وصل وفد أمني مصري إلى قطاع غزة بشكلٍ مفاجئ، الثلاثاء الماضي، في زيارة قصيرة وعاجلة استمرت ساعات، التقى خلالها بعيداً عن وسائل الإعلام، قادة من حركة "حماس" حصراً من دون باقي الفصائل، ثم غادر إلى تل أبيب لعقد اجتماع مع مسؤولين إسرائيليين.
الزيارة السريعة للوفد واقتصار لقائه على قادة "حماس"، تدلل على أن الملفات التي ناقشها خاصة بالحركة فقط، وبعيدة عن تفاهمات التهدئة القائمة حالياً، كون أن الفصائل الناشطة في غزة تُعد شريكاً أساسياً فيها، وعادة ما تحضر اللقاءات التي يجريها الجانب الأمني المصري.
زيارة غامضة لتنشيط الوساطة
وتشير المعلومات الواردة إلى أن اللقاءات التي عقدها الوفد المصري مع مسؤولين في "حماس" وإسرائيل، لها علاقة بتنشيط الوساطة لإنجاز صفقة تبادل أسرى جديدة، إلى جانب بحث آخر التطورات في ملف الانتخابات الفلسطينية التي يجري التحضير لإجرائها.
وعادة، تصدر "حماس" بيانات رسمية بعد زيارة الوفود، تعلن فيها فحوى المحادثات التي أُجريت، لكنها لم تفعل هذه المرة. ويؤشر عدم تطرق "حماس" إلى أي تفاصيل بشأن لقائها مع المصريين، إلى أن الملف الذي جرى نقاشه متعلق بصفقة التبادل، الذي ترفض "حماس" الحديث عن تفاصيله كلياً، وتعده سرياً حتى إبرامه.
ويقول الباحث السياسي طلال عوكل إنه "لا بد من وجود سبب لحضور الوفد المصري، خصوصا مع عدم وجود تصعيد ميداني محتمل، والعلاقات الفلسطينية جيدة. أعتقد أنهم جاؤوا لصفقة التبادل، لكن لا يجري الإفصاح عن ذلك كون الملف مغلف بسرية تامة". وبحسب عوكل، فإن "الزيارة التي تهدف إلى تحريك الملف جاءت بدفعة من (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو الذي يبحث عن فرصة لتحقيق نجاح يوظفه في ملف تشكيل حكومته"، لافتاً إلى أنه "قدم أفكاراً جديدة للمصريين لتحريك الملف". ويتوقع عوكل "ألا تكون هناك فرصة لإبرام الصفقة قبل الانتخابات الفلسطينية المتوقعة، لكن إذا حدث ذلك فسيساعد "حماس" على تحسين فرصها الانتخابية".
"حماس": بحثنا ملفات مشتركة
من جهته، الناطق باسم حركة "حماس" حازم قاسم لدى سؤاله حول إذا ما كانوا ناقشوا ملف صفقة التبادل، يقول إن "الوفد المصري تابع قضايا ذات اهتمام مشترك (دون تسميتها)، في سياق التواصل المستمر معنا. وفي الواقع، القاهرة راعية لملفات عدة في قطاع غزة، كما تابعت تطبيق اتفاق الفصائل حول الانتخابات الذي جرى على أراضيها وبإشراف من جهاز الاستخبارات المصرية".
وفعلياً، يتابع الوفد الأمني المصري قضايا أخرى أبرزها المصالحة الفلسطينية التي من المفترض تطبيقها عن طريق الانتخابات التي يجري التحضير لها. وإلى جانب ذلك، يتابع المصريون ملفات مشتركة بين غزة وتل أبيب، من بينها التهدئة مع إسرائيل.
تأكيدات إسرائيلية
وتؤكد المعلومات الواردة أن المصريين بحثوا مع "حماس" سبل تنشيط التفاوض بشأن الوساطة الخاصة بإنجاز صفقة تبادل أسرى جديدة، لكن تجدد الاتصالات بهذا الشأن لا يعني بالضرورة أن الأمور ذاهبة نحو اتفاق قريب يشمل إنجاز الصفقة، بل البحث بشأن الأثمان والشروط التي لدى الأطراف. وهذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها المصريون بشأن التفاوض حول صفقة التبادل، بل كانوا نقلوا رسالتَين من إسرائيل لـ"حماس"، الأولى تتعلق بتبادل جثامين الفلسطينيين مقابل جثث جنود إسرائيليين، والثانيةـ تتعلق بتقديم حلول إنسانية وإغاثية مقابل الإفراج عن المحتجزين.
وأكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية ذلك، إذ نقلت هيئة البث الإسرائيلية "كان" عن مصادر رسمية بأن زيارة المصريين الأخيرة إلى غزة جددت الأمل في مباحثات التفاوض بشأن الأسرى المحتجزين في القطاع، من دون إعطاء أي تفاصيل إضافية.
وذكرت تقارير عبرية أن الوفد الذي زار غزة بحث مع "حماس" فرص المضي قدماً لإتمام صفقة تبادل أسرى، وحاول سد الفجوات بين السلطات الإسرائيلية والحركة. وإلى جانب ذلك، تعتقد المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن التركيز على القضايا الإنسانية وحدها، لن يؤدي إلى صفقة تبادل، وعلى إسرائيل أن تدفع ثمناً ما، كون الصفقة لن تكون مشابهة لتلك التي جرت عام 2011.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مبادرة السنوار الإنسانية
وتأتي هذه الاتصالات بناءً على مبادرة إنسانية طرحها رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار العام الماضي، في ظل أزمة كورونا، تقتضي أن يتم تقديم تنازل جزئي في قضية الجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة، مقابل أن تفرج تل أبيب عن المسجونين الفلسطينيين لديها من فئة الكبار في السن والمرضى.
وحينها وافق نتنياهو على الدخول في مفاوضات مباشرة عبر وسطاء لإبرام الصفقة، وكانت مصر أول راعية لذلك، إذ سبق ونجحت عام 2011 في التوصل إلى صفقة شاليط، وبعدها تدخلت سويسرا، ثم تجمدت الاتصالات بين الأطراف.
وبحسب الرواية الإسرائيلية التي أكدتها منظمة العفو الدولية "امنيستي"، فإن تل أبيب تبحث عن رفات جنديين فقدا في العملية العسكرية على غزة في عام 2014، وهما هدار غولدين وأورون شاؤول، وآخرَين مدنيَين يحملان الجنسية الإسرائيلية لكن أصولهما عربية وغير معروف مصيرهما بعد، وهما هشام السيد وإفرا منغيستو (أو أبراهام منغستو) دخلا غزة بمحض إرادتيهما بعد التصعيد العسكري عام 2014، في وقتين مختلفين، ووقعا في الأسر.
لكن "حماس" تقول إن في قبضتها أربعة جنود، لم تفصح عن أي معلومات عنهم، لكنها أشارت أكثر من مرة إلى أنهم أحياء، وبثت رسائل عدة تؤكد صحة معلوماتها.