه لجميع القيادات والأجهزة الأمنية بمحاسبة كل من يقوم بإطلاق النار خلال التظاهرات".
وعلى الرغم من صدور نتائج التحقيقات تلك، فإن العديد من الناشطين أعربوا عن عدم قناعتهم بمحتوى التحقيقات تلك لعدم توجيهها اتهامات لمسؤولين في المحافظة أو قيادات أمنية رفيعة، في حين عبروا عن استغرابهم لعدم حسم بقية التحقيقات المتعلقة بأكثر من مئة قتيل خلال فترة "الانتفاضة العراقية".
إشكالية ترتبط بإدارة الدولة
ويبدو أن الإشكالية في محافظة ذي قار لا ترتبط باختيار محافظ جديد فحسب، حيث يرى مراقبون أنها تمثل انعكاساً للفشل في إدارة الدولة بشكل عام، ويقول أستاذ العلوم السياسية نجم عبد طارش، إن "الأزمة المستمرة في محافظة ذي قار تتعدى فكرة اختيار محافظ جديد، وتتعلق بالإشكالات المرتبطة بإدارة الدولة بشكل عام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبشأن اختيار المحافظ الجديد، يشير طارش إلى أن "الخطورة تكمن في إمكانية أن يمثل فرصة ذهبية للأحزاب، في سياق محاولاتها بناء علاقات معه، وفي حال عدم قدرتها ربما ستستخدم احتمالية فشله في إدارة المحافظة للقول، إنه نتاج الانتفاضة، وتحاول أن تعصب أي فشل برأس التشرينيين".
و"التشرينيون" مصطلح يشير إلى الناشطين والمشاركين في الاحتجاجات العراقية التي اندلعت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ويلفت إلى أن تفجر الأوضاع من جديد في الناصرية "محتمل في أي لحظة"، مردفاً أنه "بإمكان المحافظ الجديد التخفيف من الاحتقان الحاصل من خلال بعض الإجراءات السريعة المتعلقة بإدارة المحافظة".
ويختم أن "اكتمال التحقيقات بشأن قتلة المحتجين في الاحتجاجات على المحافظ السابق غير كافية، وأوساط الانتفاضة تنتظر اكتمال كل التحقيقات المتعلقة بمقتل 126 متظاهراً، فضلاً عن عمليات الاختطاف والاغتيالات التي جرت خلال السنتين الماضيتين".
تحفظات على التقرير الأمني
وتتزايد التساؤلات حول إمكانية أن تكون المرحلة المقبلة في ذي قار أكثر هدوءاً من الحقب السابقة، خصوصاً ما يتعلق بالتحقيقات بشأن قتلة المحتجين وقضايا الاختطاف، فضلاً عن تجاوب الحكومة المحلية مع مطالب الحراك الاحتجاجي بشكل عام.
ويقول الناشط زايد العصاد، إن "الاعتراض الرئيس على اختيار المحافظ الجديد هو أنه كان في ذيل قائمة أولويات المحتجين لهذا المنصب، حيث تضمنت القائمة شخصيات أخرى كانت متصدية في الحراك الاحتجاجي بشكل كبير وتحظى بقبول واسع"، معبراً عن استغرابه اختيار الكاظمي له، خصوصاً وأنه "غير معروف على نطاق واسع في المحافظة".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، الحل لإشكالات المحافظة يرتبط بـ"إحالة كل المتورطين في قضايا القتل والخطف إلى القضاء، فضلاً عن إنهاء سيطرة أحزاب وميليشيات على المحافظة بقوة السلاح".
ويشير العصاد إلى أن "تعامل المحافظ مع الملف الأمني وتقديمه الجناة إلى العدالة ربما سيمثل الفيصل في الحكم عليه خلال الفترة المقبلة".
وبشأن نتائج التحقيقات في أحداث فبراير الماضي، يعتقد أنها "لم تسفر عن جديد"، خصوصاً مع توجيه اتهامات إلى "شخصيات مأمورة وليست ذات قرار، فيما لم تتطرق للحديث عن المسؤولين الكبار في القوات الأمنية في المحافظة".
مطالب إضافية من المحافظ الجديد
وفي مقابل الأجواء الرافضة لتنصيب المحافظ الجديد، يشير ناشطون إلى أن على المحافظ أن يجري عدة خطوات لإثبات أن الحكومة المحلية الجديدة ماضية في تغيير الأوضاع في المحافظة.
ويعبر محمد عبد الكريم الشيخ، وهو ناشط من محافظة ذي قار، عن أمله بأن تكون المرحلة المقبلة في المحافظة "مغايرة وتمثل انتقالة عن النسق السابق"، مبيناً أن الخطوات التي سبقت وتزامنت مع تنصيب المحافظ الجديد "مبشرة في هذا السياق".
ويوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "خطوة تشكيل المجلس الاستشاري في المحافظة ودعمه من قبل رئاسة الوزراء، فضلاً عن إعلان نتائج التحقيقات بخصوص القمع الذي حصل في فبراير الماضي تعطي انطباعاً بأن شكلاً جديداً لإدارة المحافظة تتم بلورته".
ويشير الشيخ إلى عدة خطوات إضافية يجب العمل بها في المرحلة المقبلة، لتصحيح مسار إدارة المحافظة، على رأسها "إجراء تغييرات في المجلس الاستشاري وإضافة خبراء ومختصين إضافيين".
ويتابع أن "بقاء نواب المحافظ ومعاونيه في مناصبهم والذين يثار ضدهم كثير من الجدل، ربما سيدفع الشارع في ذي قار على عدم الثقة في المحافظ الجديد"، مبيناً أن عليه القيام بـ"جملة تغييرات تنتج طاقماً جديداً لتعزيز ثقة الشارع به".
وكان البرلمان العراقي قد صادق على حصة محافظة ذي قار في الموازنة بنحو مليار دولار، فضلاً عن تخصيص صندوق لها بنحو 300 مليار دينار، والتي أثير جدل حول إمكانية أن تستحوذ عليها أحزاب نافذة في المحافظة خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في أكتوبر المقبل.
ويلفت الشيخ إلى أن "الآلية الجديدة التي رسمتها الحكومة لإدارة المحافظة قد تسهم إلى حد كبير في الحيلولة من دون استحواذ الأحزاب على تلك الأموال، لكن هذه الآلية بحاجة أيضاً إلى خطوات إضافية".